-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وسيلة واحدة للبقاء في هذا العالم

وسيلة واحدة للبقاء في هذا العالم

كثيرا ما نَنسى أنفسنا ونحن نعيش جدالاتٍ عقيمة حول السياسة والديمقراطية والتصنيع والإنتاج والفلاحة… ننسى حقيقة العالم، ونبدو وكأننا نُقيم معركة لا أول لها ولا آخر في فنجان ما فتئ يضيق بأفُقنا الضيق. ويعتقد البعض أنه سياسي، والآخر أنه معارض، وثالث أنه يمتلك حلولا فورية للأزمات المختلفة التي نعيشها…
نعيش هذه الحال ونحن على وشك أن نكون لاشيء بالنسبة للعالم المتصارع من حولنا، وبدل أن نُعقلِن نظرتنا للاقتصاد والسياسة والفكر، ونتصرف من منظور أننا نعيش في عالم مُجبَرين على أن نعرف خصائصه، نتصرف وكأننا نعيش في جزيرة معزولة، وفي بعض الأحيان يعتقد بعضنا أن سلوكنا له وزن أو تأثير في العالم، ويجهر آخرون عن غير وعي أن العالم في حاجةٍ إلينا ولسنا نحن مَن يحتاجه… وننسى أننا قد نستيقظ غدا، وقد حَسم العالم معاركه الرئيسة من دون أيِّ التفاتة إلينا، لأننا في نظره لم نعد شيئا، ولم نكن شيئا.
أتكلم بهذه النبرة، ليس تشاؤما، ولا تَيْئيسًا، إنما تَحريكا للهمة لكي نكون ونعرف كيف نكون ونبدأ استباق الفعل لكي نصل إلى الموقع الذي يجعلنا نُصنَّف بعد عقد أو عقدين ضمن دول العالم لا ضمن بقية العالم المهجور والمجهول.
لكي تحتلَّ مكانة في عالم الغد ينبغي أن تكون لك مكانة علمية فيه قبل أيِّ أمر آخر. كل القطاعات بما في ذلك الغذاء أساس البقاء لا يمكنه أن يصمد بدون الاستثمار في البحث العلمي استثمارا حقيقيا وليس شكليا. لا يمكن لأي قطاع أن يبقى صامدا في السنوات والعقود القادمة إذا لم يُدعم ببحث علمي حقيقي وبمستويات عليا. لا الصناعة ولا الفلاحة ولا التصدير ولا البناء والخدمات تستطيع أن تصمد من دون بحث علمي حقيقي ومن أعلى المستويات. والأكثر من ذلك، لا يمكن لأمننا القومي بشكل عامّ أن يصمد بلا بحث علمي حقيقي وفي كافة المجالات. مفتاح الأمل والبقاء الوحيد الذي قد يُمَكِّن باقي القطاعات من الاستمرار هو البحث العلمي المتقدم في كافة التخصصات. لا يكفي التعليم بمختلف مراحله، ولا يكفي التعليم العالي بمختلف مراحله وبأعداد المتخرّجين الضخمة من دون بحث علمي فعال ومدروس وموجَّه للاستخدام لا لأجل الاستهلاك الإعلامي. كبرى دول العالم عندما تصل إلى التنافسية الحقيقية تزيد من الموارد المُخصَّصَة للبحث العلمي. زاد الرئيس الأمريكي في المدة الأخيرة الميزانية المخصصة للبحث العلمي في أشباه الموصِلات فقط بأكثر من 50 مليار دولار. وزادت الصين ميزانيتها في هذا المجال وحده بما يزيد عن 140 مليار دولار، لأنهما يعرفان تأثير هذا الحقل على باقي حقول التقدُّم، ويعرفان أن هذا هو المتغير الرئيس الذي يؤثر على باقي المتغيرات، بدون التأثير فيه ستنهار باقي القطاعات.. ونحن في حاجة إلى مثل هذا الخيار. إننا نتحدث عن ميزانية قٌدّرت بـ57 مليار دينار في السنوات السبع الأخيرة، ونشير إلى وجود آلاف الأساتذة الباحثين، ومئات مخابر البحث.. إلا أننا لا نعرف بالضبط ما إذا كانت هذه الميزانية هي لأجل البحث والتطوير، أم لمحيط البحث والتطوير، أم لأشياء أخرى؟ كما أننا لا نعرف بالضبط ما هي المجالات ذات الأولوية التي ينبغي تعميقُ البحث العلمي فيها وفق خصوصيتنا؟ هل أشباه الموصِلات مثل أمريكا والصين؟ أم السُّلالات الفلاحية؟ أم الأتربة النادرة؟ أم غيرها؟ ولمن الأولية؟ وما هي آجال البحث؟ وما هي آليات تقييم البحث؟ وهل كان هذا البحث مُجديا أم عقيما لا يزيد عن استهلاك الميزانية؟ وأي موقع في المجتمع للباحثين؟ ألسنا في حاجة إلى ثورة في هذا الميدان؟ يبدو لي أنها أسئلة ذات أولوية ينبغي طرحُها اليوم إذا كُنَّا نأمل البقاء ضمن العالم، لا أن نُصَنَّف ضمن بقية العالم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!