الرأي

هل كان آينشتاين عالمًا نزيهًا؟!

ح.م

عندما أشرنا في مقال سابق إلى العنصرية لدى آينشتاين إزاء الصينيين لم يصدّق البعض، علمًا أن الموضوع كان قد صدم الجميع في الغرب عندما نُشرت تفاصيله في جوان الماضي. أما بخصوص إسرائيل فليس سرا أن آينشتاين كان من كبار مؤيدي إنشائها حتى أنه عرضت عليه رئاستها مرتين. وكان آينشتاين يرى السفّاح بن غريون رجلا طيبًا ورئيسها الأول وايزمان رجلا أطيب!

ثم قبل هذا، كان عضوا مُشْرفا في المجلة العلمية Scripta Universitatis التي أنشئت عام 1923 تمهيدا لإنشاء الجامعة العبرية بالقدس، وتلك كانت الغاية المعلنة للمجلة التي تنشر بالعبرية والأنكليزية، ضمن قسمين : قسم “الرياضيات والفيزياء” يديره آينشتاين شخصيا، وقسم “يهوديات ومشرقيات”. وقد تم تدشين الجامعة العبرية في القدس سنتين بعد إصدار هذه المجلة، وزارها آينشتاين بعد ذلك زيارة المُناصر المبتهج بهذا الإنجاز.

أين النزاهة؟

يستغرب الكثير عند التشكيك في نزاهة آينشتاين الذي لا ينكر أحد عبقريته. لكنه من المعلوم في البحث العلمي أن هناك تحايلات وتواطؤات لدى بعض هؤلاء العلماء وخَلَفِهم كي يُرفع من شأن هذا على حساب ذاك لأسباب مختلفة.

تعالت مؤخرا أصوات في العالم تؤكد أن آينشتاين قام بعملية سرقة فكرية في مقاله الشهير الصادر عام 1905 الذي قدم فيه موضوع النسبية. وكان قد ذاع صيته بشكل منقطع النظير إثر صدور ذلك البحث. ويبدو أن بعض العلماء لم يتفطنوا إلى هذا السطو خلال القرن الماضي، وربما تفطن آخرون وفضلوا السكوت.

وعلى كل حال فآينشتاين كان فيزيائيا مثل أقرانه قبل نشره لبحثه حول النسبية وعلاقته الشهيرة القائلة بأن الطاقة تعادل جداء الكتلة في مربع سرعة الضوء. ومن ثمّ اشتهر آينشتاين ونظريته ومعادلته. لكن جوهر المقال ظهر للكثيرين بأنه عمل قام به عالمان آخران هما هندريك لورانتز Lorentz (1853-1928) وهنري بوانكريه Poincaré (1854-1912). أما دور آينشتاين في هذا الجهد فكان ضعيفا!

ويعتبر المدافعون عن آينشتاين أنه كان “رجل القرن العشرين”، لكن المنددين يرون أن هؤلاء المناصرين “قد تعاملوا مع القضية وكأنهم يُزوّرون التاريخ”. والواقع أن آينشتاين قد كتب مقاله الشهير خاليًا من كل المراجع! وهذا رغم أن الكثير من أفكار المقال كانت معروفة قبل 1905 في كتابات لورانتز وبوانكريه. ويضيف المنتقدون أن آينشتاين اكتفى بدمجها في قالب سماه “نظرية النسبية”.

والغريب، في نظر المنددين، أن ذلك حدث بعلم زملاء آينشتاين. أما بخصوص المعادلة الشهيرة فإن نيوتن (1727) وبرستونPreston  (1875) وبوانكريه (1900) ودي بريتوDe Pretto  (1904) كانوا ملمّين بموضوعها. وفي عام 1952، ذهب الأمريكي هربرت إيفس Ives (1882-1953) إلى التأكيد بأن آينشتاين لم يعرف قطّ كيف يستعمل تلك المعادلة!

