-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تصدّقت علينا فرنسا بالاستقلال؟!

حسين لقرع
  • 1785
  • 1
هل تصدّقت علينا فرنسا بالاستقلال؟!

تُرى: هل منَّت فرنسا على الجزائر بالاستقلال ومنحته لها على طبق من ذهب وانسحبت منها إراديا في سنة 1962؟ سؤالٌ باتت تطرحه أجيالُ الاستقلال وهي تتابع باستغراب كيف آثرت منظماتُ “الأسرة الثورية” الصمت المطبق على التصريحات المدوّية التي أدلى بها المجاهِد والدبلوماسي الأسبق لخضر براهيمي وكذا المؤرِّخُ الفرنسي جاك جوليار اللذان طعنا في جهاد الجزائريين وتضحياتهم.

وباستثناء منظمة المجاهدين التي ردّت أخيرا على تصريحات براهيمي بعد صمتٍ غير مفهوم دام عشرة أيام كاملة، فإنَّ باقي المنظمات لم تردّ، وآثرت وزارةُ المجاهدين الصمتَ بدورها، وعلى نفس الدرب سار مئات الشخصيات الثورية المعروفة التي لا تزال على قيد الحياة، فضلا عن المؤرِّخين وحتى الأحزاب السياسية، وكأنّهم يُقرّون لخضر براهيمي وجاك جوليار على ما صرّحا به لـ”لوموند” و”لوفيغارو” على التوالي!

ما تعرفه أجيالُ الاستقلال، وما يُلقَّن لها في المدارس منذ قرابة 60 سنة، أنّ الجزائر انتزعت حرّيتها من المستعمِر الاستيطاني بفضل تضحيات شعبها وفي مقدِّمتهم ملايين الشهداء منذ 1832 إلى غاية 1962، وأنّ فرنسا فعلت المستحيل للخلود في الجزائر التي كانت تعدّها جزءا لا يتجزّأ منها، وأنّها منحت الاستقلال بلا قتال لدولٍ إفريقية عديدة، لتتفرّغ فقط لإخماد الثورة الجزائرية كما فعلت مع الثوراتِ الشعبية في القرن التاسع عشر، لكنّها عجزت عن ذلك وتعاظمت خسائرُها البشرية والمادّية بمرور الوقت، واضطرّت في آخر المطاف إلى التفاوض على خروج مشرِّف من الجزائر كما فاوض الأمريكيون طالبان على انسحاب مشرِّفٍ وآمن من أفغانستان بعد أن عجزت عن قهرهم طيلة 20 سنة من الحرب، ومع ذلك كله نسمع اليوم من يقول إنَّ أمريكا خرجت طوعا من أفغانستان ولم تُهزم، تماما مثلما خرج الجيشُ الفرنسي من الجزائر بلا هزيمة، ولا نسمع من يردّ على هذه المغالطات الخطيرة التي تقلّل من أهمية كفاح الشعوب وتضحياتها الجسمية في سبيل تحرير أوطانها!

صحيحٌ أنّ الجيش الفرنسي لم يتعرّض لهزيمةٍ ساحقة في الجزائر، على طريقة ما وقع لألمانيا مثلاً في الحرب العالمية الثانية أو للجيوش العربية في حرب 6 جوان 1967، وأنّه أضعفَ الثورةَ عسكريًّا في سنواتها الأخيرة، لكنّه لم يستطع سحقَها كما فعل مع الثورات الشعبية في القرن التاسع عشر، وإلا لما كان قد انسحب من الجزائر.. فرنسا انسحبت حينما لاحظت أن الثوار قد صمدوا أمامها بشكل أسطوري، وتأكّدت أنّ الجزائريين مستعدّون لمحاربتها قرنا من الزمن هذه المرة، وتقديم المزيد من الشهداء، وأنّهم مصممون على انتزاع تضحياتهم مهما كان الثمن، وقد تأكّد الرئيس شارل دوغول من ذلك تماما خلال مظاهرات 11 ديسمبر 1960 وقال مقولته الشهيرة للجزائريين “لقد فهمتكم”؛ لقد فهم أنّ الاستمرار في القتال معناه المزيد من الخسائر في صفوف الطرفين، وأنّ الجزائريين مستعدّون للمزيد من التضحيات من أجل بلدهم في حين تتعاظم الخسائرُ في صفوف الفرنسيين بلا طائل، وأدرك أنّ الأفضل هو التفاوض على مخرج مشرِّف والبحث بعدها عن سُبل استمرار الهيمنة الفرنسية على الجزائر، اقتصاديا وثقافيا على الأقلّ، وقد نجح في ذلك للأسف وأصبحت “دفعة لاكوست” تدير البلاد بعد استعادة سيادتها السياسية، وتُحرمها من استعادة سيادتها اللغوية وتمكّنُ فرنسا من بسط هيمنتها الاقتصادية على البلد عقودا عديدة. باختصار: لقد واصلت فرنسا هيمنتها على الجزائر بعد الاستقلال من دون أن يسقط لها جنديٌّ واحد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ثانينه

    الجزائر البلد الوحيد في العالم الدي يعيش علي الماضي....