-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
التشخيص الخاطئ لأزمة غرداية حولها إلى مرض مزمن

لماذا استعصى حل أزمة غرداية؟

الشروق أونلاين
  • 13291
  • 0
لماذا استعصى حل أزمة غرداية؟
الأرشيف

طال عمر أزمة غرداية ومعه زادت المخاوف من احتمال تحولها إلى بؤرة توتر تهدد استقرار البلاد، فرغم الجهود التي بذلتها الحكومة بمساعدة أعيان المالكية والإباضية في المنطقة.

إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع. أين يكمن الخلل؟ هل في سوء تشخيص هذه الأزمة؟ أم في غياب إرادة سياسية قادرة على فرض الحلول بقوة القانون إذا تطلب الأمر؟ ما خلفيات هذا الصراع وما هي أبعاده؟ هل هو مجرد خلاف بين شبان أحياء؟.. هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عليها ملف “الشروق السياسي” لهذا الخميس.

 

نائب الڤرارة السابق وأحد أعيان الاباضية أبو بكر صالح لـ”لشروق”:

مستعدون للصلح.. لكن السلطة حاولت حل الأزمة وكأنها مشكلة كرة قدم 

 قال النائب السابق عن منطقة القرارة، ابو بكر صالح، إن الحكومة سعت إلى حل أزمة غرداية بين أطراف الأزمة، على شاكلة الحلول التي تقدم لمشكلات كرة القدم، وهو ما جعلها تنتهي، على كثرتها، إلى الفشل، وطالب بإعطاء صلاحيات للأعيان حتى يتمكنوا من فرض حلولهم للأزمة.

 

أين وصلت الأزمة في غرداية وما هي الحلول المقترحة؟

تعيش ولاية غرداية هدوءا حذرا بعد الترسانة الأمنية التي وجهتها الدولة للولاية، وتكليف الجيش بمهام المتابعة الأمنية، فبعد وضع كاميرات المراقبة وانسحاب عناصر الأمن الوطني عم نوع من الهدوء الحذر، غير أن القضية ليست مقتصرة على ذلك فقط، فمشكل الصراع في غرداية كبير، ولطالما كررنا أمام الحكومة أن الولاية لها خصوصيات، يجب احترامها، وأن تأخذ بعين الاعتبار قبل طرح أي حل.

 

ما هي الحلول التي ترونها مناسبة للخروج من الأزمة؟

قبل الحديث عن الحل يجب على الدولة أولا أن تحمي الهوية الميزابية بالمنطقة وأن تعمل ضد من يعمل على محوها، فصراع الهوية هو اكبر المشاكل والخسائر المادية التي شهدتها المنطقة، ونرى أنه يجب على الدولة تشجيع الادارة من أجل فتح الملفات القديمة العالقة التي كانت احد أسباب الصراع في المنطقة، لأن الإدارة لم تفصل في بعض الملفات التجارية ما جعل أصحاب الفتنة يتاجرون في هذه الملفات.

كما يجب أن تتدخل لإعادة تسمية بعض المؤسسات التي كانت أحد النقاط التي أيقظت الفتنة بالمنطقة على غرار تسمية أحد المؤسسات الثانوية باسم أستاذ “بيوض” ونزعت اللافتة ولحد الساعة لم يتم إعادة تركيبها، وقضية التنمية الاجتماعية في ظل غياب المشاريع الكبرى بالولاية وبقاء العديد من الأحياء محرومة ما زاد من تغذية الفتنة، وندعو لإرسال بعثة متكونة من باحثين مختصين في المجتمع وسياسيين ودكاترة لبحث أسباب الحقيقة. الفوارق الاجتماعية أيضا من بين الأسباب التي كانت وراء تأزم الوضع في غرداية، الأمر الذي جعل بعض الأطراف تحاول استغلال هذا الأمر لزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وإشعال الفتنة.

 

هل استلام الجيش لمهام تسير الامن في سيساهم في إطفاء الازمة؟

استلام الجيش مهام تسير الأمن في الولاية بعد انإيجابي، وأعتقد أن رقابته للوضع أمر محمود، لكن استعماله القوة في حال ما إذا عادت الاشتباكات بين الطرفين، فذلك أمر لا نحبذه.

