للأسف… ضيعنا فرصًا عديدة!
معروف في كرة القدم أن الفريق الذي يضيع فرصا كثيرة لتسجيل الأهداف وتحقيق الفوز هو الذي يتلقى أهدافا ويتعرض للخسارة، لأنه لم يستغل الفرص التي أتيحت له. ولأن الكرة تبتسم لمن يستثمر في فرصها، فإننا أيضا لم نستثمر في مشاركة المنتخب في دورتين متتاليتين لنهائيات كأس العالم، من أجل إعادة بعث الكرة عندنا، من خلال التكوين وبناء المرافق ودخول عالم الاحتراف في التسيير. فكانت النتيجة تضييعنا فرصة تطوير ممارسة كرة القدم في الجزائر، وربما تضييعنا منتخبنا الوطني الذي تراجع ولم يعد كما كان من كل الجوانب!
أردت أن أسقط هذا المثال على أحوالنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية اليومية التي تميزت بتضييع كثير من الفرص للرقي بمجتمعنا وبلدنا إلى مصاف الدول المتحضرة والمتطورة. وضيعنا على أبنائنا الوقت والجهد والمال من دون ضمان مستقبل واعد وأمن في كنف الحب والاحترام، وليس الحقد والكراهية التي نلمسها اليوم في ممارساتنا التي تتميز بكثير من الاحتقان بعدما اكتشفنا فشلنا على كل المستويات!
ظروف كثيرة سمحت لبلدنا بأن يتوفر على موارد بشرية وطبيعية ومادية كبيرة لم نحسن استغلالها والاستثمار فيها، وعوامل أخرى لم تتوفر في كثير من البلدان كان بإمكانها أن تخرجنا من دوامة التخلف والإقصاء والتراجع الذي نتخبط فيه. وكان بإمكانها أن تسمح لنا اليوم بتجاوز مرحلة تراجع المداخيل وانخفاض أسعار النفط وقيمة الدينار، وازدياد حدة الاحتقان في الأوساط السياسية والاجتماعية لنصل إلى حد أدنى من النمو والطمأنينة والقناعة والثقة!
طيلة العقدين الماضيين توفرت في الجزائر موارد مالية لم يسبق لها مثيل عندما بلغ سعر برميل النفط 120 دولار، وتوفرت فرص تحقيق التنمية الشاملة لو استثمرنا فيها من أجل إنتاج الثروة في مجالات السياحة والصناعة والفلاحة والخدمات، لكننا اكتفينا بالإنفاق العشوائي من أجل تحقيق السلم الاجتماعي وبتوزيع الريع على الجزائريين، وشراء ذممهم وإقصاء بعضهم والتضييق على بعضهم الآخر، اعتقادًا منا أن بناء دولة بحجم الجزائر يقع على عاتق السلطة فقط دون غيرها من الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، ومن دون إعلام وطني حر ومسؤول يرافق كل مشاريع التنمية البشرية والمادية!
لم نستثمر أيضًا في الموارد البشرية والطاقات والكفاءات التي تتوفر عليها الجزائر في كل المجالات، فدفعنا بأكثر من مليون شخص إلى الهرب والهجرة في ظرف 10 سنوات. وفي المقابل، شجعنا الرداءة والرديئين وأصحاب المال الفاسد، وأقصينا الكفاءة والذكاء وذوي الأخلاق والمبادئ، مما ساهم في تراجع نسبة النمو وزيادة الاحتقان السياسي والاجتماعي عوض المحبة والتعاون بيننا.
لم نستثمر في الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تميزت به الجزائر منذ بداية الألفية بسبب انشغال البعض بضرورة البقاء في السلطة، وتركيز البعض الآخر على الوصول إليها بكل الطرق، بينما راح الانتهازيون يزدادون ثراء وغنى باستعمال وسائل غير مشروعة أدت إلى فضائح نهب وفساد ليس لها مثيل في تاريخ الجزائر، وأدت إلى ظهور أثرياء جدد يبيعون ويشترون في كل شيء حتى في المناصب السياسية والإدارية بمساعدة جيش من المنتفعين سيصعب لاحقا محاسبتهم أو إبعادهم عن المناصب الحساسة!
ولأننا لم نشرك الجزائريين الخيرين في تحقيق التنمية الشاملة، ولم نستثمر في الإمكانات والثروات، ولم نستغل الفرص التي أتيحت لنا لبناء الدولة والفرد على أسس فكرية وأخلاقية وعلمية، فإننا وجدنا أنفسنا اليوم نتخبط في متاعب ومشاكل عديدة بمجرد تراجع المداخيل. ووجدنا أنفسنا مهددين في أمننا وقوتنا ومستقبل أبنائنا بسبب الرداءة المتفشية في عديد المواقع. وصارت حالنا تشبه حال ذلك الفريق الذي أتيحت له فرص تسجيل الأهداف وتحقيق الفوز، لكنه ضيعها وخسر المباراة بسبب أنانية لاعبيه وعدم التزامهم وانضباطهم فنيا وتكتيكيا داخل الميدان!