تحرير العقود لدى الموثق.. حفظ للحقوق أم انتقاص للثقة؟
يعزف الكثير من الجزائريين عن توثيق عقود زواجهم لدى الجهات الرسمية بما يضمن لكل طرف حقوقه في حال حدوث أي نزاع.
وتكال الكثير من التهم واللمز والغمز للأشخاص الراغبين في اتخاذ هذه الخطوة تأسيسا لحياة زوجية تحفظ فيها الحقوق وتصان على اعتبار أن الزواج عقد وثيق وميثاق غليظ أوصى الله تعالى باحترامه وتقديسه وينطبق عليه ما ينطبق على بقية العقود الأخرى من توثيق وإشهاد للغير على شروطه وأركانه.
ولعل نظرة المجتمع والذهنية التي لا تزال سائدة إلى غاية الآن هي التي أحجمت الإقبال على الأمر وجعلت المقبلين على الزواج يخجلون من إثارة الفكرة التي لم تشق طريقها بعد بالشكل الواجب رغم كثرة النزاعات بين الأزواج وارتفاع حالات الطلاق التي ينجم عنها صراع في المحاكم حول الحقوق وكيفية إثباتها.
حليّ المرأة ومهرها وصداقها ومرتبها إن كانت عاملة، حقّها في سكن انفرادي وفي امتلاك سيارة وغيرها من الأمور المادية هي أهم المواد الموثقة بين المقبلين على الزواج لما عرفته التجارب السابقة بين المتزوجين من مشاكل بشأنها.
غير أن الغريب في الأمر هو أن توثق النساء مثلا بعض القضايا الأخرى المعنوية التي تبدو تافهة بالنسبة للبعض كزيارة الزوجة لبيت أهلها وعدم حرمانها من أرحامها أو عدم توقيفها عن عملها ومن الغريب العجيب أن توثق المرأة حقها في قيادة السيارة والاحتفاظ بوظيفتها بعد الإنجاب وغيرها من الأمور الأخرى التي تخضع لتقدير الزوج ومن ثم تسلطه في أحيان أخرى والأغرب أن تشترط الزوجة عدم التعدد لزوجها وأن يبقي عليها وحدها لا شريكة لها، وإن كان الزوج ميسورا تطالب الزوجة بملكيتها لعقار ما أو جزء منه على غرار السيارة أو السكن أو المحل أو ما شابه.
المحامية والحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم تقول بهذا الخصوص أن الزواج عقد معنوي مثل بقية العقود وتستغرب عزوف الجزائريين عنه رغم المشاكل الكبيرة والنزاعات التي تشهدها المحاكم يوميا بهذا الخصوص.
وتستطرد محدثتنا كيف لنا أن نثبت قيمة الذهب والحلي التي قدّمها الزوج لزوجته إن لك تكن منصوصة في العقد الموثق كيف للمرأة أن تلزم الرجل باحترامه لاستمرارها في العمل إن لم توثق الشرط وكيف وكيف كل هذه الأمور يجب أن يشار إليها في عقود الزواج وأن توثق وهو ما لا يمكن فعله في عقود زواج التي تحرر في البلدية بالشكل الراهن.
وحسبها، فإن التوثيق مهم جدا لاحتكام الزوجين إليه عند التنازع، فهو يقطع المنازعة، إذ أن الوثيقة تصير حكما بين المتعاملين ويرجعان إليها عند المنازعة فتكون سببا لتسكين الفتنة ولا يجحد أحدهما حق صاحبه.
وتضيف بن براهم أنّ الناس لم يكونوا بحاجة إلى هذا الإجراء، بل كان الضمير كافيا عند الطرفين لتحمل المسؤولية، وفي القيام بالحقوق الشرعية، ولكن وجدت اعتبارات مختلفة جعلت من توثيق عقد الزواج أمرا واجبا من ذلك خراب الذمم وضعف وازع الإيمان في القلوب، فالتوثيق يحفظ الحقوق ويرفع الضرر والحرج عن الزوجين، فضلا عن أن القوانين جعلت التوثيق أمرا لازما لإثبات الحقوق.
