-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬والسيادة‭ ‬الشعبية

‭                    ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬والسيادة‭ ‬الشعبية

دخل العالم العربي مرحلة سياسية جديدة، في سعيه من أجل التخلص من الأنظمة الشمولية المستبدة، المبنية على الأحادية السياسية، التي سادت عقب التحرر السياسي من نير القوة الاستعمارية. وبعد تجربة دامت حوالي نصف قرن، أوردنا هذا النظام الديكتاتوري موارد البوار، بما‭ ‬أنتجه‭ ‬من‭ ‬الفساد،‭ ‬والمظالم،‭ ‬وهدر‭ ‬الطاقات‭ ‬الوطنية‭ ‬البشرية‭ ‬منها‭ ‬والمالية‭ ‬والمادية،‭ ‬جراء‭ ‬سياسات‭ ‬خرقاء،‭ ‬فرضت‭ ‬قهرا‭ ‬وقسرا‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭. ‬

  •  
  •  
  •    وهاهي رياح التغيير السياسي تصل متأخرة إلى عالمنا العربي، بعد أن كسحت الديكتاتوريات في العالم قاطبة؛ في أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وإفريقيا. وتم هذا الحراك الاجتماعي والسياسي في ظروف دولية جديدة، ميزتها عولمة وسائل الاتصال التي قضت على سياسة التعتيم الإعلامي الملازمة للأنظمة المستبدة. وأدى ذلك إلى توفير إمكانات تواصل الشباب بفضل الانتيرنات وتوابعها، بعيدا عن عيون الأنظمة والحكومات، الأمر الذي أدى إلى انتشار الوعي والتنوير في أوساطهم، ومكّنهم هذا السلاح الإعلامي من التعبير عن إرادتهم الحرة في إسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬المترهلة‭. ‬وأطلق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬اسم‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬تيمّنا‭ ‬بفضل‭ ‬فصل‭ ‬الربيع‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬باعتباره‭ ‬يمثل‭ ‬تجدد‭ ‬الحياة،‭ ‬والخصوبة،‭ ‬والخيرات‭ ‬الوافرة‭. ‬
  •     وما كان لهذا الربيع الذي جاءنا يختال ضاحكا ليحدث، لولا جيل الفايسبوك، الذي نجح في تغيير موازين القوى بين الحكام والشعوب، لصالح هذه الأخيرة، في غفلة من الطبقة السياسية الفاشلة، التي يتوجب عليها أن تعد العدة لتجديد نفسها، حتى تستطيع أن تترجم انشغالات الشباب‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬والشعوب‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬سياسية‭ ‬فاعلة‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق،‭ ‬تحقق‭ ‬الكرامة‭ ‬والسعادة‭ ‬للمواطن‭ ‬العربي‭.‬
  • وعليه، فإن التغيير السياسي في الجزائر أمر حتميّ لا مفر منه، يستوجب الإعداد لاستقباله، حتى يتم في ظروف سلسة، هادئة، تحافظ على الاستقرار العام. غير أن ما يقلقني هو تلكؤ النظام السياسي القائم، وعدم إبدائه لإرادة سياسية جادة للترحيب بهذا التغيير، والأدلة على ذلك كثيرة في الواقع المعيش، يمكن إجمالها في استمرار النظام المترهل في غلق جميع الفضاءت السياسية، والمنابر الإعلامية، أمام الرأي الآخر، والحجر على المجتمع المدني، والتمسك بالحل الأمني الذي أكدت أحداث الحراك العربي فشله المطلق. ويمكن أن نضيف إلى ذلك مؤشرا آخر، يوحي بأن من شبّ على الاستبداد، لا يمكن إلا أن يشيب عليه. فلا خير يرجى من السلطة المستبدة وأدواتها الحزبية، التي تحاول الآن الالتفاف على الأمل الديمقراطي، لإجهاضه مثلما تم إجهاض انتفاضة شباب أكتوبر 1988م، وذلك بواسطة ما سمي من باب المخاتلة بهيئة الاستشارة‭. ‬إن‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬يثق‭ ‬فيها،‭ ‬كحال‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬النجاة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسلك‭ ‬مسالكها،‭ ‬فالسفينة‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬لا‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬اليبس‭.‬
  •    وعليه فإنني لا أرى من حل لمعانقة التغيير إلا من خلال مجلس تأسيسي، سيّد، يعبر عن الإرادة الشعبية، ويمثل جميع الشرائح السياسية والاجتماعية والنقابية والمهنية في المجتمع، دون إقصاء لأي طرف مهما صغـُر حجمه، فالمنطق يؤكد على لسان القاضي عبد الجبار المعتزلي، أن‭ ‬الكثرة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬أمارات‭ ‬الحق،‭ ‬ولا‭ ‬القلة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الباطل،‭ ‬فقد‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬البحر‭.  ‬
  •  
  • ما‭ ‬هو‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي؟
  •   عاد مفهوم “المجلس التأسيسي” إلى سطح الأحداث السياسية، بعد بزوغ فجر الربيع العربي، فملأ الأسماع والأبصار، في خضم السعي المبذول لبناء الدولة الديمقراطية العادلة، في عالمنا العربي، الذي ناء بأحمال عقود الاستبداد. فهل يرتبط فعلا هذا المصطلح ـ عندنا ـ بخلافات 1962م، كما تدعي بعض الأحزاب المستفيدة من النظام القائم، وبالتالي لم تعد الأوضاع الراهنة في حاجة إليه؟ أم أن هذا الموقف لا يعدو أن يكون محاولة لإجهاض المشروع الديمقراطي، وقتله في المهد، من طرف أنصار تجديد الاستبداد في إطار واجهة تعددية مضللة ومخاتلة؟
