الجزائر
شرّح ظاهرة النزوح الريفي.. الباحث سليمان زغيدور:

80 بالمائة من الجزائريين لا يعيشون في أماكن ولادتهم

الشروق أونلاين
  • 4929
  • 0
ح. م

استغرب الباحث في العلاقات الدولية والمحرر بقناة “تيفي 5 موند” سليمان زغيدور عدم اهتمام الدولة الجزائرية بمواكبة التقسيم الإداري للنمو الديموغرافي للسكان.

قال زغيدور خلال ندوة أقيمت بالمركز الثقافي الإسلامي بجيجل بدعوة من جمعية الأمجاد للتاريخ والتراث لولاية جيجل لتقديم قراءة حول كتابهالجزائر بالألوان 1954  / 1962″ أنه لا توجد دولة في العالم عدا الجزائر عدد بلدياتها أقل مما كان موجوداً قبل نصف قرن، في حين أن عدد السكان تضاعف أربع مرات خلال هذه المدة؛ إذ أن عدد البلديات كان قبل الاستقلال 1578 بلدية لتسيير شؤون حوالي 10 ملايين نسمة، في حين يوجد الآن 1541 بلدية (تناقص بـ37 بلدية) تسيّر شؤون حوالي 40 مليون نسمة، وهذا ما تسبب في تراكم المشاكل وعدم قدرة المسؤولين على حلها، مما دفع الناس إلى هجرة مناطقهم الريفية إلى المدن الكبرى، وهذا ما اصطلح عليه بـاللجوء داخل الوطن، واستشهد بأن دولة فرنسا التي مساحتها تقل عن مساحة ولاية تمنراست وحدها، يوجد بها أكثر من 30 ألف بلدية، مما ساهم في الاهتمام بالمواطن بشكل جيد بعيدا عن ضغوط التراكمات.

المُحاضر جعل كتابهالجزائر بالألوان 1954 / 1962″ بوابة لتناول ظاهرة النزوح الريفي والقطيعة مع الأرض، وهو كتابٌ ضم ألبوماً من الصور اجتهد في جمعها من عند المجندين العسكريين الذين شاركوا في القوات الفرنسية أثناء الحرب التحريرية، أغلبهم من اللفيف الأجنبي، حيث كانت لهم إمكانيات للتصوير في مواضع عسكرية وأخرى اجتماعية، وثقت مأساة الجزائريين بصور ملوّنة أثناء الحرب خاصة داخل مراكز التجميع التي أقامها الجيش الفرنسي لعزل المجتمع الجزائري عن المجاهدين الثوار.

ومن خلال هذه الصور، فتح النقاش حول أسباب النزوح الريفي بالجزائر، والذي عرف ثلاث موجات إلى غاية اليوم، الموجة الأولى بدأت سنة 1954 بعد اندلاع الثورة التحرير، وذلك من المناطق الجبلية إلى مراكز التجميع العسكرية، والموجة الثانية سنة 1962 بعد الاستقلال، أما الموجة الثالثة  فحدثت سنة 1993 بسبب الإرهاب الأعمى الذي ضرب الجزائر لاسيما المناطق الجبلية.

وعن فكرة مراكز التجميع العسكرية، أكد المحاضر أن جذورها تعود إلى التجربة الفرنسية في حرب الفيتنام، التي كان المقاتل الفيتنامي خلالها يعيش وسط الشعب تجسيدا لنظرية ماوتسي تونغ، فتسبيقاً لتكرار هذه التجربة أقامت فرنسا نظرية معاكسة هي عزل المقاتل عن الشعب الجزائري، فجمّعت 2.5 مليون جزائري، وهي بهذا كمن اقتلعهم عن جذورهم في علاقتهم بالأرض.

وبصفته كان أحد المجّمعين داخل تلك المراكز بمنطقة ايراقن بأعالي جيجل أثناء طفولته، كشف المحاضر أن تلك المراكز ساهمت في قطع علاقة الإنسان بأرضه، حيث ضاعت أملاكهم وأشجارهم ورؤوس حيواناتهم، فبعد الاستقلال وجدوا تلك الثروات ضاعت، مما جعلهم ينزلون إلى المدن للبحث عن مناصب عمل، وعن نفسه يقولبعدما تعوّدنا على المدرسة داخل المخيمات والعلاج وتوفير كل الخدمات كالتدفئة والكهرباء، رجعنا إلى قريتنا بعد الاستقلال، وانتظرنا الدولة لسنوات للالتفات إلينا، فلم نجد لها أثرا بسبب الصراع على السلطة، مما جعلنا ننزح إلى المدينة أفرادا وجماعات أحدثت نزيفا ترك آثاره إلى اليوم، والدليل أن عدد سكان اليوم بعد نصف قرن من الاستقلال في المناطق الجبلية والريفية لا يزال أقل من العدد الحقيقي للسكان قبل الاستقلال“.

وهذا ما جعل الجزائر، حسب المحاضر، تعيش ظاهرة لا توجد في غيرها من الدول، وهي ظاهرة “اللجوء داخل الوطن”، فـ80 بالمئة من الجزائريين لا يعيشون في أماكن ازديادهم الأصلية.

مقالات ذات صلة