الجزائر
مطرودون مشرّدون في‮ ‬مواجهة البرد والأمراض والذئاب البشرية

‭”‬جمهورية الكارتون‮”.. ‬الموت بالتقسيط

الشروق أونلاين
  • 10854
  • 29
الشروق

أضحى منظر عائلات تفترش “الكارطون” إلى جانبها أغراضها وأثاثها ملقاة، منظرا مألوفا في شوارع العاصمة، حتى أن البعض راح يصنع خيما بلاستيكية حتى تقيهم من الأمطار، فقد تم إحصاء 1500 عائلة بين مطرودة وصدرت في حقها أحكامٌ بالطرد، وبغض النظر عن الأسباب المؤدية إليه، وبالرغم من اعتقاد العديد من المواطنين أن عمليات الطرد تتوقف خلال فصل الشتاء، غير أن الحقيقة مغايرة تماما فلا يوجد ما يقف في وجه هذا الكابوس القادر على تشتيت شمل عائلات وضياع مستقبل أبنائها، وهو ما اكتشفته “الشروق” خلال تواصلها مع العديد من العائلات المطرودة التي اختارت صفحاتها لتروي معاناتها في الشارع.

 

عائلات في الشارع تحت 2 درجة حرارة

خلافات حول الميراث وقضايا كيدية وراء جمهورية الكارطون

 وجدت المئات من العائلات في مختلف أنحاء الوطن نفسها رفقة أبنائها وأثاثها مطرودة في الشارع بموجب أحكام قضائية وبتنفيذ من القوة العمومية، فبين ليلة وضحاها أصبحوا بدون مأوى ويفترشونالكارطونفي عز الشتاء.. هي ظروف مأساوية تحياها العديد من العائلات الجزائرية شتت شملها وأرغمت أبناءها على ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة جدا.

تختلف الأسباب التي كانت وراء صدور أحكام بالطرد في حق هذه العائلات، غير أن القاسم المشترك بينها أنها تفترش أرصفة الشوارع في عزّ البرد وتحت الأمطار؛ ففي الوقت الذي تنعم فيه العائلات بالدفء والطعام، تعيش المئات من العائلات حالة التشرد والضياع بدون مأوى في برودة شهر جانفي.

 

الشارع منقذ العائلات المطرودة

تحوّلت السكنات الوظيفية مؤخرا إلى أحد أهم عوامل الطرد، فصار شاغلوها وبعد انتهاء سنوات خدمتهم وإحالتهم على التقاعد يُصدمون بواقع مرير، وهو ضرورة مغادرتهم لها، وبعد أن يستنفدوا جميع السبل والطرق لمحاولة البقاء فيها، يُجبرون على تركها ولا خيارَ أمامهم سوى الإقامة في الشارع إلى أن يعثروا على حل بديل، وهو المصير الذي انتهت إليه 3 عائلات من متقاعدي قطاع التربية كانوا يقيمون في شقق سكنية ببلدية برج الكيفان، غير أنه مؤخرا ومنذ حوالي أسبوعين صدر في حقهم قرارٌ بالطرد من السكنات الوظيفية التي يشغلونها ليتربّص الشارع بهم، هو القلق والخوف نفسه تعيشه أزيد من 30 عائلة تقيم في سكنات وظيفية تابعة لوزارة الشبيبة ببئر خادم، والتي تخشى أن يصدر حكمٌ بالطرد في حقها في أي لحظة، ولا مأوى أو مكان يقصدونه سوى الشارع الذي لا يرحم.

 

كابوس الليل في بومعزة

كثيرة هي العائلات المطرودة، غير أن الحالة التي تعيشها أزيد من 80 عائلة مكونة من نساء وأطفال وشيوخ وعجائز من حي بومعزة بباش جراح منذ 25 يوماً، وجدوا أنفسهم في الشارع، لعلها الأكثر مأساوية وإيلاما، فبعد أن أقصوا من عملية الترحيل الأخيرة احتضنهم الشارع جميعا ولا ملجأ لهم سواه، ولأن المنطقة معروفة بارتفاع نسبة الجريمة تفرّقت نساء العائلات المقصية وأطفالها الذين أجبروا على عدم الالتحاق بمدارسهم ولجؤوا إلى أقاربهم ومعارفهم، فيما بقي الرجال في الشارع يواجهون قساوة وبرودة فصل الشتاء بمفردهم.

