الشروق العربي
أسرار ألف سنة من الوجود

يهود الجزائر

فاروق كداش
  • 20248
  • 15
ح.م

اقرأ التاريخ، وابحث عن الضحية، ستجد اليهود في دور البطولة، هي فلسفة تاريخ اليهود في الجزائر، هي قصة آلاف السنين من الخيانة والابتزاز والمالوف، هي حكاية إفراييم الحاخام وبكاء على أطلال تلمسان… الشروق العربي، تختصر ألف سنة من الوجود اليهودي بالجزائر بأسراره وخباياه.يختلف المؤرخون في عمر وجود اليهود في الجزائر، بين من يقول إن وجودهم لا يقتصر على فترة الاستعمار الفرنسي، بل يمتد إلى ما قبل الميلاد في القرن الثامن قبل الميلاد، بالتحديد مع مجيء الفينقيين.. ويطلق على هؤلاء يهود “توشافيم”، وهم أقدم اليهود في الجزائر، وينحدرون من يهود بني قريظة وبني النضير وبني الدريد، وبين من يؤكد أن الجالية اليهودية في الجزائر تكونت بجموع الهاربين من الأندلس، بعد طردهم من مسيحيي إسبانيا، سنة 1492، وعلى رأسهم الملكة إيزابيلا الكاثوليكية، وتمكنوا من الهرب والاندماج في الحياة الاجتماعية الجزائرية، بسبب مهارتهم وتجاربهم، خاصة أن الجزائر كانت تعيش فترة من الرخاء والازدهار.. ويطلق على هؤلاء اسم الميغورشيم.

بوريم العاصمة

بعد طردهم، عاش يهود الجزائر في رعب شديد‪، خاصة بعد محاولة الإمبراطور الإسباني “شارل كانت” الهجوم على ميناء الجزائر عام 1541، فهرعوا إلى معابدهم يدعون للخلاص، وتموقع الأمبراطور في مكان يدعى كدية الصابون، غير أن معجزة حدثت، وهبت عاصفة قوية حالت دون رسو 150 سفينة في الميناء، ومنذ ذلك الحين ويهود الجزائر بحتفلون كل رابع من هيشفان، وهو الشهر الثاني في الرزنامة اليهودية، بنجاتهم من الحملة الصليبية الإسبانية، ويطلق على هذا الاحتفال بوريم الجزائر.‬.

يهود في زمن الاندثار

وصل تعداد اليهود في الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي إلى 30 ألف نسمة، بينما تجاوز هذا العدد بعد الاحتلال الفرنسي 130 ألف سنة 1948.
وفور وصولهم، تمركزوا في عدة مدن، كتلمسان ومعسكر والأغواط والعاصمة وقسنطينة ومليانة ومستغانم وبجاية وتنس.. ورغم أن عددهم كان قليلا في الصحراء الجزائرية، إلا أنهم تأقلموا بسرعة، واشتهروا بصناعة الذهب، وكانوا يعيشون في قصبات وقصور مشيدة، لا تزال شاهدة على مرورهم إلى حد الساعة.

وقد اشتهر اليهود بحاراتهم المغلقة، وأهمها حارة اليهود في قسنطينة، التي خصصها لهم صالح باي، عام 1750، وحارة اليهود في مجينة الوهرانية، التي خصصها لهم الباي محمد بن كبير، سنة 1792، ولكن المدينة التي كانوا يعتبرونها قدسهم كانت مدينة تلمسان، المعروفة بدرب اليهود، الذي منحهم إياه حاكم تلمسان، السلطان لكحل أحمد منصور.. ومن أشهر معالم المدينة، معبد حي قباسة، والمقبرة، التي دفن فيها أشهر حاخاماتهم، “إفراييم بن كاوة”، الذي حامت حوله الأساطير، كهروبه المزعوم من إسبانيا بسفينة ثم ركوبه على ظهر أسد مستعينا بحية كلجام.

غرائب اليهود في زمن الذمة

كان يهود الجزائر في عهد العثمانيين يخضعون لقانون أهل الذمة، وكانوا يعاملون معاملة خاصة، بالرغم من استحواذهم على التجارة، خاصة الذهب والقماش والصوف والقمح والجلود والخياطة، إضافة إلى شهرتهم في صنع الحلويات.
كان ممنوعا على اليهود ارتداء الألوان الزاهية، خاصة الأخضر رمز الرسالة المحدمية، أو الأحمر رمز الدولة العثمانية، وكان لا يسمح لهم بارتداء البرنوس الأبيض والشاشية والعمامة، وعادة ما كانوا يرتدون ألوانا قاتمة لتمييزهم مع برنوس باللون الأزرق القاتم في العاصمة، والرمادي في منطقة التيطري…أما في قسنطينة، فكان يسمح لهم بين الفينة والفينة بارتداء البرنوس المحلي، لكن حسب مزاج الباي.
ومن أغرب البنود في قانون أهل الذمة، أنه لم يكن لليهود الحق في ارتداء السباط الجزائري، بل نعل جلدي أقصر من أقدامهم، كي يلامسوا الأرض دائما، وهذا تذكير لهم بمكانتهم في البلاد، وكان كل مخالف لهذا القانون بالذات، بعاقب بـ300 جلدة أو فلقة.
أما النساء اليهوديات، فكن مجبرات على ارتداء محرمة من خيوط فضية، فالذهبية منها مخصصة للجزائريات المسلمات، وكانت بنت البكري اليهودي الوحيدة التي كان يسمح لها استثنائيا بارتداء المحرمة المذهبة.

يهود برتبة خونة

عند اندلاع الحرب العالميّة الثانية، تمّ تجنيد اليهود في الجزائر كجزء من التجنيد العامّ، لكونهم مواطنين فرنسيّين. خدم يهود الجزائر في الجيش الفرنسيّ منذ مرسوم كريميو في عام 1870، الذي منحهم الجنسية الفرنسية. ولقي أكثر من 1000 يهوديّ مصرعهم في المعارك وأدى سقوط فرنسا في 1940 وتأسيس حكومة فيشي إلى حصار كلي على اليهود في الجزائر، وكانوا وراء تدبير عملية الشعلة، أو الإنزال الأمريكي في الجزائر، وهذا بمساعدة أكثر من 400 يهودي من منظمة المقاومة السرية اليهودية، وتمت السيطرة على المدينة لمدة يوم كامل، وأدّت عمليّة الشعلة فعلًا إلى وضع حدّ لنظام فيشي، ولكنّ إعادة اليهود إلى أماكن العمل، وكذلك إعادة الجنسيّة أيضًا استمرّت شهورًا كثيرة، وكانت هناك حاجة إلى الاستعانة بيهود الولايات المتّحدة من أجل إعادة وضع اليهود وفقًا لما كانت عليه الحال عشيّة الحرب.

أكبر هجرة لليهود من الجزائر كانت عشية الاستقلال، بعد التوقيع على اتفاق عدم اطلاق النار في مارس 1962، وتزامنا مع الصراع العربي اليهودي، غادر الآلاف إلى فرنسا، والبعض إلى فلسطين، وكانوا الأوائل في تشييد حارات في الأراضي المحتلة، منها عين هود وتسروفا ويوشيفيا… ولم يتبق في الجزائر سوى بعض المئات من اليهود.

مقالات ذات صلة