  •    إذا عدنا إلى التاريخ، فإننا نجد أن المجلس التأسيسي كان بمثابة حجر الزاوية في انتقال الكثير من البلدان ـ الراقية اليوم ـ من الأنظمة القديمة الفاسدة إلى الحكم الديمقراطي العادل، الذي حقق الأمن والأمان والرفاهية والكرامة لشعوبها. فثورة 1789م الفرنسية الشهيرة التي كرست النظام الملكي الدستوري في فرنسا، قد أسست على قاعدة المجلس التأسيسي، وظل دوره فاعلا في كل الإصلاحات الدستورية المتوالية إلى أن استقر الوضع على النظام الجمهوري الحالي. كما شكل المجلس التأسيسي قاعدة الإصلاح السياسي في ألمانيا بعد انهزامها في الحرب العالمية الأولى. وعندما لاحت في الأفق مؤشرات تحرر الهند من نير الاستعمار الانجليزي، تبنّى شعبها خيار المجلس التأسيسي لوضع الدستور، وقد انتخب في شهر ديسمبر 1946م قبل إعلان الاستقلال، وظل يعمل جاهدا لمدة ثلاث سنوات، كللت جهوده بوضع دستور زكاه الشعب، ثم دخل‭ ‬حيّز‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬جانفي‭ ‬1950‮.‬‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬العربي‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬مطلبا‭ ‬شعبيا‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬جانفي‭ ‬2011م،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التأسيس‭ ‬للدولة‭ ‬الديمقراطية‭.‬
  •     وتكمن أهمية المجلس التأسيسي في كونه وسيلة هامة تمكّن الشعب من التعبير عن إرادته الحرة في التغيير السياسي، وفق مصالح الأمة وليس إلا. فهو مجلس ذو مصداقية باعتباره مجلسا منتخبا، يمثل كل الفئات الاجتماعية، والحساسيات السياسية، والهيئات النقابية، والشبابية والنسوية،‭ ‬وحتى‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬إذا‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬ذلك‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬فهو‭ ‬مؤهل‭ ‬لرسم‭ ‬معالم‭ ‬النظام‭ ‬الجديد،‭ ‬ووضع‭ ‬أسسه‭ ‬السياسية،‭ ‬وفق‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬المعبر‭ ‬عنها‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭.‬
  •  
  • لماذا‭ ‬نريد‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي؟‭  ‬
  •     أكد تاريخ البشرية أن تغيير الأنظمة السياسية ظاهرة صحية، هدفه تحسين وصقل الممارسة السياسية، عبر إصلاحات يفرضها المكان والزمن، تتسع فيها دائرة مصالح الأغلبية والجمهور العريض باستمرار. وفي إطار هذه السيرورة عرفت البشرية أنظمة سياسية متعددة، بدءاً بالنظام العبودي، إلى النظام الإمبراطوري، إلى النظام الملكي المطلق، فالملكية الدستورية، ثم النظام الجمهوري المستبد، ومنه إلى النظام الجمهوري العادل. والجدير بالذكر، أن الأمم والشعوب لم تعرف هذا التغيير دفعة واحدة، بل خضع للظروف الداخلية التي تختلف من أمة إلى أخرى. ‭ ‬
  •    ومن هنا يمكن القول إن الأنظمة السياسية الراشدة، تدرك أن التغيير سنّة الله في خلقه، وأنها لا تستطيع السباحة ضد التاريخ، أو توجيه السفينة عكس اتجاه الرياح. ومن يفعل ذلك فأولئك هم العاجزون عن استخلاص العبرة من الواقع المعيش، واستشراف المستقبل بمعطيات علمية‭. ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬طبعه‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشاكلة‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬أهلا‭ ‬لقيادة‭ ‬الأمة،‭ ‬لأن‭ ‬فاقد‭ ‬الشيء‭ ‬لا‭ ‬يعطيه‭.‬
  •     وأمام حتمية التغيير السياسي، فإن انتخاب المجلس التأسيسي، في رأيي، يشكل أولوية مطلقة، توكل له مهمة وضع مشروع الدستور، يتم عرضه للاستفتاء حتى يتخذ الصبغة الشرعية النهائية. ولابد من  اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها أن توفر أسباب النجاح لهذه العملية الهامة،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬إجمالها‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬التالية‭:‬
  • ‭- ‬وجوب‭ ‬إبداء‭ ‬النظام‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‭ ‬نحو‭ ‬التغيير‭.‬
  • ‭- ‬إشاعة‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬الثقة،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬السياسي‭ ‬والمنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬أمام‮ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭.‬
  • ‭- ‬تحديد‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬للتغيير‭.‬
  • ‭- ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬انتقالية،‭ ‬تتولى‭ ‬أمر‭ ‬تصريف‭ ‬شؤون‭ ‬المواطنين‭ ‬العادية‭.‬
  • ‭- ‬توفير‭ ‬الأجواء‭ ‬السليمة‭ ‬لانتخاب‭ ‬مجلس‭ ‬تأسيسي،‭ ‬ذي‭ ‬تمثيلية‭ ‬حقيقية‭. ‬
  • ‭- ‬توفير‭ ‬جميع‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية،‭ ‬للمجلس‭ ‬التأسيسي،‮ ‬لتحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬في‮ ‬مهمته‭.‬
  •      هذا وأعتقد جازما أن العمل خارج هذا إطار المجلس التأسيسي هو انحراف عن مسار التغيير الحقيقي من البداية، لأنه مهما كان حرص أعضاء اللجنة الموكل إليها أمر وضع مشروع الدستور الجديد، على نزاهة أعمالهم، فهم لا يستطيعون أن يعارضوا مصالح الجهة التي عيّنتهم وشكلت‭ ‬لجنتهم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬افتقار‭ ‬هؤلاء‭ ‬للشرعية‭ ‬بحكم‭ ‬تعيينهم،‭ ‬بدل‭ ‬انتخابهم‭.‬
  •     رغم إصرار النظام القائم، على انتهاج منطق “سمعنا وعصينا”، إزاء مطلب التغيير الذي يدق الأبواب والنوافذ والسقوف بإلحاح، فلا يسعني إلا أن أرفع أكفّ الضراعة إلى الله، ألا تضيّع الجزائر هذا الوضع المثالي، المتميز بالاستقرار السياسي، من أجل إحداث تغيير سياسي هادئ‭ ‬بأقل‭ ‬التكلفة‭. ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬هدر‮ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‮ ‬ـ‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‮ ‬ـ‭ ‬فسيحدث‭ ‬التغيير‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أسوأ،‭ ‬وبتكلفة‭ ‬بشرية‭ ‬ومالية‭ ‬ومادية‭ ‬باهظة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬أشقائنا‭ ‬العرب‭.‬
  • ‭ ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • أبو