وإذا كان المتبنون للفكرة يرون أن الواقع المرير والتجارب المدمرة هي التي دفعت إلى مثل هذه التصرفات فإن و الكثير من الأزواج يرتابون من الطرف الآخر إذا ما طالب بتوثيق العقد لدى الموثق بدل البلدية ويسارعون إلى انتقاص الثقة والتخوين وغيرها من أشكال التفكير السلبي التي تتسبب في شرخ العلاقة قبل أن تبدأ، حيث تسيطر فكرة وجود مصلحة أو منفعة أو صفقة تشوه قداسة عقد الزواج·· وهو بالفعل ما لمسناه عند الكثير ممن سألناهم حول رأيهم في إبرام عقد الزواج أمام الموثق·
سبب آخر يجل المقبلين على الزواج يحجمون على الفكرة هو التكاليف الإضافية التي يتقاضاها الموثق والتي ترهق كثيرا كونها تضاف إلى أعباء ومصاريف أخرى كثيرة إضافة إلى أن الدفتر العائلي لا يسلم إلا بعد مدة تناهز الأسبوعين عكس البلدية التي تسلمه في ظرف ساعات قليلة بعد العقد.
إيناس هي إحدى الفتيات التي أصرّ والدها على تحرير عقد الزواج لدى الموثق ضمانا لحقوقها في البداية، تقول إيناس، إستغرب خطيبي كثيرا هذه الخطوة وكاد يرفض لولا إلحاحي على التمسك به وأن والدي هو من طلب ذلك دون استشارتي وبالكاد أقنعته بحسن النيات.
اما كوثر فتقول انها حددت شروطها بعد وقوفها على تجربة قريبة لها عانت الويلات مع زوجها وكادت تنتهي بالانفصال لولا صبرها وتنازلها عن ابسط حقوقها في زيارة والديها وصلة رحمها رغم ان زوجها ممن يقال أنّهم “الاخوة الملتزمون”.
وتضيف كوثر أدرجت شرط حقي في زيارة والدي مرة في الأسبوع وصلة رحمي من الأجداد والعمات والأعمام والخالات والأخوال وحقي في استقبال أهلي وصديقاتي في بيتي وأمور مادية أخرى تتعلق بقيمة الحلي التي قدمها لي وبضرورة امتلاك محرر في حالات بيعها أو الانتقاص منها وكذا حقي السكن الانفرادي بعيدا عن بيت الحماة وتفاصيل أخرى تتعلق باستقلالية الذمة المالية.
ويرى أحد الموثقين في العاصمة أن ضابط الحالة المدنية بالبلدية الإشراف على عقد الزواج، ولهذا فإن الإقبال على الموثق لإتمام إجراءات عقد الزواج يظل محتشما، حسب محدثنا، الذي أكد أن أغلب الفئات التي تقصده لإتمام العقد، غرضها فرض بعض الشروط، على اعتبار أن عقد الزواج المحرر أمام ضابط الحالة المدنية لا يسمح باللجوء إلى تدوين الشروط المطروحة من الزوجين، وهذا يعد أهم اختلاف يلاحظ بين عقد الزواج المحرر أمام ضابط الحالة المدنية وذلك المحرر أمام الموثق، وبالتالي، فإن عقد الموثق يمنح فرصة لكلا الطرفين لاشتراط كل ما يخطر ببالهما، ولكن على أن لا تخالف هذه الشروط القانون والشريعة الإسلامية·· وإلا فإنها تجعل عقد الزواج باطلا، وبالتالي تحول دون إمكانية إبرام العقد ·
أمّا عن نوعية الشروط التي ترد عموما في عقود الزواج فيقول الموثق، هي لا تخرج عن الإطار القانوني والشرعي، وهي تختلف من زوج لآخر، إذ نجد مثلا اشتراط بعض الزوجات على أزواجهن “عدم العمل أو عدم إعادة الزواج تحت أي ظرف كان”، كما قد يحدث أن يشترط طرف على الآخر تحويل ملكية عقار أو بيت أو مبلغ مالي لحسابه···”· وفي الوقت الذي نجد فيه انتشار هذه الصيغ في العقود بالعديد من الدول، لاسيما العربية منها، فإن الإقبال عليها في يظل قليل الانتشار في بلادنا.