جواهر
في الأسرة المعاصرة

هل المطلوب مربية أجيال أم مساهمة بالمال؟!

الشروق أونلاين
  • 2809
  • 7
ح.م

تخرج نور الهدى يوميا على الساعة السادسة صباحا كي تصل قبل حافلة نقل العمال التي تقلها للشركة التي التحقت بها من 5 سنوات والتي تبعد عن مكان إقامتها بعشرات الكيلومترات.. إنها تجاهد نفسها كالعادة كي تستفيق على الخامسة وتجهز أطفالها كي تتركهم لحماتها، دون أن تنسى إعداد فطور الصباح لزوجها لتذهب على جناح السرعة وقد تركت خلفها مهاما كثيرة عالقة، وبكل تأكيد ستجدها مساء في انتظارها كي تبدأ شوطا آخرا من سباق مضن، يبدأ بالطبخ والتنظيف والترتيب وينتهي بالمراجعة للأطفال وتلبية حاجيات الزوج ثم النوم في وقت متأخر جدا، بعد أن يكون الجميع في سبات عميق!!

تشعر نور في أعماقها بأنها مستهلكة ولا تكاد تجد وقتا للراحة أو الترفيه عن نفسها، لكنها لا تستطيع أن تغير من واقعها شيئا لأن الظروف تجبرها على الحياة بهذه الطريقة التي تقصّر العمر.. هي لا تشعر باللذة في عيشها ولا بالمتعة في بيتها ولا بالفعالية في آداء واجباتها، ولكنها لا تملك خيارا آخرا وسط زحمة المشاكل وتراكم المهام وكثرة المصاريف وغلاء المعيشة، حتى أن زوجها الذي كان ضد خروج المرأة للعمل صار ينبهها لضرورة الحفاظ على منصبها كونه لا يستطيع بمفرده تحمل جميع نفقات البيت والأطفال والكراء والدواء والدراسة، وما إلى ذلك من ضروريات..

قصة نور الهدى تعيشها تقريبا كل عاملة متزوجة ولديها أبناء، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل نحتاج في أسرنا إلى مربيات أجيال أم مساهمات بالمال؟ هل تستطيع المرأة التوفيق بين عملها خارج المنزل ودورها كأم أم أن الأبناء يتأثرون سلبا بخروجها يوميا للعمل؟ وهل تتحمل وحدها عبء التربية مادامت تتحمل مع الرجل الأعباء التي من المفروض أنها من واجباته أم من حقها أن تلقى الدعم لتتمكن من الموازنة؟؟

لسنا بحاجة إلى المرأة التي تطير!

في الوقت الذي تبذل المرأة قصارى جهدها لإثبات وجودها في مجتمع يعيق تحركها بأفكار رجعية ونظرة عنصرية، نجد الكثيرين يشهرون في وجهها العبارة الشهيرة التي تحبطها وهي أن بيتها مملكتها ولا بد أن تتفرغ كليا لخدمة أهلها ولو كلف الأمر أن تضع جانبا طموحاتها وأحلامها لأن رب العزة أوكل لها أنبل مهمة على الإطلاق وهي تربية النشء.

عبد الهادي يقول في الموضوع: “البيت هو المكان الطبيعي للمرأة ومن المفروض أن تبقى فيه لتربية أبنائها كما يجب، ويكفي حجة ما قاله العلامة ابن باديس: “نحن لسنا بحاجة إلى المرأة التي تطير وإنما نحن بحاجة إلى المرأة التي تصنع الرجال” وهذا كلام في الصميم ينبغي أن تعيه نساؤنا جيدا لأن إعداد جيل سوي خير من مال الدنيا”.

المرأة العاملة في الغالب مهملة!   

موسى يقول: “مربية الأجيال هي من تسهم في تلقين أبنائها القيم والمبادئ، أما المرأة العاملة فلا توفق غالبا بين عملها وتربية أبنائها، والمشاكل التي تعاني منها غالبية الأسر راجع بالأساس إلى غياب دور المرأة داخل الأسرة بالشكل المطلوب.”

سامي يقول: “المرأة مهما بذلت من جهد للتوفيق بين بيتها وعملها ستبقى مقصرة، لذلك فنحن بحاجة إلى مربية أجيال لأن الجيل إذا كانت ركائزه صحيحة والجدار مبني بطريقة صائبة سيأتي المال، ثم إن صلاح الأولاد والزوجة معا هما المال الحقيقي لأي زوج وخير ما يتركه الإنسان بعد وفاته ولد صالح يدعو له.”