 

هل انتم مستعدون للمصالحة ؟

قضية المصالحة مفروغ منها، ونحن كمجتمع إباضي مع المصالحة شرط توفر الشروط اللازمة لكي تنجح، وقد أوصلنا شروطنا إلى كل من الوزير الأول عبد المالك سلال ووزير الداخلية الطيب بلعيز حيث أكدا لهم أن شرط نجاح المصالحة هي اعتراف بالخطأ من كلا الطرفين، ونحن لا نريد مصالحة برتوكولية تكون بحضور الوزراء والولاة فقط، نريد مصالحة جذرية.

 

لماذا استصعب حل الأزمة برغم جهود الحكومة؟

لشيء بسيط فقط، الحكومة بكل ممثليها لم يراعوا خصوصية منطقة غرداية، وكانت تعالجها كأزمة كرة قدم أو مطالب بعض السكان، غير أن قضية غرداية كبيرة جدا، فهي فتنة حقيقية يراد منها تفكيك المنطقة وإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، والدولة لم تعالج المسألة بجدية. كان من المفروض أن تبحث عن الأسباب الحقيقة وراء هذه الفتنة.

 

لماذا فشل الأعيان في التهدئة؟

لكي ينجح الأعيان في إنهاء أزمة غرداية يجب منحهم صلاحيات كافية لتحقيق ذلك، ونحن كأعيان نطالب أن لا يُستغلوا كرجال مطافئ وقت حدوث حريق، لذلك أشدد على قضية الصلاحيات، لكي تكون لدينا مصداقية أمام مجتمعنا فهناك العديد من الشباب الموجود في السجون ولحد الساعة لم يتم إطلاق سراحهم برغم الوعود التي قدمناها لعائلاتهم.

 

تعددت المبادرات.. والحل لا زال غائبا

من يكرّس المصالحة ويُنهي الفتنة في غرداية؟

استنزفت أزمة غرداية الكثير من الوقت والجهد، ولكنها لاتزال تراوح مكانها. الأكيد، أن هناك خللا ما في التشخيص قاد إلى خطأ في وصف الدواء المناسب لهذا المرض.

جرّبت الحكومة كل الحلول السلمية الممكنة، فبدأت بالاستنجاد بوجهاء وأعيان المالكية والأباظية لما لهم من نفوذ وتأثير، غير أن ذلك لم يجد نفعا، فقررت إرسال قوات من الشرطة والدرك إلى وادي ميزاب، غير أن ذلك لم يحدث اختراقا في جدار الأزمة، ومن هنا جاء الاستنجاد بالقوات الخاصة للجيش كآخر حل لهذه المعضلة.

وقبل أن تأخذ الأزمة منحاها هذا، كان بإمكان الحكومة إنهاء المشكلة في بداياتها بكل السبل الممكنة، إن بالحوار أو بالقوة إذا تطلب الأمر، وإذا كان الحوار بين الفرقاء قد فشل، فيجب أن ينجح الحل الثاني مهما كان الأمر، وهو فرض النظام بالقوة، طالما أن الدولة لها من الإمكانيات ما يؤهلها لإنجاح ذلك.

فغرداية منطقة معزولة وبعيدة عن التجمعات السكانية، كما أنها ليست بالكثافة السكانية التي تجعلها مستعصية على التغطية الأمنية الكافية، وهذان عاملان مؤثران في إمكانية فرض النظام بالقوة، ولو تطلب الأمر وضع شرطي أو دركي عند باب كل منزل، في أسوأ الأحوال.

وبات بعد كل هذا، العودة إلى تشخيص موضوعي أكثر من ضروري، يعرض الجذور الحقيقية للأزمة، بأبعادها التاريخية والمذهبية وحتى العرقية، وهي المعطيات التي لم تتم مراعاتها في محاولات وأد نار الفتنة، التي مافتئت تتأجج في هذه المنطقة، بسبب تراكمات الماضي.

فعلاوة على التباين المذهبي والعرقي الذي يميز غرداية، من عرب مالكية وأمازيغ أباظية، هناك تمايز آخر لا يقل أهمية، وهو المتمثل في الاعتبار المتعلق بالثراء المالي، فبينما يبرز الأباظية كأصحاب رؤوس أموال ومشاريع صناعية وتجارة ممتدة، يبقى المالكية يعيشون على حواف المدينة، يشتغلون عند الأباظية، وهذا ما يرجح أن يكون قد زاد من حدة الاحتقان.

