الجزائر
نوعيات جيدة تتهاوى أسعارها بخمسة أضعاف

وفرة التمور.. نعمة على المستهلكين ونقمة على المنتجين

ح.م

وجه المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للمؤسسات والحرف ببسكرة، نهاية الأسبوع الماضي نداء استغاثة، وطلب تدخل عاجل إلى رئيس المنظمة المذكورة، ومن خلاله إلى كل السلطات العليا للبلاد، من أجل التدخل لإنقاذ التجار ومصدري التمور المهددين بكارثة اقتصادية حقيقية في ظل كساد منتج العام الماضي، ووفرة منتج هذا الموسم، وبقاء الركود على مستوى عمليات التسويق والتصدير، وهذا الواقع المرير والناتج عن تداعيات جائحة كورونا يهدد المنتجين والتجار والمصدرين بخسائر قياسية، وكارثة قد لا تبقى تبعاتها لسنوات عديدة.

في رسالة توضح معاناة هؤلاء المنتجين، تسلمنا نسخة منها، طالب هؤلاء وبشكل مستعجل بإعادة فتح الأسواق المحلية بصفة رسمية، وضرورة تكفل الدولة بتخزين منتوج التمور لهذا الموسم. بسبب عجز الفلاحين عن التكفل بهذا الجانب، في ظل محدودية قدرات التخزين من جهة، وتشبع أغلب غرف التبريد لدى الخواص، بسبب العجز عن تسويق الكميات المعتبرة المخزنة منذ الموسم الفلاحي الماضي، والتي بقيت دون بيع ولا شراء سواء داخل الوطن أم خارجه، وهذه التمور المخزنة اليوم مهددة بالتلف وتهدد المنتج الجديد بالضياع أيضا. كما طالب هؤلاء من السلطات العليا للبلاد، السعي حثيثا وعاجلا للبحث عن أسواق خارجية وعقود تجارية جديدة وواسعة، تضمن تسويق التمور الجزائرية، مطالبين أيضا بضرورة تعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها وسيتكبدونها أكثر في حال بقيت الأمور على حالها. ففي هذه الأيام بات متوسط سعر التمور من النوعية الجيدة، لا يتجاوز 200 دج، وثمة أنواع تباع بـ 150 دج.

المضاربة مرة أخرى!

وبحسب مصادر فلاحية وخبراء مطلعين على الشأن الفلاحي، وشعبة التمور تحديدا، فان هذا الموسم الاستثنائي، الذي ميزته جائحة كورونا، يقتضي تدخل الدولة مباشرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحماية المنتجين والتجار الحقيقيين المهتمين بالتمور من خطر نشاط من وصفوا بـ “البزناسية”، والتجار الموسميين الذين يتسابقون في كل مرة لتخزين التمور بدل طرحها في الأسواق، وهم بذلك يتحكمون في الأسعار بما لا ينفع لا المنتج ولا المستهلك، مستغلين ركود التسويق منذ بداية جائحة كورونا، ليزداد نشاطهم وضغطهم مع بداية موسم الجني الجديد،كما أن هؤلاء البزناسية يستثمرون في استمرار غلق الحدود، لفرض منطقهم وأسعارهم كما أن الشائعات التي بات يروجها هؤلاء الدخلاء، حول إنتاج وتسويق التمور زادت من قلق المنتجين الحقيقيين، وأجبرت الكثيرين منهم على بيع غلة هذا الموسم بأسعار زهيدة جدا،فحسب بعض الفلاحين ممن التقينا بهم في منطقة الزاب الغربي، هناك من باع إنتاج النخلة الواحدة التي تتجاوز غلتها القنطار من تمور دقلة نور الممتازة والصالحة للتصدير ما بين 5000 إلى 10 آلاف دج، بعدما كانت نفس الغلة تباع بـ ثلاثة ملايين على الأقل، في المواسم الماضية أو على الأقل في الموسم الفلاحي الماضي.

