الرأي

هَـبَّـةٌ للنُّهوض بالمصطلح العلمي العربي

خلال اليومين 26-27 ماي الجاري، تعاونت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) بتونس ومنظمة المجتمع العلمي العربي (أرسكو) بقطر، فنظمتَا ندوة تحت عنوان “الملتقى العربي للمصطلحات العلمية : رُؤى موحَّدة”. وشارك في هذا اللقاء، الذي تمّ عبر تقنية التواصل عن بعد، نحو 15 مشاركا من الخبراء والمهتمين بهذا المجال الذي يعاني من إهمال صارخ في العالم العربي. ذلك أن جلّ من يهتم بترقية اللغة العربية اليوم يركّز على التراث الأدبي والتاريخي ونشر اللغة لدى غير الناطقين بها.

ليس سرًا…

ليس سرّا أن رقي لغة من اللغات لا يتأتى بالتركيز على جانب من جوانبها دون الجوانب الأخرى، سيما أننا نعيش عصرا تأتي فيه الفروع العلمية المختلفة بآلاف المصطلحات الجديدة كل سنة، كلها -إلا النادر منها- باللغة الأنكليزية. ولا بدّ للغات المختلفة، ومنها العربية، أن تسارع يوميا إلى إيجاد المقابل لتلك المصطلحات لتوظيفه في ما يُكتب ويُنشر في وسائل الإعلام وفي دور النشر المختلفة.

ومن الروافد المهمّة في تنمية اللغات، نجد مجال التعليم الذي يوظف المصطلحات، خاصة في مؤسسات التعليم العالي. غير أن جلّ الجامعات العربية تخلّت عن تدريس العلوم باللغة العربية ظنًا منها أن هذا التخلّي يمثل إحدى الوسائل الداعمة للتقدم العلمي في البلاد. وهذا تفكير أقلّ ما يقال فيه أنه يتّسم بالسذاجة والهروب إلى الأمام. وإذا ما أردنا دليلا عن ذلك، يكفي أن ننظر كيف تواكب بلدان شتى في آسيا العلم والتعليم بلغاتها، وهي تعتبر من البلدان الصاعدة.

لقد استعرضت الندوة -التي افتتحت بكلمة للسيد محمد ولد أعمر، المدير العام للألكسو- رؤى مختلفة حيث شارك فيها بمداخلات سمعية بصرية أساتذة من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر وسوريا والأردن والسعودية وقطر وفرنسا. وفضلا عن هذه المداخلات كانت هناك نقاشات مثمرة.

المداخلات… وتنشيط شريفة يعقوبي

ومن بين المداخلات، تقديم الشبكة العربية لنحت المصطلحات العربية من قبل الأستاذ أمين الدهماني، القائم بأعمال مدير إدارة العلوم بمنظمة الألكسو؛ وعرض لتقنية خدمة المصطلح العلمي العربي قدمه الأستاذ محمود صالح، الأمين العام لمركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية. وتساءل الأستاذ عبد الفتاح الحجمري، مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط، عما إذا كانت مشاريع التنمية الراهنة في البلدان العربية تضع ضمن أولوياتها تنمية اللغة العربية؟ أما إبراهيم بن مراد، الأستاذ بجامعة منوبة التونسية، فاهتم بدور الترجمة الحرفية في وضع المصطلح العلمي الجديد. وتحدث المعتز بالله السعيد، الأستاذ بجامعة القاهرة، عن “صناعة المصطلح العلمي العربـي: الإشكالات ومنهجية المعالجة”.

ومن جهة أخرى، اقترح الأستاذ صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية (الجزائر) إستراتيجية موحدة للمصطلحات العلمية العربية. كما اقترح كاتب هذه السطور خطة للنهوض بالمصطلح العلمي العربي. وتناول الأستاذ محمد الحناش، من الوكالة الدولية لهندسة اللغات الطبيعية (الرباط)، موضوع التعرّف الآلي على المصطلحات العلمية في النصوص الرقمية. وركّز الأستاذ علي الميلي (من بيت الحكمة، تونس) على الحاجة إلى ثقافة علمية عربية. واستعرض المهندس محمد سامر القوّاس من سوريا تجربة المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر في توحيد المصطلحات، وهو هيئة تابعة لمنظمة الألكسو.

