الرأي

وهم الوحدة المغاربية

عبد الله هوادف
  • 4450
  • 8

يصادف هذا الأسبوع الذكرى السادسة والعشرين لمعاهدة مراكش المؤسسة لاتحاد المغرب العربي، وهي فرصة للأمانة العامة للاتحاد، ولحكومات الدول الأعضاء كي تصدر البيانات المقتضبة التقليدية، التي تؤكد فيها التزامها بمبادئ الاتحاد الراسخة وأهدافه السامية، وتدعو (الدول الأخرى) للمزيد من العمل لتجسيد« التطلع العميق والثابت إلى إقامة اتحاد بينها يعزز ما يربطها من علاقات ويتيح لها السبل الملائمة لتسير تدريجيا نحو تحقيق اندماج أشمل فيما بينها». ثم، وبمجرد نشر وتلاوة البيان في وسائل الاعلام الحكومية، يعود كل طرف لشؤونه الخاصة، بعد أن أقنع نفسه بأنه أدى واجب إحياء الذكرى.

إن حالة الاتحاد المحزنة تدعونا اليوم للتساؤل: ما جدوى أن تحفل دساتير دول المغرب العربي في ديباجاتها أو موادها الأولى بالتأكيد على الانتماء المغاربي والحرص على استكمال التكامل في إطاره؟خذ دساتير الدول المغاربية المركزية كمثال،ستجد الدستور التونسي الجديد يقر بأن «الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها، أما الدستور المغربي، فيقرر التزام المملكة بـ «العمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي»، بينما يؤكد واضع الدستور الجزائري، بشيء فيه بعض التحلل من المسؤولية، مع قدر من الواقعية، أن «الجزائر،…، جزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير».

إن دارسي الاندماج الاقليمي يلجؤونعادة إلى بعض البيانات الاحصائية لقياس حجم التكامل بين الدول الأعضاء في تجمع جهوي معين، وأشهر هذه البيانات هو مؤشر التجارة البينية، وهو بالمناسبة لا يتعدى ثلاثة بالمائة في حالة الاتحاد المغاربي، في مقابل 60 بالمائة بين دول الاتحاد الأروبي، و56 بالمائة في أمريكا الشمالية، و23 بالمائة في منطقة آسيان، و19 بالمائة في تجمع الساحل والصحراء.

ولا حاجة هنا للتذكير بحالة الجمود المؤسساتي الذي يعتري الاتحاد منذ عشرين سنة، إذ لا يزال قادة الدول الأعضاء يرفضون الاجتماع في إطار مجلس رئاسة الاتحاد، من غير حجج موضوعية مقنعة، في الوقت الذي يجتمع فيه المجلس الأروبي، الذي يضم رؤساء دول وحكومات ثمانية وعشرين دولة أروبية مرتين كل عام في دورات عادية، إضافة إلى الدورات الطارئة. وذلك راجع فيما يبدو إلى أن جداول أعمال رؤسائنا حافلة لدرجة عدم وجود وقت كاف لبرمجة لقاء يدوم نصف يوم منذ عشرين سنة، أما نظراؤهم الأروبيون، فقد أعيتهم البطالة إلى حد التذرع بأي سبب للاجتماع في مبنى بارلايمون ببروكسل، ولو كان ذلك لمجرد شرب القهوة والتقاط بعض صور السيلفي.

إن بناء تجمع إقليمي ناجح، يجب أن ينطلق من الحقائق، لا من الأوهام. ولا أدري كيف يمكن لمجموعة من الدول التي لم تنجح بعد في بناء نفسها أن تشترك في مسعى وحدوي مشترك، حتى وإن اشترك سكانها في “حلق الرؤوس، ولبس البرنوس، وأكل الكسكس” كما قال ابن خلدون. 

ولأن وشائج القربى لا تمنع أبناء العمومة من الوقوف، باستمرار، كخصوم أمام المحاكم من أجل بعض السنتيمترات المربعة، ولأن “علة الفولة من جنبها” كما يقول المثل المغاربي، وبسبب الضغائن المتراكمة عبر الزمن، يبدو أن الحاجز النفسي الموجود بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة، والذي بدا يمتد، للأسف، بين شعوبها، لن يسمح في المدى القريب بأي تقدم باتجاه “سلام شجعان”، يطوي خلافات الماضي ويفتح آفاق المستقبل. 

ولعل المصير الذي واجه الموقعون على معاهدة مراكش في مثل هذا اليوم قبل ستة وعشرين عاما يدعونا لبعض التأمل (أو التطير ربما)،فباستثناء واحد انتهى حكمه بالموت البيولوجي، خرج اثنان من الحكم عن طريق الانقلاب، بينما رمت الثورة الشعبية بالرابع إلى المنفى، وقتلت الخامس شر قتلة … فهل يتعلق الأمربـ”لعنة فراعنة” تلاحق الجميع بسبب ما حل بـ “الآباء المؤسسين” للاتحاد؟

مقالات ذات صلة