زمن الرويبضة!
ما فتئت موجة الفجور الفكري والاستهزاء بالمقدسات الإسلامية من طرف صعاليك الاستغراب الثقافي، ومهلوسي التطرف العلماني تتصاعد في الإعلام المصري، خصوصا بعد الانقلاب العسكري على الشرعية الانتخابية في 3 جويلية 2013. ولعل من أحدث صراعات هذا التوجه الشيطاني خرجة الطبيب المصري خالد منتصر من خلال تدخله في ندوة “حركة علمانيون” حيث ادّعى أن “الصوم غير مفيد لصحة الإنسان كما يروّج البعض خلال شهر رمضان، وأن هناك بحوثا علمية أثبتت أن ماء زمزم يحتوي على معادن سامة ضارة بالكلى”.
الملفت للانتباه أن هذا الطبيب الممارس في قسم الأمراض الجلدية والتناسلية لم يشتهر بأي اكتشاف طبي أو إنجاز علمي في مجال تخصصه الدراسي، ولكنه اشتهر في قنوات الملياردير القبطي نجيب ساوريس وصحفه الموجهة إلى مهاجمة الفكر الإسلامي، ثم في قناة “دريم” المملوكة لرجل الأعمال المصري، الأمريكي الجنسية أحمد بهجت فتوح الذي كان من أخلص رجال نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
تخصّص خالد منتصر في التهكم على آراء العلماء المسلمين القدماء والمحدثين منهم على السواء، فعندما أعطت وزارة العدل المصرية في منتصف العقد الماضي للأزهر صلاحية مراقبة الكتب والمطبوعات التي تخالف الشرائع والمبادئ والقيم الإسلامية، كتب مقالا يتساءل فيه عما إذا كان الأزهر سيصادر كتب البخاري والطبري لأنها تخالف ـ في زعمه ـ الشرائع والمبادئ والقيم الإسلامية؟! كما تطاول على العالم المصري الكبير زغلول النجار المتخصص في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة والعضو في هيئات علمية إسلامية ودولية، والذي كانت أبحاثه القيّمة سببا في اعتناق عديد العلماء والباحثين الغربيين للدين الإسلامي، فجعله في مقالاته وتدخلاته هدفا ثابتا لمجادلاته المفتقِرة إلى المستوى الأخلاقي، والزاد العلمي، والفقه الديني، ولا يكتفي خالد منتصر بالاستهزاء بعلماء الدين بل تعدى ذلك إلى إساءة الأدب مع الله سبحانه وتعالى، حيث قال في أحد حواراته: “ما دخل الله في السياسة؟!” تعالى الله عما يقوله هذا الرويبضة علوا كبيرا.
ومازال خالد منتصر يشارك بصخب كبير في جوقة الضلال الديني والتضليل الإعلامي التي تطالب بإحراق كتب الإمام البخاري، الذي وصفه العلامة ابن خلدون بأنه “إمام المحدثين في عصره” وبلغت الوقاحة بأحد أفراد هذه العصابة المتجرئة على تراث الأمة الإسلامية في عهد الشحن الإعلامي ضد التيار الإسلامي وهو المدعو الشيخ “ميزو“، خطيب ميدان التحرير خلال المظاهرات والتجمعات المناهضة لحكم الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، أن وصف صحيح البخاري بأنه “مسخرة للإسلام والمسلمين؟!” على حدّ زعمه.
لقد أثارت تصريحات خالد منتصر التي صدرت عنه في ندوة “حركة علمانيون” الخاصة بالاستخفاف بشعيرة الصيام والادعاء بتلوّث مياه زمزم والتطاول على مواطنيه المصريين الذين اتهمهم بأنهم يعيشون في شقق أقل نظافة من حظائر الخنازير في أوروبا وأمريكا، غضبَ الكثير من المصريين، ولكن الذي تصدى للدفاع عنه والثناء على آرائه هو أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور سعد الهلالي الذي قال للمصريين بعد مجازر ميداني “النهضة” و“رابعة العدوية” إن الله قد بعث لهم الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع آنذاك) واللواء أحمد إبراهيم (وزير الداخلية السابق) كما بعث موسى وأخاه هارون عليهما السلام!
خالد منتصر لم يكن أول من أطلق فرية تلوث مياه زمزم؛ إذ كانت القناة الإنجليزية “بي. بي. سي“، الناطقة بالعربية، قد أثارت هذه القضية في تحقيق عرضته في شهر ماي 2011، إلا أن المملكة العربية السعودية نفت هذا الزعم ودعت الخبراء إلى زيارة مصنع تعبئة مياه زمزم للتأكد عمليا ومخبريا من نِسب المعادن والأملاح في مياه زمزم.
مما لا شك فيه أن كل مسلم صحيح العقيدة مقتنع اقتناعا راسخا بأن ماء زمزم كان منذ أن تفجر بقدرة الله تبارك وتعالى تحت عقب سيدنا جبريل عليه السلام وسط صحراء قاحلة، ولا يزال حتى يوم الناس هذا، ماءً طاهرا مباركا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ماء زمزم لما شُرب له، إن شربته تشتفي به شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه، وهي هزمة (ضربة رِجل) جبريل، وسقيا الله إسماعيل“. وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول عند شرب ماء زمزم: “اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاءً من كل داء“. وقال ابن العربي: “وهذا موجود فيه إلى يوم القيامة لمن صحّت نيته، وسلمت طويته…”.