الجزائر
القاضي يصدر أحكامه هذا الأربعاء

ولد عباس وبركات.. توسلات برد الاعتبار

الشروق أونلاين
  • 6694
  • 15
الشروق أونلاين

في مشهد درامي مؤثر.. وقف وزير التضامن والأمين العام لحزب “الآفلان”، جمال ولد عباس أمام القاضي، يتوسله بإنصافه، فيما طالب خليفته السعيد بركات بصوت خافت “تبرئته” ورد الاعتبار له، في صورة أسقطت رتبة “المعالي” وهما من كانا معززين مكرمين، في مكاتب فخمة وسيارات فاخرة، ليجدا نفسيهما بين جدران زنزانة السجن، متابعين بتهم ثقيلة ويردان على أسئلة القاضي وممثل الحق العام ويواجهان عقوبات تترواح بين 10 و12 سنة حبسا نافذا، فيما أعلن القاضي كمال بن بوضياف، أن الأحكام في قضية الحالة ستصدر يوم الأٍربعاء 16 سبتمبر.

أسدل الاثنين الستار على أطوار محاكمة الوزيرين السابقين لوزارة التضامن الوطني، جمال ولد عباس والسعيد بركات ومن معهما من المتهمين في قضية “تبديد أموال التضامن”، التي وصفها وكيل الجمهورية بـ”كارثة حقيقية”، تسبب فيها رؤوس الفساد التي عاثت طولا وعرضا في البلاد والعباد وبددت الملايير من الدينارات هي ملك للفقراء والمحرومين والمعوقين تحت شعار “تهادوا تحابوا”، فيما وصفتها هيئة الدفاع بـ”المهزلة” المدعومة بإرادة قوية لـ”تسييس القضية”، وتقديم موكليهم “ككباش فداء” بمناسبة الحراك الشعبي.

توسلات بالجملة للظفر بالبراءة

في حدود الساعة الخامسة وبعد مرافعات ودفوع المحامين، منح القاضي كمال بن بوضياف للمتهمين الكلمة الأخيرة قبل دخول هيئة المحكمة للمداولات والنطق بالحكم في الوقت المقرر، حيث تقدم الوزير السابق للتضامن جمال ولد عباس وخليفته في القطاع السعيد بركات، إلى جانب الأمين العام السابق للوزارة بوشناق جلادي، ومدير التشريفات جلول سعدي وكذا الأمين العام للمنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، حيث طالب الجميع بالإنصاف، وصرحوا بأنهم أبرياء، وأنهم يثقون في العدالة الجزائرية.

وكانت كلمة جمال ولد عباس الأكثر جلبا للانتباه، فلم يتمالك نفسه وبصوت متهدج وعبارات عاطفية، وهو يستجدي القاضي العفو عنه وإنصافه أمام التاريخ، وكان يردد عبارات “أنا بريء” .

ولد عباس: أنا مقتنع بما قدمته وأطلب إنصافي

وقبل ذلك، طلب القاضي من المتهمين الوقوف حتى يسمع كلمتهم الأخيرة، وكان أول من منحت له الكلمة الأخيرة الوزير السابق جمال ولد عباس الذي بدا مرهقا جدا، وحاول أن يرافع لنفسه قائلا “سيدي الرئيس.. أنا مصدوم، لأنني سيرت وزارة التضامن لمدة 10 سنوات من سنة 1999 إلى 2010 بكل نزاهة، ناضلت من أجل محاربة الفقر في جميع مناطق الوطن، وتحملت المسؤولية الكاملة، في العشرية السوداء، وبناء على ذلك فإنني مقتنع وراض بكل النتائج التي قدمتها، كوزير، ومسؤول سياسي ثانيا، وعلى هذا الأساس فأنا بريء بريء”.

سعيد بركات: أنا بريء وجميع إطارات الوزارة نزيهة

ولم يستسغ وزير التضامن السابق السعيد بركات الأحكام القضائية التي التمسها وكيل الجمهورية في حقه “10 سنوات”، وذك عندما طلب منه رئيس جلسة المحاكمة كلمة أخيرة، حيث قال في كلمته الأخيرة وعباراته شدت انتباه جميع الحاضرين وحتى المتهمين: نطالب بالبراءة التامة ورد الاعتبار، قائلا “أنا بريء.. بريء.. بريء، فأنا خدام الدولة بكل نزاهة فأرجوك.. أرجوك.. أرجوك سيدي القاضي.. ترجعلي قدري..! كما أنني أشهد بأن جميع الإطارات التي عملت معي في الوزارة كانوا نزهاء”.