هل هذا هو الحل؟

في ظل الوضعية المقلقة التي يعيشها منتجو التمور ببسكرة، يرى العديد من المهتمين بهذه الشعبة ضرورة تدخل الدولة، من خلال اتخاذ تدابير تماثل تلك المعمول بها في الاستراتيجية الفلاحية، التي أقرتها الدولة في أوقات سابقة، لفائدة عديد المنتجات الفلاحية وعلى رأسها الخضروات الأساسية التي تصدر حاليا. وهذا الأمر يتم حسب المهتمين والمختصين عن طريق دخول المصالح العمومية، في اقتناء كميات معتبرة من التمور وتخزينها لخلق توازن في سوق التمور، ومنع المضاربين من التحكم في الأسعار في هذه الأسواق.و بما أن هذه الإستراتيجية قد نجحت في مجال البطاطا مثلا فإن تطبيقها على التمور، سيضمن حماية الإنتاج والمنتجين ويضمن أيضا حق المستهلك في اقتناء التمور بأسعار معقولة، بحيث يكون الجميع منتفعا وبلا خسارة. على خلاف ما هو حاصل اليوم، حيث يضطر الفلاح المنتج للتمر إلى بيع غلته بأرخص السعار ليجدها في السوق تباع بأسعار مضاعفة كلما اقترب شهر رمضان.

علما أن هذه الإستراتجية وفي جانبها النظري تعد فاعلة جدا، ومطلوبة بإلحاح لحماية شعبة التمور ببسكرة، فهذه الشعبة تتطور سنويا بدليل ارتفاع مستوى الإنتاج من موسم فلاحي إلى آخر، فعن الموسم الحالي 2020/2021 كشف رئيس مصلحة الإحصائيات والحسابات الاقتصادية بمديرية الفلاحة طارق بن صالح للشروق اليومي، أن التوقعات تشير إلى أن إنتاج التمور على مستوى ولاية بسكرة سيكون وفيرا ومميزا هذا الموسم، من حيث الكمية والنوعية أيضا حيث من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى أكثر من 4.7 مليون قنطار من مختلف الصنوف أي بزيادة طفيفة تقدر بين 3 إلى 4 بالمائة عن الموسم الماضي.ومن هذه الغلة الوفيرة من المتوقع إنتاج3 ملايين قنطار من دقلة نور، وأكثر من مليون قنطار من الدقلة البيضاء و600 ألف قنطار من التمور اللينة المعروفة بالغرس، إضافة إلى كميات من باقي الأنواع الأخرى التي تنتج ولكن بكميات أقل

والجهود المبذولة من قبل الفلاحين بدعم من الدولة عبر مختلف الهيئات والصناديق ساعد على توسيع المساحة المغروسة بالنخيل حيث تقدر حاليا وفي آخر إحصاء حوالي 26.690 هكتار مساحة منتجة لتمور دقلة نور وذلك من مجموع المساحة الغابية في التي بلغت أكثر من 44.250 هكتار هذا الموسم أي بزيادة بـ 200 هكتار مقارنة بالموسم الماضي كما أكد السيد بن صالح أن النخلة الواحدة تصبح منتجة للتمور الجيدة بعد سبع سنوات من غرسها إذا تم التكفل بها وفق الطرق العلمية الحديثة. وبالنسبة لغرف التبريد الخاصة بتخزين التمور على مستوى الولاية فهي تفوق حاليا 250 غرفة لدى الخواص دون احتساب الغرف المتواجدة داخل وحدات التحويل والتوظيف. وموسم التمور في بسكرة يشغل يدا عاملة بتعداد يفوق 15 ألف عامل منهم 4 بالمائة نساء هذا دون احتساب اليد العاملة الموسمية التي يتم الاستنجاد بها في موسم الجني وهي تقدر بالآلاف أيضا وكل هذه المعطيات تؤكد أن شعبة التمور ليست كبقية الشعب والاهتمام بها أصبح ضرورة ملحة.

نخسر الكثير ليجني غيرنا الكثير!

بالرغم من الإحصائيات والأرقام الايجابية المتوقعة في إنتاج التمور لهذا الموسم إلا أن ذلك تحول قبيل الانطلاق الرسمي لعلميات الجني إلى نقمة وكابوس يؤرق المنتجين والفلاحين بسبب التخوف الكبير من كساد منتوج هذا الموسم في ظل ترويج الكثيرين لمشكلة تشبع غرف التبريد بسبب منتج الموسم الماضي والذي لا يزال مكدسا في الغرف لدى الخواص كما أن نسبة التصدير هذه السنة تراجعت بشكل قياسي بسبب جائحة كورونا وما تبعها من إغلاق للحدود وتعليق للرحلات الجوية وغيرها من المعضلات التي أجبرت وفي ظل هذه الظروف فتح لنا عديد الفلاحين ومنتجي التمور قلوبهم ليروي بمرارة المتاعب والصعوبات التي باتت تواجههم.فهم اليوم في صراع دائم مع الظروف المناخية ومتطلبات التكفل بالنخيل من جهة ومتاعب أكبر تخص التسويق والتخزين.