 

كابوس الطرد يحرم عائلة النوم أسبوعا كاملا

أضحى حكم بالطرد الصادر في حق عائلةب. جمالالمقيمة في قبو عمارة بالأبيار، والمكوّنة من الوالدين وثلاث بنات منذ حوالي أسبوع جحيما يؤرقهم فلم يعد بإمكانهم النوم، يحكي رب العائلة نحن نقيم في قبو العمارة منذ أزيد من 12 سنة، ولم نواجه مشاكل باستثناء إحدى الجارات، وهي عجوز في الثمانينات من العمر تقطن في الطابق العلوي، قيّدت شكوى ضدهم تتهمهم فيها بإزعاجها باستمرار بالأصوات والفوضى التي تحدثها ابنتهم الصغيرة والتي لا تتجاوز 10 سنوات ليصدر حكمٌ بالطرد في حقهم يوم الخميس الماضي، ويضيف الوالد: “نعيش في القبو والذي هو عبارة عن غرفة نتقاسمها جميعا حتى ابنتي الكبرى المقبلة على اجتياز امتحان البكالوريا هذه السنة، لا تجد مكانا تدرس فيه، يتوقف ثم يواصل: “نحيا في وضعية كارثية فالروائح الكريهة تنبعث من كل مكان والحشرات والجرذان غير أن قرار الطرد للشارع قضى على جميع آمالنا“.

أما زوجته فصرحت لنا أنها لم تنم منذ صدور الحكم فقد أودعوا ملفين لطلب السكن الاجتماعي في بوزريعة ولكن بدون جدوى، فبالرغم من الضيق الشديد واضطرارها للطبخ وراء عتبة البيت، إلا أنه يظل أرحم من الشارع، خاصة مع برودة الطقس وقلة الإمكانيات المادية لاستئجار منزل لكون زوجها عون أمن وتمّ توقيفه من وظيفته في إحدى الشركات الخاصة منذ أزيد من شهر، وهو ما يجعلها متخوفة على مصير بناتها الثلاث من الشارع الذي لا يرحم، وهو ما سيضيّع مستقبل بناتها الدراسي.

 

7 عائلات تفترش “الكارطون” تحت 2 درجة

بعد أزيد من 50 عاما قضتها 7 عائلات آمنة في بيوتها المشيدة على قطعة أرضية في عين البنيان، صدر أمرٌ بالطرد في حقها ليصبح الشارع مأوى لها، يقول أنيس أحد أفراد العائلات المطرودة: خلافات عائلية كانت وراء طردنا بالقوة العمومية من منازلنا، وهي عبارة عن فيلات ومساكن يوم الخميس الماضي، ونُفذ أمر الطرد بالقوة العمومية ولأن العائلات المطرودة مكونة من أطفال ونساء، اضطروا لإبقاء النساء عند أقاربهم، فيما بقيت أخرى على أرصفة الطرقات تواجه برودة الطقس.

 

الطرد ضيّع مستقبل عائلة في الجلفة

قصة أخرى لعائلة قضت حوالي 7 سنوات في شوارع مدينة الجلفة، تسرد السيدة عواش فاطمة الزهراء وهي أم لـ5 أطفال، طردتها شقيقتها من منزلهم العائلي ليصبح الشارع مسكنا لهم منذ سنة 2008، تقول: “لا أملك منزلا ولا حتى المال لاستئجار مكان أقيم فيه رفقة أبنائي، فنحن نقضي الوقت في الشارع نتجوّل بين الأحياء، وفي الليل نتجمّع في ركن من الرصيف لننام فيه، نتلقى تهديدات من المجرمين باستمرار ونواجه برودة الجو وحرارته وتحرشات المارة، تتوقف السيدة فاطمة الزهراء ثم تواصل: “نحن لا ننام مثل الناس ولا نأكل ولا نغتسل نحن في حالة يرثى لها، وهو ما حرم أبنائي من الالتحاق بالمدارس مثل أقرانهم، وكان وراء ضياعي ابني البكر ودخوله المؤسسة العقابية، كنت أحلم بمستقبل أفضل لأبنائي، لكن الشارع كان وراء ضياعنا“.

