عدوى “مصرية”
لم يحدث وأن اكتسبت مصر في تاريخها الكروي، لاعبين بوزن الجيل الذي اعتزل في السنتين الأخيرتين، فبلغ العالمية، عندما قارع أبطال العالم من إيطاليا إلى البرازيل، وتسيّد على القارة السمراء بعمالقتها لفترة طويلة، ولكن هذا الجيل الذهبي الذي حُرم المشاركة في كأس العالم، طعن في الظهر من أهل الدار، عندما تحوّلت مختلف القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة، إلى اتحاديات قائمة بذاتها، ومجالس حكومية بكل حقائبها، تستدعي بعض المخضرمين والزاعمين بأنهم فلاسفة في عالم الكرة والسياسة، وفي كل شيء، ويُسيّر طاولاتها الحوارية إعلاميون يمنحون لأنفسهم ألقابا بين نجم وجنرال، ما أنزل الله بها من إعلام..
فقاد أحدهم ويدعى “إبراهيم حجازي” حربا من دون نار، وتحوّل آخران ويدعيان “الغندور وعبده” إلى مدربين، وهما لم يلعبا أبدا في أعلى المستويات، وأقحم البقية ومنهم “أديب وشلبي” أنوفهم في كرة تبدو بعيدة وبريئة منهم، وكانوا محاطين بـ“فلاسفة” من عالم آخر، منحوا لأنفسهم سلطة الأمر والنهي، في حق لاعبين من أحسن ما أنجبت القارة السمراء والمنطقة العربية في تاريخها .
وكانت النتيجة أن خرج هؤلاء “الأبطال” من دون تاج، ويكفي القول بأن النجم محمد أبو تريكة الذي قال عنه ناقد إبطالي له عمود قارّ في صحيفة “الغارديان“، بأنه أحسن من لعب الكرة في الألفية الجديدة، لم ينعم بمنافسة كأس العالم. كانت هاته نسخة مؤلمة في حياة الكرة المصرية، ونخشى أن تنتقل العدوى إلى الجهة الجزائرية، بعد الذي شهدناه في الفترة الأخيرة، عندما صار البعض لا يجد حرجا في أن يشكّك في وطنية بعض اللاعبين، وينقصون من قيمتهم التي بلغت ملايين الدولارات في موطن الكرة. وعندما يقول “محلل” في التلفزيون الرسمي بأن المنتخب الجزائري سيتحسن لو استغنى عن براهيمي ومحرز، ويصف آخر فيغولي باللاعب الضعيف، ويطالب آخر بالاعتماد الكلي على اللاعبين المحليين من دوري يباع ويشترى، وتنتقل العدوى إلى جمهور يشتم ويصفّر على لاعبين يتقمصون الألوان الوطنية، وينشدون قسما، فإننا سنجد أنفسنا في سوق شعبي فيه من كل شيء إلا من الكرة والإعلام، ويصبح ما حدث في القاهرة من عملية وأد لجيل ذهبي من اللاعبين قريب الحدوث عندنا.
لقد منّ الله على الجزائر بلاعبين مغتربين، يغرّدون حاليا في سماء الكرة الإنجليزية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية، ومنهم من هو على شرفات أقوى الأندية في العالم، وقد أبانوا عن هويتهم عندما اختاروا الجزائر، ومكانة بعضهم لا نقاش فيها مع منتخب فرنسا لو أرادوا أو صبروا، فأنشدوا “النازلات الماحقات”، وسجدوا جميعا، وهم القادمون من بلاد الغربة، وسيكون من العدل والمنطق أن تقدم لهم الانتقادات البنّاءة، ولكن من الظلم الطعن في وطنيتهم، على شاكلة ما حدث في الفترة الأخيرة، وهو ما انعكس على الشارع، فصار في الجزائر أربعون مليون مدرب وأربعون مليون محلّل وأربعون مليون قاض؟