فخلال زيارة الشروق اليومي لأحد صغار منتجي التمور الذي يملك رفقة والده حوالي 1000 نخلة منتجة لدقلة نور ببلدية الدوسن حوالي 80 كلم غربي عاصمة الولاية بسكرة كشف هذا الأخير أن النخلة الواحدة المثمرة التي يبلغ عمرها تقريبا 15 سنة تنتج ما بين قنطار إلى قنطارين ونصف حسب مستوى التكفل بهذه النخلة. مشيرا إلى أن المصاريف التي ينفقها على النخلة الواحدة في السنة تتراوح ما بين 8000 الى 10.000 دج وتتمحور هذه المصاريف حول اليد العاملة أي العمال المشرفون على عمليات التلقيح ومكافحة الأمراض التي تصيب النخيل عبر استعمال الأدوية وهذا الأمر يكلف لوحده حوالي 2000 دج يضاف إليها مبلغ 3000 دج لعملية الجني وقبلها بقليل مبلغ 1700 دج أجرة تقليم الشمروخ، أما باقي المصاريف هي تعتبر تكاليف الكهرباء والماء ومصاريف أخرى متنوعة.

60 دج سعر الجملة

كما أكد ذات الفلاح أن أغلب العمال الذين يتم الاستعانة بهم هم من خارج تراب الولاية ما عدا تسلق النخيل الذي يعد اختصاصا محليا، وبعد كل هذا الجهد والخسائر المالية أصبح منتج التمور ببسكرة يصطدم بواقع التسويق الذي يمكن وصفه بالغابة التي يأكل فيها القوي الضعيف ويسيطر فيها السمسار و”البزناسي” على المنتج والتاجر الحقيقيين. وفي هذا الموسم الاستثنائي المتواصل منذ مارس الفارط تكبد فيه الفلاح المنتج لخسائر كبيرة نتيجة الوفرة الكبيرة للتمور وضعف التسويق وغلق معظم أسواق الجملة للتمور بالولاية بسبب جائحة كرونا حيث إن بعض الفلاحين، كما أوضح لنا فلاح آخر من مدينة طولقة أن كثرة الشائعات المروجة لحقائق مزيفة حول التخزين وكساد إنتاج الموسم الماضي زرعت نوعا من الخوف والقلق الشديدين لدى المنتجين خصوصا وأن الأسعار الخاصة بالبيع بالجملة حاليا ومنذ الانطلاقة غير الرسمية لموسم الجني المنتظرة في منتصف هذا الشهر أكتوبر قد انخفضت الى 60 دينار للكيلوغرام الواحد كسعر للتمر غير المقطوع من النخلة بعدما كان منتج هذه النخلة يعرض بأسعار تفوق 5 مرات أو أكثر.

وطبعا في ظل المخاوف هناك من غامر وباع بالخسارة وهناك من ما زال متمسكا بشعرة من الأمل لعل الدولة تتدخل وتنفرج الأزمة وتعود الأسعار الى مستواها الطبيعي على الأقل حتى لا تكون خسائر الفلاحين مضاعفة هذا الموسم الذي يجزم الجميع أنه موسم استثنائي جدا بالنسبة لشعبة التمور ببسكرة في انتظار تحركات النقابات والهيئات الممثلة للمنتجين والفلاحين والتي عليها كما يقول الفلاحون البدء أولا بالسعي لدى السلطات المحلية والعليا لإعادة فتح الأسواق فتحا رسميا ثم السعي لتحقيق بقية الانشغالات المرتبطة بالحدود والتصدير والتخزين وغيرها من المشاكل التي حولت حلاوة التمرة إلى علقم في حلق المنتجين في انتظار فرج قريب.

مقالات ذات صلة