ومع ذلك عيدكم مبارك
إضافة إلى كون العيد “مظهرا تعبديا”، شرعه الله إعلانا عن انتهاء عبادة، قام بها المؤمنون: عيد الفطر نهاية عبادة صوم رمضان، وعيد الأضحى إعلان عن نهاية الحج إلى بيت الله الحرام.
فإن مدلول لفظه “عادة”، اعتاد المسلمون إحياءها بمناسبة تينك العبادتين إظهارا للبهجة والسرور والفرح.. ومدلولا للفظه أيضا “عود” والعود أحمد كما يقال فهو يعود إلينا كل عام مرتين، والعود لا معنى له غير المجيء والذهاب، فيأتي إلى الناس ويذهب، ولا يشعر به الناس أو يشعرون سيان لأن المجيء والذهاب لا يدل على شيء، وكثير من الناس لا يشعرون بتغيير في حياتهم جاء أو لم يجيء، أما المدلول الثالث فهو العيادة، فالعيد يعودنا كما يعود الأصحاء المرضى، فهو بهذه الصفة يتألم لحالنا فيزورنا ليواسينا ويشد على أيدينا، ويدعونا للصبر على المكاره.
إن كلمة عيد تحمل كل هذه المضامين التعبدية والاجتماعية والأخلاقية المتنوعة، بخيرها وشرها، والمبشرة منها والمنفرة، والمفرحة منها والمحزنة؛ لأن هذه المضامين تحمل الصورة التي يكون عليها المجتمع الذي عاد له العيد وأعاده وأعده، والصورة التي يكون عليها هذا المجتمع ليست جامدة على حال واحدة أو صورة أو شكل أو مضمون.
إن من الأمة من يستقبل العيد على أنه عبادة فيشعر بفرحة المتعبد الذي أدى ما عليه وهو ينتظر الجائزة، تصديقا للرسول صلى الله عليه وسلم، “للصائم فرحتان”، إحداهما فرحة العيد، ومن الأمة من يستقبل العيد ليشتري الملابس للأطفال ويزور الأقارب والأصدقاء، فهو عادة لا أكثر ولا أقل، فهو يصلي صلاة العيد وقد يزور الموتى في قبورهم، ولكن لا يفعل ذلك إلا كما تفعل العادات، وصنف ثالث من الأمة مقلد ومكرر لما يفعل الناس وما يفعله في مثل هذا العيد، لا يجاوز ما فعل في العام الماضي، فهو يعود لأفعال فعلها العام الماضي، كما عاد إليه العيد هذا العام، وآخرون مرضى ومصابون بأدواء متعددة، بسبب ما أصاب الأمة في دينها ودنياها، في مظهرها ومخبرها، في كبارها وفي صغارها، في حكامها وفي محكوميها، فهم من الفئة التي أثقلت كواهلهم بقضايا الأمة وهمومها، فيشعرون بهذه الزيارة “العيادة”، وكأنها زيارة لمريض للتخفيف عنه ومواساته في مصابه، وكما قال أحدهم قديما “بأي حال عدت يا عيد؟”.
إن واقع الأمة بكل أسف لا يوجد فيه ما يشعر بالفرحة، امة ممزقة وأنظمة بائسة وشعوب مقهورة مهزوزة مُلئت أيامُها بالمآسي وليليها بالمعاصي، الآمر بالمعروف فيها قليل والناهي عن المنكر فيها ذليل.. أمة لا أمل لها في ما بين يديها من نظم وتنظيمات..، ولا شعوب وترتيبات، ولا رجاء لها فيما اعتادت من قيادات، وإنما أملها في الله كبير، فهي طامعة في عفو الله الذي بيده الأمر كله.. أمة تأمل في أن يكون هذا العيد كل شيء، بشارة خير، وأحلام جميلة تفتق طاقات الشباب المتوقدة، وعبادة يقبلها الرب الخبير، وعيادة مريض يستشفى بها ويستشفع، وعادة طيبة يفرح بها العيال ويتوسعون في المأكل والملبس واللعب والتزاور.
ومهما يكن من أمر هذا العيد الذي يزورنا والقلوب تتمزق على واقع الأمة الممزقة أشلاء في العراق وبلاد الشام ومصر وفلسطين، وهذه آلة الفساد والإفساد تتحرك في كل الاتجاهات، وصناع الهزيمة يهرولون إلى حتفهم ومصرع شعوبهم سراعا، واليأس يطارد الناس من كل جانب…، فلا أمل بكل أسف في هذا الواقع البائس -بحكامه ومحكوميه- الذي غلب شَرُّهُ خَيْرَه، ولكن مع كل ذلك، الأمل في الله كبير، ومن ثم لا يسعنا إلا أن نقول، عيدكم مبارك وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.