هل نسير إلى المذبحة كالخِرفان؟
وزيرُ الخارجية الأمريكي، جون كيري، يروّج لتقسيم سوريا إذا تواصلت الحرب، ويزعم أنه قد فات الأوان على إبقائها موحّدة، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف يتحدّث عن “سوريا فيدرالية” يمكن التوصّلُ إليها بين أطراف الصراع في محادثات السلام المنتظرة قريبا، ويدعم بقوّة هذه الفكرة، ويقدّمها ضمنيا على أنها الحلّ السلمي المثالي للحرب التي تعصف بسوريا منذ 5 سنوات كاملة.
هذه التصريحات تُخرج إلى العلن ما كان الغرب وروسيا يعملان على تنفيذه بهدوء في الشرق الأوسط منذ 5 سنوات، وبشكل يذكّر المؤرخين والمتتبعين بما فعله سايكس وبيكو في عام 1916، من تقسيمٍ للوطن العربي، في حين تحلّ أمريكا وروسيا الآن محلّ بريطانيا وفرنسا، وتشرعان معا في وضع “سايكس بيكو 2” من خلال رسم خارطة جديدة للشرق الوسط على أسس طائفية وعرقية ومناطقية، تبدأ بسوريا والعراق وتمتدّ قريبا إلى اليمن وليبيا، ثم تمتدّ لاحقا إلى بقية الدول العربية وحتى الإسلامية الـ56 لتُقسّم كل دولة إلى عددٍ من الدويلات الهزيلة المتصارعة التي لن تتورّع عن الاستعانة بأي عدوّ ضدّ ضد بعضها بعض، على طريقة ملوك الطوائف بالأندلس منذ قرون.
ومنذ أيام روّج مركزُ أبحاثٍ في تل أبيب لهذا السيناريو المخيف، فقال إن الشرق الأوسط سينقسم إلى كياناتٍ كثيرة، ويجب على “بلاده” انتهاز الوضع وإقامة علاقات سرية معها لخدمة أجندتها الإستراتيجية، في حين أكد المستشرق الصهيوني أليعازر يريف، أن مصلحة الاحتلال تكمن في تواصل الاقتتال بسوريا إلى غاية استنزاف جميع الأطراف المتصارعة، حتى يصبح تقسيم سوريا إلى دويلات أمرا حتميا لا مفرّ منه، ما يحسّن قدرة الكيان الصهيوني على تحقيق مصالحه، ويدفع هذه الدويلات إلى التحالف معه!
المنطقة مهدّدة إذن بـ”زلزال تكتوني” كبير يضربها كلّها كما قال الرئيسُ السابق للمخابرات الأمريكية مايك هايدن؛ زلزالٌ سيُغيّر خارطتها بشكل جذري وتنهار معه حدود سايكس بيكو، والبداية حسب هايدن بأربع دول فـ”سوريا والعراق لم تعودا موجودتين، ولن يعود أي منهما أبدا، وليبيا ذهبت منذ مدة، ولبنان يفقد ترابطه”…
المسألة إذن لا تتعلق بـ”سوريا فيدرالية” كما تريدها موسكو المتناغمة مع واشنطن، بل تتعلق بالمنطقة بأكملها، والبداية بسوريا، ثم تتبعها بقية الدول، خلال سنوات، وتُقسّم على أسسٍ طائفية وعرقية ومناطقية…
هي مؤامرة دولية جديدة على رؤوسنا، يستغلّ فيها الغرب الديكتاتوريات، و”داعش”، والعوامل الطائفية والعرقية المتنافرة لتنفيذها، ولكن الأهمّ هو: إلى متى تصرّ بعض الدول الإقليمية على تنفيذ هذه المؤامرة ضد دولٍ شقيقة؟ هل تعتقد أن الغرب سيستثني الثور البيض؟ وهل تقبل الدول العربية والإسلامية، بأنظمتها ومعارضاتها وطوائفها وأقلياتها، السيرَ إلى المذبحة كالخرفان دون مقاومة؟ أم أنها ستنتفض وترفض ما يُراد لبلدانها من تفتيتٍ وتمزيق وإضعاف، وتنبذ الاصطفافات الطائفية والعرقية، وتبحث عن حلولٍ وسط لأزماتها وخلافاتها الداخلية تضمن بها الاستمرار في التعايش والوحدة بدل السقوط في وحل التناحر والحروب الأهلية الخاسرة؟
هي مخيّرة بين حماية وحدة بلدانها وتعزيز التعايش بينها، أو تنفيذ المخطط التآمري الدولي ضدها بعيونٍ مغمضة وتخريب بيوتها بأيديها، والكرة في منطقتها.