 

كذّب إشاعة توقيف عمليات الطرد.. سالمي:

مئات العائلات تواجه برودة الشتاء في الشارع

صرح رئيس لجنة العائلات المطرودة أن عمليات الطرد مازالت متواصلة حتى خلال فصل الشتاء، ولم يسبق لها أن توقفت من قبل مثلما يعتقد الكثيرون.

فند حكيم سالمي، رئيس لجنة العائلات المطرودة، في اتصال بـالشروقإشاعة توقيف عملية الطرد في فصل الشتاء، مؤكدا عدم وجود أي قرار أو تعليمة تمنع تنفيذ أحكام الطرد خلال فصل الشتاء فهي مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع، واستطرد سالمي قائلا إن المحضر القضائي يملك حكما قضائيا وعليه الالتزام بتنفيذه بحضور القوة العمومية، وإيقاف عملية الطرد في فصل الشتاء لم يسبق العمل بها باستثناء جانفي 2011، خلال الاحتجاجات التي شهدتها مختلف شوارع العاصمة بعد رفع أسعار الزيت والسكر، فتم وقف عمليات الطرد، وأضاف محدثنا أن أزيد من 1500   عائلة مطرودة ومهددة بالطرد على المستوى الوطني، وعلى مستوى العاصمة وحدها توجد 800 عائلة، غير أن المشكل يكمن في غياب التكفل بها، فالعائلة بعد طردها تفقد قيم المواطنة، فالذي لا يملك مسكنا يفتقد عنصر الأمان، وأردف سالمي أنهم منذ 2009  يطالبون بمنح الأولوية للعائلات المطرودة في عمليات الإسكان، غير أنه لم يتم ذلك، وذكر رئيس اللجنة أن العديد من العائلات تحاول ربح الوقت بعد صدور الحكم، إلا أن ذلك غير ممكن، فالأحرى بهم تجميع المال والعمل على وضع حلول بديلة.

واستغرب سالمي من القانون المعمول به في جميع بلديات الوطن، والذي يلزم المطرود أن يقيم بالبلدية ذاتها، ويستأجر مسكنا فيها حتى يتمكن من الاستفادة من سكن اجتماعي، وفي حال خروجه من البلدية يفقد جميع حقوقه، وشدد محدثنا على ضرورة إيجاد السلطات حلا جذريا والمسارعة إلى التكفل بهم، فالطرد ينتج عليه العديد من المشاكل عندما يشاهد الابن القوة العمومية يطردونهم من مسكنهم تتأثر حالته النفسية وتزداد سوءا.

 

بينما كان القانون القديم يسمح بذلك.. محامي يصرح:

لا يوجد نص قانوني يعطل تنفيذ أحكام الطرد في الشتاء

أكّد بهلولي إبراهيم، أستاذ القانون بكلية الحقوق ومحامي معتمد لدى مجلس قضاء العاصمة، عدم وجود نص قانوني يقضي بوقف الأحكام القضائية المتعلقة بالطرد في فصل الشتاء، وأوضح أن قانون الإجراءات المدنية القديم كان يمنح للوالي صلاحية وقف التنفيذ خلال مدة معينة، فيراعي فيها الوالي ظروف فصل الشتاء أو فترة الأعياد، أما حاليا فلا يوجد نص صريح يلزمه بذلك.