القاضي ينادي على الأمين العام السابق لوزارة التضامن الوطني بوشناق خلادي الذي التمس من القاضي تبرئته من التهم الموجهة له قائلا “أنا بريء سيدي القاضي”، وهي نفس الطلبات التي قدمها مدير التشريفات بوزارة التضامن، المتهم جلول سعدي.

ومن جهته، فإن الأمين للمنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين حمزة شريف فقد رافع لنفسه بقوة، حينما قال “أطلب البراءة التامة من أجل شرف العائلة ورد الاعتبار، لأنني عملت كرئيس منظمة وليس كإطار في الوزارة”، فيما طالب بقية المتهمين في قضية الحال بالبراءة التامة من جميع التهم المنسوبة إليهم.

وقد تواصلت لليوم الرابع محاكمة الوزيرين السابقين للتضامن جمال ولد عباس والسعيد بركات ومن معهما، حيث استأنفت هيأة الدفاع مرافعتها في حق بقية المتهمين.

بركات قدم كبش فداء بمناسبة الحراك

رافعت هيئة الدفاع عن الوزير السابق السعيد بركات، مطولا لبراءة موكلها، وأكدت أن وقائع قضية الحال تعود إلى 2016، أين لم يتم ذكر اسمي الوزيرين السابقين جمال ولد عباس والسعيد بركات، إلى غاية 2019، أين كانت هناك إرادة قوية لـ”تسييس القضية”، بمناسبة الحراك الشعبي.

وقال الأستاذ محمد خضراوي المتأسس في حق بركات إن “اسم موكله لم يذكر لا في محاضر الضبطية القضائية ولا عند وكيل الجمهورية، لأن الوقائع فعلا لا تعود إلى سنة 2019، بل إلى شهر جوان من سنة 2016، وهذا بعد انطلاق ثورة 22 فيفري، ليتم جره إلى مقصلة العدالة من خلال إيهام الرأي العام بأن الفساد تفشى في عهد الوزير السعيد بركات”.

أما الأستاذ كمال علاق فقد أكد “أن كل العمليات التي قام بها الوزير السعيد بركات كانت تدخل في إطار التضامن”، وأن هناك خطة ممنهجة لجر موكله إلى مقصلة العدالة وتقديمه ككبش فداء بمناسبة الحراك الشعبي.

وقال المحامي إن “تقرير المحاسبة في 2015 أشار إلى اختلالات إدارية ونقص في بعض الوثائق، وهو مجلس مختص في المالية فكيف يمكن أن يقوم بالتكييف الجزائي، كما أنه تم تسجيل مغالطة في التقرير”.

وتابع “موكلي تمت متابعته لأسباب سياسية، ونحن صدمنا من طلبات النيابة التي التمست توقيع 10 سنوات في حق موكلنا، فلم نكن نتوقع أن تكون قاسية لهذه الدرجة، خاصة أنه من بداية التحريات في 2016، أين تم إرسال الملف من طرف الديوان الوطني لقمع الفساد إلى وكيل الجمهورية لمحكمة بئر مراد رايس، بتاريخ 21 جوان 2006، لم يتم ذكر اسم الوزير السعيد بركات ليتحول بقدرة قادر في 2019 إلى متهم في قضية الحال متابعا بتهم ثقيلة لا لذنب سوى أنه استعمل أموال صندوق الضمان لوزارة التضامن في عمليات إنسانية استعجالية”.

سعدي عبد مأمور ليس له سلطة القرار

قال المحامي فادن محمد المتأسس في حق المكلف بالتشريفات بوزارة التضامن الوطني جلولي سعدي، إن موكله هو الحلقة الأضعف من الناحية الانسانية والاجتماعية والأقوى من الناحية القانونية ولا يمكن بأي حال من الأحوال متابعته بجنحة تبديد أموال عمومية، لأن مهمته تكمن في تنفيذ تعليمات الوزير الذي اعترف بدوره أنه يتحمل المسؤولية لوحده دون الموظفين الذين كانوا معه.