وقد يكون هذا الأمر مقبولا عندما يكون متجردا من الحساسيات المذهبية والعرقية ومن تراكمات الحزازات، مثل ما حدث في عهد الاستعمار الذي كان عدوا مشتركا للطرفين، أما اليوم وفي عهد الأنترنيت والفايسبوك، فبات من الصعوبة بمكان عدم إيلاء هذه الاعتبارات أهميتها، حفاظا على الانسجام الاجتماعي والنسيج الوطني عموما، لاسيما في ظل وجود من نجح في توظيف ما توفره تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة مثل شبكات التواصل الاجتماعي، في تغذية الصراع من الخارج، تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان.

من يستمع لتبريرات الطرفين يعطي لكل منهما بعضا من الإنصاف، حتى وإن كانت المصلحة العليا ترفض رهن استقرار البلاد بأزمة أمنية في منطقة ما من ربوعها، فاستمرار أزمة غرداية لوقت أطول، يعني تحولها إلى بؤرة توتر عرقي ومذهبي مزمن قد يتجاوز حدود منطقة ميزاب، ويلقي بتداعياته على استقرار البلاد برمتها، وقد وقفنا في الأيام القليلة المنصرمة، كيف بدأت انتفاضة الشرطة من تلك المنطقة لتصل إلى العاصمة.

 

عضو المجلس المالكي بغرداية.. عبد القادر برج لـ”الشروق”:

“المقاربة الخاطئة للسلطات ساهمت في تأزم الوضع بغرداية.. وتدخل الجيش كان صائبا”

يرى عضو المجلس المالكي بغرداية عبد القادر برج، أن المقاربة الخاطئة للسلطات والمعالجة السطحية للأزمة في ظل غياب إستراتيجية أمنية فعالة، من بين الأسباب التي ساهمت في تأزم الأوضاع الأمنية في غرداية، وذكر عضو المجلس المالكي في حواره مع “الشروق”، أن الجيش الوطني الشعبي استطاع بسط سيطرته على بعض جوانب الأزمة منذ توليه الملف.

 

أين وصلت الأزمة بغرداية؟

الجانب الأمني بغرداية استقر نوعا ما مقارنة بما كان عليه في السابق، وهذا منذ إحالة الملف على الجيش الوطني الشعبي الذي استطاع أن يبسط سيطرته على بعض جوانب الأزمة، لكن ليس كلها، إلا أنه مازالت كثير من الأمور لم تعد إلى نصابها بعد، لأن القضية ليست سطحية كما يعتقد البعض، وهي أكثر من معقدة، في ظل استغلال بعض الجهات لمسألة الطائفية ومشروع الانفصال، ناهيك عن مقاربة السلطات الخاطئة في تشخيص الأزمة.

 

هل تكليف الجيش بمهمة استعادة الأمن بغرداية ساهم في إيجاد مخرج للأزمة؟

تولي الجيش لملف غرداية أظهر بعض التطورات والمؤشرات الإيجابية من الناحية الأمنية، خاصة أنه استطاع بسط سيطرته على بعض المناطق التي كانت تتحكم فيها بعض العصابات الإجرامية، ولكن هناك بعض المناطق الأخرى لم يدخلها الجيش لغاية الآن، لذلك لا بد أن تكون متابعة جادة حتى تنجح عملية التحكم في زمام الأمور لتعود المياه إلى مجاريها.

 

في رأيكم، لماذا استعصى حل الأزمة رغم الجهود التي بذلتها الحكومة؟

لأن المشكل يكمن في غياب رؤية واضحة واستراتيجية أمنية فعالة، فالسلطات اكتفت بالمعالجة السطحية للأزمة في الوقت الذي تتطلب معالجة عميقة ومن كافة جوانبها، لأن العصابات تنشط في إطار تنظيم شبه مسلح تحركه منظمات حقوقية خارجية من بينها أطراف مغربية، تحمل في طياتها مشروعا انفصاليا خطيرا، وهذا بغية لفت الرأي العام الدولي.