    كيف نطلب من نظام غير شرعي أن يعود إلى الشرعية. لو أسست هده الدولة مند 62 بمجلس تأسيسي لم وصلنا إلى هدا الحد . يا سي أرزقي أنت تتكلم بمثالية كبيرة لا يفهمها هؤلاء وفر حبرك وفكرك .

  • hocine from sweden

    بارك الله فيك أنت صادق ومخلص.

  • تونسي

    مقال ممتاز في رأيي، وأتفق كليا مع الأستاذ أرزقي كاتب المقال في أمله أن يتم هذا الإصلاح السياسي والإنتقال الدمقراطي في الجزائر في ظروف أمنية وسياسية مستقرة وبأقل كلفة اجتماعية وسياسية وامنية ممكنة، وإلى أن يجمعنا بلد واحد وهو مصيرنا المحتوم، عاش الشعب الواحد في تونس والجزائر وكل أقطار المغرب الكبير.

  • missoum

    امر مهم في تطوير والتقدم لاكن عايقنا الوحيد هو دور الجيش ونحن في بلد كسب فيه الجيش شرعيه تارخيه التي من الصعب استبدالها بشرعيه اخري غير اني اري استادي الكريم يمكن دالك ادا اوكلنا له صفت الوكيل الشرعي للشرعيه الشعبيه الحقيقيه والغير مزوره وبدون تدخل فيالساسه الهم بعضها و الدي يجب ان يكون دوره توجيهي و راسم لها لا متدخلا في تسييرها عبر ما يعرف بفصل الصلطات

  • مسلم

    شكرا لكم الاستاذ ارزقي فراد ، والمهم هو ان نسلك الطريق الذي يتفق عليه اغلبية الشعب ، والطريق الذي يشير اليه العلماء والعقلاء، أو بعبارة اخرى الطريق الذي يشير اليه السياسيون العلماء والعلماء السياسيون، لا طريق من هب ودب، والمسألة خطيرة وجديرة بالراسة والتروي والتفكير السليم والجماعي انها قضية حياة او موت انها قضية مستقبل الجزائر .

  • Mustapha AliKissoun

    Salem
    Il faut laner une petition pour renforcer le droit a avopir une assemblee constitutionelle
    Salem

  • محمد

    لا لالالالالالالالالا
    رانا ملاح
    فسيحدث التغييربالتي هي أسوأ و بتكلفة بشرية مالية و مادية باهظة.
    في راسك و راس ولادك إنشاء الله

  • كريم

    يعطيك الصحة سي ارزقي كلامك ديما صواب وحكمة