رجل إجمـاع.. حيــا وميتـــا
بانتقاله إلى رحمة الله، فقدت الجزائر في شخص الشيخ عبد الرحمان شيبان، أحد رجالات الإجماع، الذي اجتمع حوله الناس، حيا وميتا، ولعل الذين حضروا، أمس، لإلقاء النظرة الأخيرة على المرحوم، اكتشفوا قيمة هذا الرجل لدى كل التيارات السياسية والفكرية والثقافية، التي عجزت أن تجتمع تحت راية أخرى أو في فضاء آخر، لكنها نسيت خلافاتها ،وهي تؤبن المرحوم..
- هذا الرجل السمح، الذي جسد على مدار عقود مضت الصورة الحقيقية للإسلام.. الإسلام الذي شوهه بعض الجزائريين بالعنف، وهاجمه جزائريون آخرون باسم الحداثة، وتجاهله آخرون باسم الدولة المدنية، وتنصل منه الكثير باسم الحريات، وحاربه اللائكيون باسم العلم والتحضر، وهجره الكثير بحجة الظروف القاهرة.. هذا الإسلام تجسد في الشيخ شيبان بمعانيه السمحة: الاعتدال، والحوار، والصبر، والوطنية.. وكل ما غاب عن الكثير من المتصدرين للدعوة أو الفتوى في هذا الوطن العزيز..
مشكلة الجزائريين أنهم لا يكتشفون مراجعهم ورموزهم إلا بعد فوات الأوان، نقول هذا الكلام، لأن جحافلَ الشباب تبحث عن مراجع دينية وفكرية خارج الحدود، فهناك من تعلق قلبه بالشرق، وهناك من ارتبط بالغرب، وحتى عندما يتعلق الأمر بالفتوى والدين، نجد الكثيرين يرتبطون مرة بالحجاز وأخرى بطهران، بينما في بلادنا الكثير من المراجع، يرحلون الواحد تلو الآخر في صمت، ولا أحد يعيرهم اهتماما، ولو أن الدولة التفتت إليهم لجنبت البلاد الكثير من الآفات والانحرافات، وعلى رأسها الإرهاب.. فلقد رحل الشيخ حماني وعبد الرحمان الجيلالي ومحمد شارف قبل أشهر، وها هو الشيخ شيبان يودعنا، لنقف على حقيقة مرّة، مفادها أن علماء أجلاء يعيشون بين ظهرانينا، لكنهم آخر اهتماماتنا، من يا ترى تذكر الشيخ شيبان في السنتين الماضيتين وهو على فراش المرض؟ من فكر في جمع ميراث هؤلاء العلماء.. أو تنظيم ملتقيات لجمع وتوثيق آثارهم؟
عيب كبير أن يكون بيننا مثل شيبان وحماني وشارف وآيت علجت، ونطوف على مكتباتنا فلا نجد أكثر من كتب الحجاز، تلك الرسائل القصيرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، تعلق بها شباب لا يؤمن بجيل العلماء الجزائريين، بحجة أن هذا كان وزيرا، وذلك كان مقربا من السلطة، والآخر كان مبتدعا.. هذه الحماقات قتلتنا… ونحن قبلهم قتلنا علماءنا بالصمت والإهمال والتجاهل..
الجزائر في حاجة إلى تعميق المعاني التي عاش بها ولها الشيخ شيبان، المعاني التي تجعل من الجزائري مواطنا صالحا يحب وطنه، ويخدمه ويعيش في خدمة شعبه.. هذا هو الإسلام الذي يجب أن نعود إليه، بعد سنوات من التنطع والتطرف والسطحية، فالجامعات الجزائرية لم تعد قادرة أن تخرج لنا نماذج منتمية إلى مدرسة شيبان وجيله، ما لم ننتبه جميعا ـ دولة ومجتمعا مدنيا ـ إلى أن ما ينقصنا ليس جمع العلم وحفظه.. بل ما ينقصنا هو الفهم الصحيح لهذا الدين.. تماما مثلما فهمه وعاشه المرحوم شيبان.