هل كنا إخوانا للشياطين ونحن لا نعلم؟
قالت وزيرة التضامن، إن الدولة الجزائرية قدمت مئات الملايير لمختلف الجمعيات، وتأكد بأن هاته الجمعيات استهلكت المال، ولم تقدم أي منتوج مادي أو فكري، ووعدت بأن توقف هذا التبذير للمال العام، وقال السيد الوزير الأول، إن الكثير من المشاريع التي سماها بالثانوية، والتي تستهلك المال من دون جدوى ستتوقف، ووصلت مختلف الولايات والمديريات تعليمات تشدّد على عدم تبذير المال العام، وتوقيف الرحلات السياحية إلى الخارج، وحتى المواطنين من تلقاء أنفسهم قرروا بأن يتوقفوا عن تبذير أموالهم في كثير من الأمور التي لا يستفيدون منها.
هل هو اعتراف من الدولة ومن الشعب، بأن العشرية الماضية التي منحنا فيها الله فسحة من المال بسبب ارتفاع أسعار النفط، وليس من عرق بذلنا، قد بذرنا جزءا منها، أو ربما الجزء الأكبر منها، أم هي توبة من معاصي سوء التسيير وسوء التدبير التي اتحدت فيها الدولة مع الشعب، فكنا من المبذرين ونحن لا نعلم.. بل إننا نعلم؟
وفي كلا الحالتين هو إقرار بأن حياتنا كانت مليئة بالأخطاء، فالدولة كانت تتباهى بالخزينة المليئة، والشعب ظل يطالب بأن تصب أموال هاته الخزينة الكبيرة في رصيده الصغير، والصدمة الكبرى أننا استفقنا وبرميل النفط يجفّ ويتهاوى سعره، على أن الدولة لم تقم بأي مشروع أمة نهضوي حقيقي، وأن الشعب تدهور تفكيره إلى درجة أن كل فرد كان عبارة عن دولة مصغرة فاشلة، فلم يحدث أبدا وأن احتج الشعب من أجل الصالح العام أو من أجل رفع مستواه الفكري، وكان الهمّ الأول والأخير لكل فرد هو كيفية أخذ ما جادت به سماء أسواق النفط، فجاء استقبال الضربة التي نعلم جميعا بأنها قادمة، بنفس مستوى ما حضرنا أنفسنا لها.
منذ بضعة أشهر كان الوزير الأول يدعوا بأعلى صوته الشعب، بأن يرقص ويمرح ويفرح مادام الخير موجود، وهو نفسه الآن من يطالب الراقصين والمرحين بأن يتفهموا الوضع الجديد الذي بلغه الاقتصاد العالمي، وإذا كنا ننتقد الوزير الأول لأنه طالب الناس بالمرح، فالانتقاد يجب أن يطول الشعب أيضا لأنه أخذ بهاته النصيحة، وإذا كانت الدولة وفي يدها ملايير الدولارات قد عجزت عن إعادة بناء، ولا نقول ترميم الجسر الفاصل بينها وبين المواطن، فلا ندري كيف ستبنيه الآن ويدها فارغة لا شيء فيها.
هناك من يرى بأن كل يقال حاليا من دعوات لتنويع مصادر الدخل والاهتمام بالزراعة والسياحة وغيرهما، هو مجرد لعب في الوقت بدل الضائع، لأن المعروف أن أي هدف يسجل في الوقت بدل الضائع يعتبر شرعيا، لكن للأسف هناك من يرى بأن زمن اللعب قد انقضى، ولا حلّ، سوى تغيير اللاعبين والجمهور والحكام من أجل إعادة لعب مباراة أخرى نظيفة، لا يمكن أن نربحها بمن خسروها على طول الخط وبالنتيجة الساحقة؟