الرأي

وحم الرجال

عمار يزلي
  • 2789
  • 3

نزلت ضيفا غير مرغوب فيه على العزيز وهو يأخذ دواءه اليومي في الليل! سلمت عليه، فرد السلام بسكينة ووقار وكأنه يعرفني. قال لي: انتظرت مجيئك قبل اليوم. لم لم تزرني قبل اليوم؟ اليوم عاد؟! (وراح يدندن أغنية نجاة الكبيرة التي وضع كلماتها نزار خالد: اليوم عاد، كأن شيئا لم يكن!). قلت له: جئتك ثلاث مرات ولكنك كنت خارج مجال التغطية! كنت في أسوأ حالاتك. الحمد لله الذي جعلني أراك قبل أن أغمض عيني إلى الأبد قبل أن أراك! قال لي: ما بك؟ المعافى جاء يشتكي للمريض؟ قلت لي: أنا مريض وحتى مرض ما بي! مصاب بداء النسيان، وأحيانا أنسى حتى أني حي لا أرزق، فأنام على التراب وأنتظر الدفن! قال لي: لم أنم على الأرض حتى أنا الذي وصلت إلى مرحلة. قلت له: أما أنا وكثير من الناس، فيموتون يوميا وينامون في العراء وعلى الترب وهم أحياء! قال لي: وماذا تريد مني أن أفعل؟ أعطينا لهم مناصب شغل في ما قبل التوظيف.. ولم نوظف.. أعطينا لهم سكنات كثيرة.. ولم يسكنوا.. زدنا لهم في المرتبات.. وزدنا أكثر في الأسعار.. انتخبنا لأجلهم ولم ينتخبوا.. برمجنا لهم سنوات ثقافية هنا وفي الخارج.. ولم يتثقفوا..

صعبنا لهم في الملفات فلم يلتفتوا للصعوبات وهبلونا بالملفات.. قضينا لهم على الرشوة فرفضوها وأعطوا هم الرشوة بدون علمنا لتسهيل أمورهم بعد أن صعبنا عليهم الدنيا. قضينا لهم على الإرهاب، فأرهبونا بحرق الأجساد بالبنزين. وضعنا لهم الماء في البنزين لتخفيف كتلته فاتهمونا بأننا عندنا مصلحة شخصية مرتبطة بشركة صناعة “مضخات البنزين في السيارات”. رفعنا من قيمة الكباش، وطأطأنا رؤوس الناس، لأننا نريد أن نرفع من رؤوس كباشنا أمام العالم: أرفع راسك آآآبا! وضعنا لهم الطريق السريع ومنعنا فيه السرعة.. وهم لازالوا “يصرعون” وينقلبون كل منقلب في كل دورة وفيراج.. ويتهموننا بالتزيار وبأن الطريق غير سيار! قدمنا معونات للصيادين لتخفيض سعر السمك، فارتفع سعر كراء البوطيهات من أجل الحرڤة! تحول الصيادون إلى شركة للملاحة البحرية!

سهلنا السياحة، فلم يأت أحد، سوى أن نذهب نحن إليهم… ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أندب ما تبقى من وجهي، أبشش ما فضل من شعري؟ أهبل؟ مخي باغي يطير! قلت له: لا بأس عليك أيها العزيز.. فقد مسنا وأهلنا الضر.. يخصنا الهناء!

وأفيق وأنا أتقيأ: في هذا البلد.. حتى الرجال يجيهم الوحم!

مقالات ذات صلة