الرأي

وسطية أمّة الشّهادة

يقول الله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) (البقرة، 143).

الوسطية هي مجموع صفات الخيرية والعدالة التي فضّل الله بها هذه الأمة المحمدية الخاتمة ليجعلها الأمة القائمة بالحجة والشهادة على غيرها من أمم الأرض.

إن دين الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، وليس هذا الكلام من قبيل الانفعال الإنشائي الخطابي، ولكنه الحقيقة التي دلّ عليها دستور الإسلام الخالد وهو القرآن الكريم، وأيدتها نصوص السنة الشريفة، وأحكام الشريعة في تطبيقاتها الجزئية والكلية. والمنهج الوسط هو الذي أمرنا الله بسلوكه وتنكّب مناهج الغيّ المتناثرة عن يمينه وشماله، وهي بنيات الطريق اللاحب المعتدل. وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى وكأنه يفسر الآية تفسيرا تمثيليا ليكون أرسخ في الأذهان، فعن عبد الله بن مسعود قال: “خط رسول الله خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ))”.

إن من الدلالات التي يشير إليها هذا الحديث الشريف أن منهج الوسطية والاعتدال منهج واحد لا يتعدد، وهو المنهج الذي ارتضاه الله لهذه الأمة المحمدية المرحومة، وهو المعنى الذي تشير إليه الآية الكريمة ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا))، فهي أمة الوسط بجعل الله لها دون سواه .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد”.

مقالات ذات صلة