عرب..الحرب والجرب!
يكاد الواحد من العقلاء والشرفاء أن يشنق نفسه بشلاغم آخر صرصور في العالم العربي والإسلامي، فهل يُعقل أن يقف البعض من بقايا العرب والمسلمين مع “العسكر” أو “النظام” في سوريا، وبالمقابل يقفون ضد”العسكر” و”النظام” في مصر، ومن غرائب “الربيع العربي” أن بعضا ممّن وقف مع أو ضد الناتو ضد ليبيا يقف الآن ضد أو مع ضربات عسكرية ضدّ سوريا؟
هل يُعقل أن يقف بعض بقايا العرب والمسلمين مع “النظام الجديد” في ليبيا، ويقفون بالمقابل ضدّ “النظام الجديد” في تونس، ومنهم من يقف ضد ما هو حاصل في ليبيا ومناصرا لما هو جار في تونس!
البعض عند تحليله لمواقف الجزائر من ما هو حاصل بعدد من البلدان الشقيقة، وتحديدا بدول ما يسمى “الربيع العربي”، يعتبر هذه المواقف هشـّة وغير واضحة ولا متجانسة، ومنهم من يرى بأن اللاّ موقف هو نتيجة شدّ العصا من الوسط، وغياب رؤية استراتيجية بعيدة المدى والأهداف!
إن الموقف الجزائري، حتى وإن كان فيه وعليه، فإنه أوضح مقارنة بمواقف عربية أخرى، وحتى إن اعتمد في نظرته على منطق “معزة ولو طارت”، إلاّ أن الجزائر تكاد تكون من الدول القلائل التي تتمسك بالإصرار على رفض التدخل الأجنبي والخارجي في الشؤون الداخلية للدول.
بعض الأطراف العربية والإسلامية تلوم الجزائر لأنها ترفض أن تتدخل في شؤون غيرها، مثلما ترفض أن يتدخل غيرها في شؤونها الداخلية، ونفس الأطراف التي تسيّر مواقفها بلعبة البلياردو، لا تعجبها مواقف الجزائر لأنها ترفض أن تساند طرفا على حساب طرف آخر ضمن فتنة الأشقاء الفرقاء في البلد الواحد!
عندما واجه الجزائريون أخطبوط الإرهاب ومن ثمة دفع فاتورة “المأساة الوطنية” وما رافقها من فتاوى مستورة وعلى المقاس، اكتفى أغلب العرب والمسلمون بأداء دور المتفرّج، بل إنهم انصرفوا وهربوا وقاطعوا، بحجة أنهم “لا يفهمون ما يحدث”!
لكن، الآن، يطلبون من الجزائر التدخل لصالح هذا أو ذاك، بالرغم من أن الكثير من المعطيات غير واضحة وليست مفهومة، والأخطر من ذلك، أن أيادي الفتنة تدفع إلى انقسام الشعب في البلدان المعنية، وإلى اقتتال الشعب الواحد، تحت مبرّر”التغيير” واستنشاق هواء”الربيع العربي”!
ومع ذلك، فإن الجزائر كانت ومازالت وستبقى دون شك، تدعو إلى الحلول السلمية واعتماد الحوار كبديل وطريق وحيد لحلحلة المشاكل وتسوية الخلافات والأزمات، وترفض الميل إلى هذا الطرف على حساب الآخر، وهو الموقف الذي يجعلها في كثير من الأحيان في مواجهة الانتقاد والتشكيك ومحاولة ليّ ذراعها بالقيل والقال وكثرة الكلام!
لم يختلف الموقف الجزائري ولم يتباين في الأحداث الخطيرة التي عرفتها كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا، فهي دائما تدعو إلى تغليب لغة الحوار، ورفض التدخل الأجنبي، لكن غُلاة وهُواة “التخلاط” من بقايا العرب والمسلمين، يلبسون ألوان الحرباء، ويتلوّنون في كلّ بلد حسب ما تقتضيه مصالحهم وإيعاز المخابر المشبوهة التي هندست فصول”الربيع”!
نعم، الفتنة هي فتنة، سواء في تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا، ومهما كانت ملّة وهوية الضحية والجلاد، فإن شعوب هذه البلدان الشقيقة، هي التي تدفع الثمن اليوم وغدا، وعليه فإن الأنفع هو الدعوة إلى الحكمة والتحاور بين الإخوة الأعداء، أفضل من صبّ البنزين على النار وتحريض طرف ضدّ آخر في فتنة نائمة لعن الله من أيقظها!