الشروق العربي
بعد العري والكيراتين‬‬

‫‫حملات “كن رجلا” تتواصل…‬ هل استقيظت الرجولة أخيرا؟

فاروق كداش
  • 14590
  • 30

تنطلق الأصوات من هنا وهناك، داعية إلى عودة الرجولة الضائعة، التي غرقت في وحل التخنث والميوعة والتشبه بالغرب، لكن لا هاشتاغ لمن تنادي، فالكل غارق في رماله المتحركة، ولا أحد يجرأ، وإلا يسمع “خز وذنيه”، على رأي ناس زمان… فهل من منقذ للرجولة في زمن، الرجولة فيه جريمة؟

مرت سنة 2018 والفابسبوك في حالة من الغليان وانطلقت حملات مستميتة لاسترجاع ما ضاع مع الأجداد، “كن رجلا”، كلمتان لخصتا حالة الاحتقان التستروني المزمن التي يعيشها الجزائريون، تعالت هاشتاغات تطالب الرجال بإلزام نسائهم الحشمة في بداية السنة وهاشتاغات “بلاصتك في الكوزينة” للمرأة، وأخيرا هاشتاغ “كن رجلا وابتعد عن الكيراتين”.
ورغم أن هذه الحملات عرفت النور في دول عربية إلا أن الجزائريين احتضنوها وظهرت مجموعات من الشباب حلقوا شعرهم بالكامل للتنديد بالتسريحات الأنثوية، وبعد أن كانت التسريحة الرجالية لا تتعدى 200 دينار مع حلق اللحية و”التحسين”، صار الشباب يدفعون أكثر من 5000 دينار لتمليس الشعر بالكيراتين ووضع الخلطة والحصول على تسريحة “قزعية” لا هي بشجاعة الفايكينغ ولا بشعر شمشون الشجاع.
وأصبحت الأمهات يشتكين من الساعات الطويلة التي يقضيها أبناؤهم أمام المرآة، حتى إنهم فاقوا البنات في المدة التي يقضونها في أخذ حمام ساخن قد تتخلله بعض زيوت الاسترخاء وليفة لتقشير البشرة المتعبة من شمس النهار.

مستحيل أن يكون هذا رجلا

بالنسبة إلى العينة التي سألناها، فالطامة كبيرة، فعماد يقول: “إنها كارثة أن ترى شابا يمرر يديه على شعره مرارا وتكرار وكأنه فتاة تعيد تسريحتها إلى مكانها”. ويقول أيمن: “أنا لم أتعد العشرين، لكني ضد هذه التسريحات والتقليعات المنافية للأخلاق والأعراف، والسبب أننا ابتعدنا عن ديننا وموروث أجدادنا”.
“من المستحيل أن يكون هذا رجلا”، يستهل مراد، 38 سنة، أب لطفلين، وهو يحدّق في شاب أملس الشعر يضع قرطا في أذنه ويلبس جينز ممزقا”…

الشيفون بدل التستوسترون

رأي مراد يأخذنا إلى حملة أخرى “كن رجلا ولا تلبس ملابس أختك”، ربما الجملة قاسية لكن أليس هذا الواقع، فما يلبسه بعض الشباب الذي قد لا يكون له انتماء جنسي مكبوت وليس إلا إمعات تتبع الموضة، يندى له العنق والجبين… سراويل جينز مقطعة وقمصان على شكل ليكات نصف طويلة بقصات نسائية، فضلا عن الرسوم التي لا تمت بصلة للذوق العام… في طريقي إلى العمل، صعدت حافلة خاصة فتفاجأت بقابض الحافلة أو الروسوفير يرتدي قميصا ذهبيا براقا مع جاكيت برسوم الفهد التي نقرنها دائما بالابتذال، هل هي عودة سنوات الديسكو وأنا لا أدري.
وفي نفس الخط الذي لا ينتهي، سمعت هرطقات شابين يتكلمان عن خرجة شوبينغ في متاجر باب الزوار وأنهما اشتريا العديد من الملابس بأسعار تتحدى المنافسة… هل رسميا أصبح الرجال يتكلمون عن الشيفون؟ إنها الساعة لا ريب.

وكي نلم بالموضوع من كل جوانبه، استقينا آراء الجنس اللطيف الذي ضاق ذرعا بأشباه الرجال الذين يسرقون مواعيدهن عند الكوافيرات وتنفد بسببهم مواد التجميل وعلب الماكياج. رميسياء، ترفع شعار “كوني امرأة ولا تدعي ابنك يضع الكيراتين”، نداء إلى كل الأمهات اللواتي يستسهلن ما يفعل ذكورهم بداعي الدلع، أما نداء فتتساءل: “هل الذكورة رجولة أم العكس؟”، وسولاف، تحدّق في المارة مبهمة: “أيهما رجل أو أيهما امرأة؟”، محاولة تعميم الموضوع على المسترجلات من الفتيات “بنات لاريني”.

الرجولة في زمن الذكورة

الامتعاض جماهيري والسخط شعبي واللامبالاة أسرية، فأين الحل؟ ولعل التحدث بمنطق مع الشباب يكون طريقة حضارية، لكن هل ينفع ذلك في زمن التربية تنشأ من فايسبوك؟ والأخلاق تنبع من اليوتيوب؟ هل قطيعة مواقع التواصل الاجتماعي هي الحل؟…
في الأخير، على الجميع أن يدرك أن الذكورة لا تعني بالضرورة الرجولة، فالرجولة موقفٌ قبل أن تكون جنسًا، وهي سلوكٌ وممارسة، وفعلٌ وعمل، ودورٌ وواجب، وتميزٌ واختلاف، فلا يكون الذكر رجلاً بخلقه وشكله، ولا بالشعر المرسوم على وجهه، أو المخطوط على شفته، ولا بعضلاته إن وجدت، أو بقوته إن كانت.. فالذكورة الجنسية شيء، والذكورية الأخلاقية شيء آخر، قد تتفق مع الأولى وتؤكدها، وقد تختلف معها وتنفيها، وتشطبها وتلغيها.

مقالات ذات صلة