وأضاف الأستاذ فادن خلال مرافعته “جلولي سعدي هو العبد المأمور وهمزة وصل بين الوزير وباقي المصالح، ليس له سلطة القرار، موضحا بأن الوقائع موضوع المتابعة في قضية الحال لا تتعدى كونها من أخطاء التسيير التي كانت موجودة في كل القطاعات الوزارية تقريبا نتيجة تعطيل وسائل الرقابة المتمثلة في البرلمان ومجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية.

وتابع “وزارة التضامن وجدت من أجل صرف الميزانية التي تتحصل عليها من خزينة الدولة ولها سلطة تقديرية في ذلك وبالتالي فلا يمكن متابعة الوزير على واقعة التصرف بأجهزة الإعلام الآلي لمن سلمها، لكن متابعا من أجل واقعة كيف سلمها..؟ أي كيف سير وأدار هذه العملية…؟”.

وطرح المحامي جملة من الأسئلة “ما هي التصرفات المادية التي قام بها موكلي حتى يوجه له اتهام بتبديد أموال عمومية…؟ ما هي قيمة الأموال المبددة..؟ وهل المتهم جلولي السعدي تصرف في هذا الملف بإرادته..؟”.

وختم الأستاذ فادن مرافعته بالقول “بإسقاط الأفعال المتابع فيها المتهم جلولي سعدي على النموذج القانوني للجنحة المتابع بها وهي المادة 29 من قانون الفساد فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاع المتهم للحكم القانوني موضوع المتابعة ولهذا نطالب ببراءة موكلنا”.

من جهته، أكد الأستاذ كمال بوفافة المتأسس في حق نفس المتهم، أن موكله تم تكليفه بعملية أجهزة الإعلام الآلي وبالتالي “لا بد أن نفرق بين الإشراف والتكليف بسبب مفهوم مذكرة التخرج تحت عنوان “أعوان ومبادئ المحاسبة العمومية”.

وتابع المحامي “للتكليف صلاحيات محدودة، أما الإشراف فهو يشمل التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتقويم، وعليه فإن جلولي ليس آمر الصرف حسب المادة 23 التي تتكلم عن مفهوم آمر بالصرف، هو كل شخص مؤهل للتنفيذ العمليات، كما أن المادة 26 تنص على أن الآمر بالصرف الأساسيين هم المكلفون بالتسيير المالي، المحاسب الدستوري، مجلس المحاسبة والوزراء والولاة. أما الثانويين ويمكن لآمري بالصرف التفويض “وهم رؤساء المصالح”، وبالتالي فإن صفة جلولي سعدي لا ينطبق عليه آمر بالصرف عكس ما جاء في الأمر بالإحالة”.

وأيضا يضيف الأستاذ بوفافة “جلولي سعدي في ملف الموضوع على مستوى التحقيق، ما تعلق بمحضر التسليم لأجهزة الإعلام الآلي ولا أحد تحدث عليها، لاسيما السيد المستشار المحقق لدى المحكمة العليا وبالتالي فإن رجعنا إلى الصفحة من الأمر بالإحالة، نجد المتهم قد استفاد من انتفاء وجه الدعوى، لكن بعد ذلك انقلبت الأمور، ضد موكلي ليعتبره المستشار المحقق الآمر بالصرف مع أنه لا يمكنه مناقشة تعليمات الوزير فيما يخص تسليم أجهزة الإعلام الآلي، والذي اعترف فيها الوزير جمال ولد عباس أنه هو المسؤول عنها، ولهذا سيدي الرئيس نلتمس البراءة لموكلنا”.

“الرشام حميدة واللعاب حميدة”

أكد محامي الدفاع عن مدير التشريفات لوزارة التضامن في عهد السعيد بركات المتهم حمزة شريف كمال شوقي، أن الوقائع التي توبع من أجلها موكله، لا ترقى أن تكون قضائية جزائية أو قضية فساد، بل هي قضية تخص “تقييم مرحلة التسيير”، في ظروف معينة وأشخاص معنيين ومرحلة خاصة.

وقال الأستاذ عبد القادر معاشو، إن “النيابة حرصت وفق سلطة “الملاءمة”، أن تجعل منها قضية فساد دون أن تيكون هناك ثغرة مالية ولو بسنتيم واحد وهذا ما أثبتته كل الخبرات المتعاقبة”.

