-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

600 ألف مليار لمستهترين فاسدين!

حسين لقرع
  • 1555
  • 3
600 ألف مليار لمستهترين فاسدين!

كنّا نعرف بأنّ البنوك العمومية قد منحت لمحتالين محظوظين يزعمون أنهم “مستثمرون” و”رجال أعمال”، قروضا ضخمة بملايير الدينارات، لإقامة مشاريعهم التي قيل إنها ستكون ركيزة النمط الاقتصادي الجديد القائم على العمل والإنتاج بدل الريع النفطي، لكننا لم نكن قطّ نتخيّل أن يصل حجم هذه القروض إلى 6 آلاف مليار دينار كما قال الرئيس عبد المجيد تبّون في لقائه الأخير مع الصحافة، أي بلغة شعبية بسيطة 600 ألف مليار سنتيم، وهو مبلغٌ مهول وصادمٌ للكثير من المواطنين البسطاء الذين يعانون الأمرّين لتأمين القوت لأطفالهم!

نعم، 600 ألف مليار سنتيم مُنحت لعابثين طالما قدّموا أنفسهم للسلطات وللمواطنين على أنهم “رجال أعمال” لإقامة مشاريعهم الاحتيالية التي كسبوا منها ثرواتٍ خيالية من دون جهدٍ ولا استثمارِ دينارٍ واحد من حرّ أموالهم، وفي مقدّمتها مشاريع تركيب السيارات وبيعِها للمواطنين بأسعار باهظة تفوق أسعار السيارات المستورَدة مباشرة، مع أنّها معفية من الجمركة والعديد من الرسوم، ومع ذلك توطأت حكومتا سلال وأويحيى مع المحتالين ولم تقدِّما أيّ توضيحات للرأي العامّ عن هذه المفارقة التي لم تحدث إلا في الجزائر!

اليوم يتّضح جليا أن هناك جريمة شنعاء أقتُرفت بحقّ الاقتصاد الوطني والمال العامّ بسبق إصرار وترصّد؛ مجموعة من الخواص الفاسدين المقرّبين من السعيد وجماعته، يُمنَحون رخصا بالمحاباة لفتح ورشاتٍ لتركيب السيارات، ويحصلون على قروضٍ ضخمة أُمِر مديرو البنوك العمومية بالهاتف بتقديمها لهم. وبعد نحو خمس سنوات، فشلت التجربة، ولم يكن هناك نسبة إدماج ملموسة ترتفع من سنةٍ إلى أخرى، ولا آفاق لقيام صناعة سيارات حقيقية بالبلاد لتكون أحد بدائل الريع النفطي، وضاعت آلاف الملايير هدرا، ولم يجد رئيسُ الحكومة الأسبق عبد المالك سلال ما يبرّر به هذه الجريمة إلا القول إن الوقت كان يضغط عليهم بعد انهيار أسعار النفط في صيف 2014، وإنّهم كانوا يريدون منافسة المغرب الذي فتح المجال لرونو لإقامة مصنع حقيقي على ترابه يُنتج 450 ألف سيارة سنويا، أغلبها يُصدَّر إلى إفريقيا؛ أي أنّ العملية برمّتها كانت مناكفةً للجار فحسب، ولم تكن قائمةً على تخطيطٍ ولا تصوُّرٍ حقيقيّ، ما كلَّف الخزينة العمومية ضياع 600 ألف مليار سنتيم، لم يُسترجع منها سوى 10 إلى 15 بالمائة فقط كما أكّد الرئيس تبّون، علماً أنّ رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى لم يجد آنذاك حلولا لاستعادة هذه المبالغ المهولة التي خرجت من البنوك سوى رفع قيمة بعض الرسوم والضرائب وأسعار الوقود، وكذا طبع الأوراق النقدية بلا مقابل إنتاجيٍّ، ما جعل الشعب يدفع الثمن غاليا بعد أن تضخّمت مجملُ الأسعار وفقد الدينارُ نصف قيمته في بضع سنين عجاف، وقد تحتاج البلاد إلى سنوات عديدة لمعالجة تداعيات طبع النقود.

ما حدث من عبثٍ بالمال العامّ في عهد العصابة هو جريمة اقتصادية إذن، ولكنه نتيجة حتمية لجريمةٍ سياسية؛ فحينما يُحرم الشعبُ من حقّه الطبيعي في اختيار حكّامه، ومراقبتِهم عبر مؤسَّساته المنتخَبة بكل حرية وشفافية، وعزلِهم ومحاسبتهم إن أخطأوا، ويُحتكر الحكم ويُسند تسييرُ الشأن العامّ إلى مستهترين فاسدين، وتغيب كلُّ أشكال الشفافية والرقابة والمحاسبة، فإننا لا يمكن أن ننتظر سوى مثل هذا العبث والاستهتار بمال الشعب… لذلك كنّا دائما حينما نتحدَّث عن استشراء الفساد في البلاد، نُقرنه بغياب الديمقراطية الحقيقية والشفافية؛ الشموليةُ والفساد صِنْوانِ متلازمان، كلُّ بلدان العالم تطوّرت بعد أن تدمقْرَطت وليس هناك بلدٌ تطوَّر في كنف الشمولية وتبعيةِ القضاء للسلطة التنفيذية وغيابِ الشفافية والمحاسبة والحريات، سوى الصين فقط، وهي حالة شاذّة، والشاذّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • جزاءري

    ثقافة الدشرة والتبراح هي اللي تمشي بها البلاد سلطة ومجتمع من راسها حتى قدميها !

  • Karim

    وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (النساء:5)

  • لزهر

    هل فكر أحد يوماً ما مصير الأجيال القادمة؟