غير أنه في مقابل ذلك، يضيف محدثنا، فالمشرع الجزائري وضع جملة من المواد يمكن توقيف حكم الطرد بناءً على إشكال في التنفيذ مادي أو قانوني؛ فالقاضي الاستعجالي يكون بإمكانه تأخير عملية تنفيذ الحكم لمدة 6 أشهر فقط، لكن ذلك ليس له علاقة ببرودة الطقس، ويتم ذلك بعد رفع دعوى لذكر أسباب توقيف تنفيذ الحكم كأن يكون يتضمن الحكم محلا غير المحكوم إلى أن يتم تصحيح الحكم، واستكمل المختص في القانون تصريحاته أنه في حال تم التقدم بطلب لوقف التنفيذ وتم رفضه فليس بالإمكان رفع دعوى ثانية كما أن الأمر الاستعجالي لا يقبل أي طعن.

 

البيوت مصدر أمان لهم.. نفسانية تؤكد:

90 بالمائة من أطفال العائلات المطرودة يصابون باضطرابات سلوكية

 حذرت سليمة موهوب، مختصة في علم النفس، من خطورة عملية الطرد على نفسية العائلات، وعلى وجه التحديد الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن 14 عاما، يؤثر على سلوكهم بنسبة 90 بالمائة، إذ يفقدون مصدر الأمان، فالمنازل بالنسبة إليهم محل أمان وُلدوا وترعرعوا فيها ليجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في الشارع، وهو ما يصعُب عليهم استيعابه، حتى الأسباب التي تؤدي للطرد لا يمكن للطفل الصغير أن يفهمها فتنقلب حياة الطفل على حدّ قول المختصّة النفسانية، فيفقد قدرته على ممارسة حياته الطبيعية والأكل والنوم وحتى نظرته لوالديه تتغير، فيعتبرهما غير قادرين على حمايته والدفاع عنه ويحمّلهما جزءا من المسؤولية لكونهما في نظره عاجزين عن توفير مكان آمن له.

 وأردفت الدكتورة موهوب أن الصدمة في هذه الحالة تكون متعددة الجوانب، فحتى المجتمع في نظر الطفل المطرود من منزله قد سلبه حقا من حقوقه.

 ولا تقتصر الانعكاسات السلبية لهذه العملية حسب النفسانية على الصغار بل الكبار أيضا، وإن كانوا واعين بحقيقة الأمر يصابون باضطرابات نفسية فالخوف من الشارع، وما يخفيه يظل ملازما لهم قبل عملية الطرد وبعد تنفيذها.

 

وصفها بأهم أسباب التسرّب.. أحمد خالد يعترف:

المستوى الدراسي لأبناء العائلات المطرودة يتراجع 100 بالمائة

اعتبر أحمد خالد، رئيس جمعية أولياء التلاميذ، عمليات الطرد السبب الرئيسي للتسرب المدرسي، ويؤدي إلى تراجع المستوى الدراسي لدى أطفال هذه العائلات بنسبة مائة بالمائة، وهو ما توصلت إليه دراسة كانت قد أعدّتها الجمعية قبل سنوات، وواصل أحمد خالد قائلا إن طرد العائلات من مساكنها أو عمليات الترحيل التي تشهدها مختلف الولايات يؤثر على التحصيل العلمي للتلاميذ، وبالتالي يضعف مستواهم الدراسي ويؤدي إلى تراجع نتائجهم، مستدلاّ أن عمليات الترحيل التي قامت بها السلطات الولائية مؤخرا تسببت في اضطرابات لدى العديد من التلاميذ، وهو الانعكاس السلبي الذي قد يتضاعف عند أطفال العائلات المطرودة، والتي تجد نفسها في الشارع فتفقد بذلك القدرة على متابعة الدراسة.

 وحرص رئيس جمعية أولياء التلاميذ على ضرورة أن لا تكون عملية الطرد أو الترحيل أثناء السنة الدراسية للتأثر البالغ والمباشر لهما على التلميذ، مفيدا أنهم كانوا قد نبّهوا إلى ذلك الوزير السابق بن بوزيد، خاصة بعد أن اتضح أن طرد العائلات من بيوتها دافع لإهمال التلاميذ وتخليهم عن مقاعد الدراسة، لكون الوضع العائلي وظروف هذه العائلات المعوزة غير مشجع على ذلك.

مقالات ذات صلة