وأضاف المحامي “فكل ما يعاب على القائمين على قطاع التضامن هو الاعتماد على “جمعيات المجتمع المدني” لإقامة السياسة التضامنية للدولة في تلك الفترة الحساسة التي شهدت عدة أزمات.. فمن أزمة السكر والزيت إلى فيضانات الجنوب، مرورا بحادثة احتراق الطالبات بالمركز الجامعي لتلمسان، وصولا إلى التململ المجتمعي، الذي صاحب حركة الربيع العربي والتي كانت تتطلب شريكا اجتماعيا نزيها مثل المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، على سبيل المثال التي تقوم بموجب عقد وساطة للعمل التضامني لصالح الفئات الفقيرة والهشة والمعوزة”.

وعلى هذا الأساس يقول الأستاذ معاشو “فإن موكلنا حمزة شريف كمال شوقي، بإبرام عقد وساطة وفقا للتشريع الساري المفعول الذي لا يسري عليه قانون الصفقات 15 / 247، كما جاء في الأمر بالإحالة وخاصة أن كل المتهمين من نخبة المجتمع وطبقته العليا ولم يسبق لهم أن تورطوا في قضية تمس بذمتهم المالية”.

وعلى نفس النهج رافع الأستاذ … في حق نفس المتهم، إلا أن هذا الأخير ركز على ضرورة فصل القضاء عن السياسة قائلا “في المحكمة يجب فتح النوافذ حتى تخرج السياسة، حتى تصدر الأحكام العادلة لا غبار عليها”.
وتابع المحامي “أنا مع النيابة من الناحية العاطفية عندما تحدثت على “الفقراء والزوالية والفئات الهشة، ولكن بودي أن تكون الحماية التي تحدث عنها وكيل الجمهورية، في إطار القانون، فقاضي التحقيق لم يخسر علينا سوى الأمر بالإحالة، لكن الكاهل الكبير سيقع عليك سيدي القاضي”.

وفي التفاصيل أوضح الأستاذ، أنه في مرحلة التحقيق يخضع لقانون الإجراءات الجزائية قائلا “كنت أتمنى أن يقف وكيل الجمهورية أمام موكلي ويقول له أنك متابع بتهم تبديد المال العام وغيرها من التهم وفقا للمواد 26 و29، ويقدم له الدلائل التي تدينه… فلماذا تتركون شبهة للعدالة..؟” .

كما تساءل الدفاع “عن سبب عدم تبليغ تعيين خبير محايد في ملف الحال حتى نرى هذه القضية بعين محايد قائلا “الرشام حميدة واللعاب حميدة”، حيث تم تعيين خبراء انحازوا لجهة معينة وسار على نهجهم قاضي التحقيق”.

وإلى ذلك يقول المحامي “موكلي اتصلت به وزارة التضامن وتم إخباره أنه تم اختيارة لتوزيع المساعدات على المعوزين، فهل موكلي بنفس منصب الدولة، إذ تم اختياره بناء على مرسوم 2008، الذي وضعه جمال ولد عباس بصفته وزيرا للتضامن فقط والذي حدد فيه كيفية تسيير صندوق التضامن ونفس الشيء بالنسبة لمرسوم 2009، الذي عين المنظمة الطلابية كوسيط لتوزيع المساعدات والإعانات”.

موكلنا منفذ وليس مقررا

أوضح دفاع المتهم عن الأمين العام السابق لوزارة التضامن في فترة الوزير السعيد بركات المدعو نصطفى بن حبيلس، أن موكله لا يحوز على أي سلطة قرار، وإنما هو منفذ لأوامر المسؤول الأول عنه.

وقال المحامي “موكلي وقع على 21 اتفاقية خاصة بصندوق التضامن باعتباره أمينا عاما للوزارة التضامن في عهد بركات، حيث أن كل الملفات كانت تمر على مديرية الحركات الجمعوية للوزارة، وبعد أن يتم التأشير عليه من طرف المراقب المالي، ليصل الملف في الأخير إلى بن حبيلس للتوقيع على الاتفاقية”، وعليه طالب المحامي ببراء موكله باعتباره منفذا وليس مقررا.

هيأة الدفاع عن أعضاء المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، بدورها حاولت تبرئة موكليها، من خلال استعمال جميع الأدلة والوثائق على شاكلة مراسلة رئيس مجلس المحاسبة للمستشار المحقق والتي أكد أن الوقائع ليس لها وصف جزائي.

مقالات ذات صلة