وقد أسهم من موريتانيا الأستاذ إسلمو ولد سيدي أحمد، المتخصص في الدراسات المعجمية، بمداخلة تناولت نشر المصطلحات العربية وارتباطها باستعمال اللغة العربية. أما الأستاذة موزة الربّان، رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي، المفتونة بمشروع تقدم اللغة العربية العلمية أيما افتتان، فاستعرضت إمكانيات منظمتها في هذا الباب، وقدمت اقتراحات في موضوع النهوض بالمصطلح.

والجميل أنه تابع هذا الملتقى أزيد من 3 آلاف شخص عبر مختلف البلدان، وأُثري بنقاشات بين المشاركين. ومن بين من اكتفوا بالتعقيب خلال تلك النقاشات، الأستاذ منصور الغامدي المستشار بالمركز الوطني للقياس السعودي، الذي ركّز في كلمته على دور محرك “غوغل” وأمثاله في فرض المصطلحات الجديدة في عالم اليوم والغد بدل القواميس والمعاجم والأدوات الأخرى.

وما لفت الانتباه أن المنظمين اختاروا منشطة إذاعية جزائرية لمرافقة وتسيير فعاليات الندوة، وهي الدكتورة شريفة يعقوبي التي أنّبنا أنفسنا على أننا لم نسمع بهذا الاسم المتألّق قبل اليوم رغم أنها تعمل بالقناة الإذاعية الأولى، وصاحبة حصة “مجتمع المعرفة” نصف الشهرية. قلنا أننا أنّبنا أنفسنا لأننا نستمع لهذه القناة يوميًا دون التفطّن إلى رقي أداء شريفة يعقوبي صوتًا وتعبيرًا وتركيزًا واسترسالا … فلو “اجتاح” أمثالها القنوات العربية المسموعة والمرئية لما احتاجت اللغة العربية إلى مجامع لغوية وإلى مجالس تُعنى بتعميمها بين الجماهير!

واقع وآفاق المصطلح العلمي

والمتتبع لوضع المصطلح العلمي العربي يجعله يدرك بأن الأمر يحتاج إلى إنشاء عدد من فِرق البحث الدائمة، بمعدل فريق لكل اختصاص، ويكون أعضاء كل الفريق من فئة المختصين في المادة فضلا عن إتقانهم للغة العربية إلى جانب لغات أجنبية. فحركة النشر والترجمة العلمية قد عرفت في البلاد العربية سنوات زاهية. غير أن تلك الجهود المبذولة ليست معروفة لدى كل المختصين بسبب تناثرها عبر الأقطار العربية. ومن ثمّ فالوضع يحتاج إلى إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية توفّر المصطلحات لكل المستعملين مهما كان موقعهم الجغرافي وفي أي وقت أرادوا.

ومن المعلوم أن ترجمة المجلات العلمية الراقية قد انتشرت في عدة بلدان عربية، وهذا دون أن ننسى المجلات العلمية الأخرى (المؤلفة بالعربية وغير المترجمة) وما تقدمه مختلف المواقع الإعلامية والإذاعية والتلفزية من أخبار وحصص علمية. ومن المجلات الأجنبية العريقة المترجمة إلى العربية نذكر مجلة Nature (الراعي : السعودية)، Scientific American  (الراعي الحالي : مصر، وقبلها الكويت)، Popular Science (الراعي : الإمارات)،  Science & Vie (الراعي : السعودية)، New Scientist (الراعي : الكويت).

وفي هذا السياق، غالبا ما تطلب الجهات الراعية من مترجميها تقديم الترجمة المكلفون بها خلال بضعة أيام، وأحيانا في ظرف 48 ساعة لا أكثر! وهذا المترجم كثير ما يعثر على مصطلحات في نصه لا توجد لها مقابلات باللغة العربية فيما هو متوفّر من معاجم وقواميس. فهل سيحلّ هذا المسكين مشكلته ويهتدي إلى مصطلح عربي مناسب بسهولة خلال الفترة الوجيزة التي حدّدتها له المجلة؟!

لقد انكب المتدخلون في الملتقى على مثل هذه القضايا، وبدا واضحا أن مشروعا ضخما من هذا القبيل الرامي إلى تتبع المصطلح العلمي باللغة الأنكليزية والبحث السريع عن مقابل عربي له ووضعه في متناول الجميع عبر موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، مشروع يتطلب إرادة قوية وتمويلات ضخمة من الجهات المختصة ومن الخيريّن في الوطن العربي. نتمنى أن يلقى هذا المشروع من يرعاه بقوة وعزم، ليصل به إلى برّ الأمان.

مقالات ذات صلة