 

طال عمر أزمة غرداية واستعصى حلها. برأيكم، أين يكمن الخلل؟

الخلل يكمن في عدم تطبيق القوانين على الجميع، ويجب إعادة النظر في خصوصية فكرة بعض الجهات الحاملة لمشروع يهدد الوحدة الوطنية، والحل يوجد بيد جميع الأطراف، فنحن نحمل السلطات التي لم توفق في مقاربتها في تشخيص الأزمة، المسؤولية، وهي مطالبة بإيجاد الحلول اللازمة من خلال معالجتها السطحية للمشكلة، وكذا محاسبة العصابات والأعيان الذين لم يتبرؤوا من تلك العصابات.

 

كرونولوجيا أحداث غرداية 

كانت ولاية غرداية على موعد مع تجدد أحداث العنف في مساء يوم الـ 22 نوفمبر 2013، بمدينة القرارة بعد وفاة الشاب “محمد عبد الرحماني” 35 سنة، في اشتباكات شهدتها المدينة عقب انتهاء مباراة كرة قدم بملعب 24 فبراير بين فريقين محليين، لتنتقل بعد أسبوع فقط نفس المواجهات إلى مدينة غرداية، على خلفية نشوب اشتباكات بين سكان حي ثنية المخزن وشباب من قصر مليكة العليا، بسبب نزاع على قطعة أرض تابعة لمحيط مقبرة تقع بين الحيين المذكورين، ومعه عادت احتجاجات واسعة للمطالبة بتوفير الأمن في مدينة غرداية، وتم  اقتحام تظاهرة عيد الزربية من طرف حقوقيين مطالبين بإطلاق سراح عدد من الموقوفين في الأحداث حينها.

وفي ظروف غامضة تواصلت الصادمات المتجددة لأسابيع، وتصاعدت المواجهات وأصبحت في بعض المناطق تأخذ شكل حرب الشوارع مع قوات الأمن، ما كلف المدينة ثمنا باهظا، بدءا بإعلان اتحاد التجار ولجنة التنسيق والمتابعة عن دخول تجار غرداية في إضراب عام في شهر ديسمبر، احتجاجا على تدهور الوضع الأمني بالمدينة، ونزوح أكثر من 1200 أسرة من الطرفين من مناطقها، بسبب الهجمات المباغتة لمجموعات الملثمين والتحاق أكثر من 7 آلاف رجل أمن بين درك وشرطة وصلوا المنطقة على دفعات بعد تصاعد وتيرة الأحداث بشكل أزم الأوضاع، إثر مقتل 4 من الشباب الغاضب دفعة واحدة بمناطق ثنية المخزن بابا السعد وشعبة النيشان بمدينة غرداية وبروز تنظيمات إلكترونية متطرفة تنشط على الشبكة العنكبوتية وتدعو لاستعمال القوة من أجل الانتقام.

وكان الحدث الأبرز ظهور ممثل لحركة “الماك” الانفصالية في المنطقة، ما دفع إلى نزول الوزير الأول بالنيابة سابقا، يوسف يوسفي رفقة وزير الداخلية وقائد الدرك الوطني للقاء أعيان المنطقة من مزابيين ومالكية لحلحلة الوضع المتأزم، وأصبحت غرداية وجهة للهيئات الدينية؛ على غرار جمعية العلماء المسلمين والمجلس الإسلامي الأعلى وشخصيات بارزة في الدولة وتشكيلات شعبية وجمعوية، تنقلت إلى جنوب البلاد بعد تفاقم الأمور وسقوط 7 قتلى في تجدد للأحداث بشكل خطير بكل من غرداية بنورة وضاية بن ضحوة، وظهور أشكال عنف مفرط تسببت في شهر ماي في مقتل ثلاثة شبان في أحداث الحاج مسعود، ما استدعى السلطات الأمنية إلى تشكيل المركز العملياتي المشترك لتسيير ملف غرداية وإعادة انتشار 3 آلاف رجل أمن إضافي ببلدية غرداية، وهو الإجراء الذي أسس لفرض سلطة الجيش، وتسلم قائد الناحية العسكرية الرابعة شخصيا إدارة قضية غرداية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!