إدعاءات آينشاتين

اِدعى آينشتاين أنه لم يطلع على إسهامات بوانكريه. وهذا صعب التصديق لأن العديد من أفكاره تظهر في مقال آينشتاين، مثل فكرة المعادلة الشهيرة. وكيف لا يطلع آينشتاين على عمل بوانكريه وقد ألقى هذا الأخير، سنة قبل نشر مقال آينشتاين، محاضرة عامة استعرض فيها تعاليق هامة حول نظرية النسبية؟! ثم إن الصديق الحميم لآينشتاين، موريس سولوفين Solovine (1875-1958) اعترف فيما بعد أنه وآينشتاين انكبّا على دراسة كتاب بوانكريه الصادر عام 1902 وأن محتواه “حَبس أنفاسهما لمدة أسابيع”!!

واللافت أيضا أن ماكس بورن Born (1882-1970)، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1954 كتب : “… هناك عنصر غريب آخر في بحث آينشتاين الصادر عام 1905، وهو غياب أية إحالة لبوانكريه أو لغيره … وهذا يجعلنا نعتقد أن الأمر يتعلق بمغامرة جديدة…”! أما الفيزيائي بورنستون برونBrown  فلاحظ عام 1967 : “سنكتشف، خلافًا لاعتقاد الجمهور العريض، أن آينشتاين لم يلعب سوى دور بسيط في تعريف الصيغة العادية للنسبية الخاصة، وهي الصيغة التي سماها وايتكرWhittaker  النظرية النسبية لبوانكريه ولورانتز”! يعتبر إدموند وايتكر (1873-1956) من أبرز علماء الفيزياء، ولذا فلا بد أن نتأمل في رأيه حين يختار عنوان “نسبية بوانكريه ولورانتز” بدل “نسبية آينشتاين”.

ويرى البعض أن آينشتاين لم يستحوذ على نظرية النسبية الخاصة من بوانكريه فحسب، بل طال سطوه النسبية العامة التي تناولها “رجل القرن العشرين” في الرياضيات، ديفد هلبرت  Hilbert(1862-1943). والاعتقاد السائد عند كثير من الباحثين أن هلبرت هو الذي استكمل نظرية النسبية العامة قبل 5 أيام، على الأقل، من التاريخ الذي سلّم فيه آينشتاين مقاله حول هذه النظرية.

استضاف هلبرت زميله آينشتاين مدة أسبوع خلال صيف 1915 وأقام في بيته وعَمِلَا معا حول النسبية. وقد ساءت العلاقات بين الرجلين في نهاية 1915 بسبب اعتقاد كل منهما أن الآخر استحوذ على عمله. حدث ذلك إثر نشر آينشتاين مقاله دون أن يشير فيه لاسم أو إسهام هلبرت. وما يثبت غضب هلبرت أنه نشر مقالا عام 1924 جاء فيه : “لقد عاد آينشتاين في أحدث ما نشر مباشرة إلى معادلات نظريتي”! وهو ما يوحي بأن هلبرت يعتبر نظرية النسبية العامة نظريته الشخصية.

والجدير بالذكر أن المصادر أثبتت وجود مخطوطات في مكتبة جامعة غوتينغن تبيّن أن هلبرت كان صاحب فكرة النسبية العامة قبل آينشتاين! والغريب في هذا الأرشيف أنه عُثر على مخطوط هلبرت وقد اقتطعت منه قصاصة ذات مضمون هام … ربما لإخفاء هذا المقطع المهم من مقال هلبرت. واتضح حسب ما كتبه الفيزيائي فريدواردت وينتبارغ Winterberg أن المقال المذكور يضم فعلاً كامل أسس النظرية وأن آينشتاين اطلع عليه قبل نشر مقاله!

هناك تفاصيل أخرى كثيرة حول الموضوع، لكننا نكتفي بهذا القدر، وحسبنا التأكيد على أنه ليس من اللائق “تقديس” العباقرة مهما بلغ شأنهم، فهم بشر لهم نزواتهم وأنانيتهم ومواطن ضعفهم إلى جانب عبقريتهم. وقَلَّ ما نجد عبقريًا اجتمعت فيه النزاهة وحب الإنسانية جمعاء!

مقالات ذات صلة