الشروق العربي
فتحت الباب وهربت ولم تعد

24 ساعة في حياة مراهقة هاربة

فاروق كداش
  • 3202
  • 5
ح.م

في كل بيت مأساة ووراء كل جدار حكاية حزينة ترويها البنات ليس في ليلة “البيجاما بارتي”، بل في ليل المدينة التي لا تنام وفي زقاق مظلم تفض فيه البكارة في صمت الحملان قبل أن تساق إلى مثواها الأخير… قصص ترويها لكم الشروق العربي عن بنات فتحن الباب وهربن من النافذة.

تبدأ القصة والرواية مع هدى مراهقة هاربة من البيت تبيت عند صديقتها في الإقامة الجامعية خلسة بعد أن قررت أنها لن تبقى في البيت الذي ترعرعت فيه وشهدت أحلى أيامها في أحضان أم حانية وأب تحتمي في حماه.. ثلاثة أشهر فقط من المصاحبة الحرام لشاب أرعن على الإنترنت أقنعتها بمغادرة البيت لعيش مغامرة الحب.. وكما تقول فيروز: حبيتك في الصيف واكتشفتك في الشتاء… أوهمها بأنه يريدها لشخصيتها رغم وضعها، لا لأردافها التي يسيل لها لعاب الشباب قبل الكلاب.. وفي لحظة طيش، حضرت هدى “كابتها” المحملة بالذكريات ولامبالاة البنات، ورحلت من بيت الأسرة إلى جحر الحية المجلجلة… كان ينتظرها في محطة القطار، كي يسافرا مثل “بختة نور ثمادي”، على حد تعبير عبد القادر الخالدي… من بلدتها المتواضعة في مدينة عنابة وجدت المراهقة التي انجرفت في حب قذر نفسها تعمل مع هذا الفراند “الحقير” في حراسة السيارات بالعاصمة، بينما يجدها هو حجة لممارسة اللامعقول عليها، وكمومس لا تقبض ثمن الرذيلة، تذعن المسكينة لرغباته المتوحشة، وبدل المتاحف زارت أوكار المخدرات، وبدل الأوبرا جالت في أقبية العمارات‪.‬

من ميليو إلى آخر

من يرى هدى لا يدرك أنها عاشقة مخدوعة، وأصبحت تبدو مثل تلك المسترجلات اللواتي يضعن ماكياج ثقيلا مع لوك الشارع من سورفات وباسكيت… لم يمض وقت، حتى تركها حبيبها الولهان من أجل أخرى، فوجدت نفسها في “ميليو” الكباريه يبدأ يومه في الليل على أنغام الموسيقى، إلى بزوغ الفجر من اليوم الموالي.. وأصبحت هدى دمية في أيدي صاحب الملهى، الذي تحول إلى مطعم، تسكب فيه البيرة، ويتبرك فيه الرجال بزجاجات الويسكي المضروب… إنها 24 ساعة في حياة مراهقة هربت من أجل الحب من دون حقيبة سفر، ولا تزال متأهبة للهرب في كل مرة بحقيبة سفر مليئة بالخيبات.

ألف هدى وهدى

قصة هدى ويومياتها تشبه العديد من القصص لفتيات مراهقات لم يكملن دراستهن وهربن من البيت أحيانا لأسباب وجيهة جدا، مثل قسوة المعاملة، وأحيانا لسوء الحظ التحرش العائلي والاغتصاب مثل إيناس التي هربت من البيت بعد أن حاول زوج أمها التحرش بها.. لم تفكر طويلا، فتحت الباب دون أي شيء وهربت… في الشارع قسوة أخرى كانت في انتظارها، وما كان محاولة صار اغتصابا فعليا من مرتزقة الشوارع المخصين، الذين يحاولون إثبات رجولتهم على بنات تائهات بين ظلم الأسرة وظلم المجتمع.

اهربي وأنا نقلشك

لا يختلف اثنان في أن راي الكباريهات من بين أسباب رواج هروب البنات، فتسمع “حمارا” ينهق قائلا: اهربي من داركم وأنا نقلشك.. وآخر: يشجعها قائلا: “ديري السبة واخرجي من داركم”.. وشاب يهدد في أغنيته: “نديها ذراع”، أو “محنتي هربت كرشها خرجت”… ولسوء طالع مجتمعنا، أن الفتيات يعشقن أغاني الراي غير السوية والمسلسلات التركية والغربية التي تدعو إلى الانحراف والهروب من البيت من أجل وهم لا يصدقه أحد، اسمه الحب.

قد نوجه أصابع الاتهام أيضا إلى الأسرة والمجتمع ككل، بسبب تركيبته المعقدة وطابعه المحافظ، الذي لا يقبل بشيء اسمه “فتاة تهرب من البيت”، ونادرا ما تتدارك الأسرة وتسمح برجوع هاربة إلى أحضان البيت، بعد انتشار الفضيحة… تبكي الأم بحرقة ويقسو الأب بحرقة، هو الآخر، كي لا يظن الناس أنه ديوث يسمح بأن تعم الرذيلة أرجاء بيته. وهنا يبقى السؤال بين السماء والأرض: ماذا تفعل هذه البنات لتدارك خطئهن؟ في ظل هذا التعنت الأسري، تجبر البنت على أن تبقى في الشارع، تتعلم حيله وأساليبه، لكي تنجو وسط الخنازير المقرفة.

مقالات ذات صلة