إيمان تقول: “هذا أهم إشكال تعيشه الأسرة العربية، فبين الاحتياجات المالية والمتطلبات الكثيرة وبين تنشئة الأولاد على الدين والقيم التي بدأت تضيع، تجد المرأة نفسها في حيرة، لذلك إن استطاعت أن توفق بين الاثنين فهذا جيد، لكن إذا رأت أنها أهملت تربية أطفالها على حساب المال فشخصيا أفضل البقاء في المنزل لتربية أطفالي تربية جيدة.. العفاف والكفاف”.

خروجها للعمل ضرورة حتمية

محمد يقول: “بالنظر إلى الظروف التي يمر بها المجتمع الجزائري اليوم، أصبح لزاما على المرأة التكيف مع هذا التطور الذي يحتم عليها إثبات وجودها كفاعل أساسي تقف إلى جانب الرجل وتؤدي دورها لأنها ليست أقل كفاءة منه، وبالمقابل الحفاظ على دورها الأكثر أهمية وهو تربية جيل أصيل متخلق وحقنه بقيم حب العمل والاحترام ومتمسك بهويته ومبادئ المجتمع.”

لينا تقول: “ من وجهة نظري تستطيع المرأة من خلال التنظيم الصارم لحياتها أن تجمع بين كونها مربية للأجيال متشبعة بالقيم والأخلاق وبين كونها طرفا فاعلا في الأسرة من واجبها المساهمة في تكاليف وأعباء المنزل والأولاد، خاصة مع انخفاض الأجور وغلاء المعيشة.”

التربية ليست من مهام المرأة وحدها

وائل يقول: “التربية مشتركة والمساهمة مشتركة وكل تفاصيل الحياة من المفروض أنها مسؤولية مشتركة”.

عمر يقول: “من قال أن المرأة وحدها مسؤولة عن تربية الأطفال وإعداد الأجيال؟.. إن هذه المهمة مشتركة وعلى الرجل أن يعين زوجته في المنزل كما تعينه في المصاريف، شخصيا أتكفل بالمراجعة للأبناء وأساعد الزوجة في الأعمال المنزلية ولا أجد حرجا في ذلك لأنها هي الأخرى تساعدني في تحمل الكثير من الأعباء.”

ملاك تقول: “أفكر جديا في ترك العمل لأني أحمل نفسي فوق طاقتها في حين لا يقدم لي زوجي أي دعم.. أنا أساعده في كل شيء ومن المفروض أن يساعدني هو كذلك ولكن للأسف وجدت نفسي في صراع مع الزمن دون أن أستفيد شيئا، لا المال الذي أجنيه أدخره ولا صحتي بقيت على حالها ولا أطفالي شبعوا من حناني”.

المرأة فاعل أساسي في المجتمع

الأخصائية الاجتماعية فاطمة الزهراء والي تقول أن دور المرأة لا يقتصر فقط في الأسرة بل يتعداه إلى المجتمع، فهي إن كانت أستاذة مثلا تساهم في إعداد الأجيال المثقفة، وإن كانت طبيبة تساهم في إعداد الأجيال السليمة المعافاة وإن كانت مرشدة دينية تساهم في التوعية وهكذا.

من جهة أخرى تشير الأخصائية إلى ضرورة مساعدة الرجل للمرأة كي تتمكن من التوفيق والموازنة، لأن التربية ليست مهمة موكلة لها وحدها، وهي إن كانت تساهم في تنمية الدخل الأسري فلا بد أن تتلقى الدعم المعنوي كي لا تتأثر نفسيتها ويتراجع دورها على جميع الأصعدة.

المرأة لا تعمل من أجل المال!

الأخصائية النفسانية بوشايب سامية ترى أن المال ليس هدف المرأة من العمل وإنما هي تخرج كي تثبت وجودها وجدواها، كما أن هروبها من المنزل بشكل يومي إن كان زوجها ميسور الحال يفسر حاجتها للتنفيس عن روحها والكشف عن مواهبها، ثم يأتي دورها التكميلي كمساهمة في الأسرة ومساعدة على تحقيق الاستقرار المادي الذي يؤدي إلى الاستقرار المعنوي.

هذا وتضيف ذات الأخصائية أن تربية نشء سوي لا يتأتى من حرمان المرأة من إبراز دورها في المجتمع وإنما من مد يد العون لها كي تعطي أكثر ويصبح نفسها أطول.

مقالات ذات صلة