الجزائر في المرتبة الأولى؟

أخيرا تواجدت الجزائر في المراكز الأولى في تصنيف دولي معترف به يسهر عليه مجموعة من الخبراء والمختصين، لكن ـ للأسف ـ هذا الترتيب يعني الدول التي يتعاطى المتعاملون فيها الرشوة، نظير تقديم خدمات، في غالبيتها هي حقوق، والبقية عبارة عن باطل…

وتكمن خطورة هذه الرتبة في كون جريمة الرشوة لا ضحية فيها مثل جرائم السرقة والقتل والاحتيال، وإنما متهموها هما الراشي والمرتشي والرائش، كما أنها أشبه بالوباء الذي يكاد يكون ميئوسا العلاج منه، خاصة أن التقرير أكد أن الرشوة تمكنت من الرأس والأطراف ومن الجسد كلّه، وأخذت ألوانا وألقابا عديدة، بعضها بثوب شرعي مثل الإكرامية، وآخر قانوني مثل المزية، وغالبية الأسماء تحولت إلى قاموس شعبي، حتى إن مثلا جزائريا صار يدعو إليها، وهو “أذهن السير يسير”، والمشكلة أن الذين يتساقطون مثل أوراق الخريف بتهمة الرشوة، هم دائما من صغار المرتشين الذين يطمعون في دنانير معدودات نظير منح صفقات محلية أو تقديم خدمة طبية أو شهادة عمل لنفخ سيرة ذاتية بائسة، بينما يبقى الذين منحوا صفقات الأكسجين والماء والخبز والكرامة، فجمعوا الثروات دون استحقاق، ومنحوا الثروات لمن لا يستحقها،ورهنوا مصير البلاد وجعلوها في كل التصنيفات تحتل المؤخرة إلا في تصنيف تعاطي الرشوة.. هؤلاء جزاؤهم مؤجل إلى حين.

وعندما يصبح الحصول على منصب مدير معهد علمي يربّي الأجيال بالرشوة، والفوز بسرير استشفائي لإجراء عملية جراحية خطيرة قد تعني إنقاذ إنسان من الموت بالرشوة، وطبع كتاب ثقافي بالرشوة، والحصول على جواز حج بالرشوة، وحتى شهادات الزواج والطلاق والميلاد والإقامة والوفاة بالرشوة، فمعنى ذلك أن قدر الجزائري أن يطلب حقوقه ويدفع لأجلها رشوة من المهد إلى اللحد، ولأن الرشوة مثل الخمر، ما أسكر كثيره حُرّم قليله، فإن الراشي الصغير والمرتشي الصغير سيكبران وسُيسكران البلاد، رغم أنها قد بلغت مرحلة الثمالة منذ مدّة ليس بالقصيرة.

وحتى حكاية ما يسمى بـ”الشكارة” التي صارت قانونا تسير عليه دواليب الدولة في قواعدها المحلية والبرلمانية، وتسير بها الرياضة الأكثر شعبية ،وعوالم الثقافة والاقتصاد، إنما هي أقذر أنواع الرشوة، لأنها تمارس في العلن، وفي أهم دواليب البلاد، والطامة الكبرى أنها تبقى من دون عقاب.

المراتب المفجعة التي صارت تصدمنا بها مختلف الهيئات عن أوسخ عاصمة، وأضعف جامعة، وأكثر الشعوب يأسا وأقلها إنتاجا، وأكثرها استيرادا واستهلاكا، وغيرها من أفعال “التفضيل” المقلوبة، كان من المفروض أن لا تبقى مجرد ملاحظات تملأ دفترنا دون أن نجد التأنيب والعقاب من كبرائنا، كما يحدث مع التلميذ الفاشل الذي يعود بدفتره المليء بالتوبيخ والأصفار إلى بيته برجل إلى الأمام وأخرى إلى الخلف، خوفا من أم باكية وأب معاقب وأخ معاتب، لكن الفارق بين الحالتين، أن تلامذتنا وأولياءهم غير مهتمين بهاته الملاحظات المنشورة في كل صحف ومواقع العالم، حتى لا نقول إنهم يحسبونها ـ من جهلهم ـ لوحات شرف وتشجيع وتهنئة!!