أرقام مخيفة…
لن أخوض اليوم في أرقام نسب المشاركة في الانتخابات المحلية الأخيرة، ولن أعلق عليها وأتركها لأهلها من الساسة ورؤساء الأحزاب والمختصين الذين سيعلقون عليها بإسهاب، ولأنها لا تحمل نفس القدر من الأهمية مقارنة مع أرقام أخرى مخيفة وخطيرة تتعلق بيوميات شعبنا بدأت تظهر هذه الأيام بمناسبة نهاية السنة، وتعكس وضعا حرجا وتتطلب وعيا بخطورتها، وإرادة وجهدا لتجاوزها بكل الشجاعة والجرأة اللازمتين مهما كلفنا الأمر، خاصة أننا نملك كل الإمكانات والقدرات لفعل ذلك..
لقد صدمني -مثل غيري- ذلك الرقم الذي تداولته وسائل الإعلام هذا الأسبوع بشأن ارتفاع نسبة مرضى ضغط الدم في الجزائر إلى 35٪ من إجمالي عدد الجزائريين، أي ما يعادل 7 ملايين شخص، مما يعكس معاناة كبيرة لأهلنا وأبنائنا من ضغوطات ومشاكل نفسية ومهنية وأسرية واقتصادية، وفشلا ذريعا لمنظومتنا الاجتماعية، والصحية ولسياستنا الوقائية، أفضى إلى حالة مؤسفة في مختلف فئات المجتمع!!
ارتفاع نسبة الأمية بدورها إلى 25٪ في الأوساط الشعبية بعد 50 سنة من الاستقلال، دليل فشل وإخفاق آخر لمنظومتنا الاجتماعية والفكرية، ولكل السياسات التربوية التي كان أبناؤنا حقل تجارب لها، وفشلت كلها في تربية النشء على حب الوطن وتقدير العلم وتقديس العمل..
نسبة البطالة التي بلغت 10٪ من تعداد الأيدي العاملة حسب أرقام رسمية، تعني أن الورشة الجزائرية الكبيرة بقدراتها ومواردها لم تقدر على توظيف 1.5 مليون شاب جزائري يموت بعضهم في عرض البحار، ويتردد البعض الآخر على السجون باستمرار، ويضطر آخرون للجوء إلى البزنسة في الأسواق السوداء والموازية والفوضوية التي تستقطب آلاف البطالين.
ارتفاع نسبة الجريمة إلى 18٪ خلال سنة 2011 مقارنة بالسنة السابقة، دليل فشل آخر للأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المعنية بتنشئة أبنائنا على الخير والحب والقناعة، خاصة أن الأرقام الصادرة عن الدرك الوطني نهاية 2011 أشارت إلى أن شرطتها القضائية عالجت 74 ألف قضية، منها 4 آلاف جناية وأكثر من 56 ألف جنحة أدت إلى إيقاف 75 ألف شخص، بنسبة ارتفاع فاقت 18٪ عن سنة 2010، وكأننا في غابة لا في مجتمع يدين بالإسلام..
رقم مرعب ومخيف ومفجع ذلك الذي يصل إلى 4 آلاف قتيل في السنة بسبب حوادث المرور، واحتلال الجزائر للمرتبة الثالثة عالميا في حجم الحوادث بنحو 20 ألف حادث مرور خلال سنة 2011، و12 ألفا خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، بخسائر بلغت 2,5 مليار دولار، بسبب وضعية الطرقات وسوء الأحوال الجوية وعدم احترام قوانين المرور واللاوعي وعدم وجود إستراتيجية وطنية للنقل والطرقات.
ارتفاع حالات الانتحار باستمرار لتبلغ 2000 محاولة سنة 2011 ذهب ضحيتها 435 شخصا، دليل آخر على اليأس الذي نعيشه، وتعدد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والنفسية والعائلية والعاطفية، وكذا نقص الوازع الديني والتكفل الاجتماعي بمشاكل فئات واسعة من أبناء الشعب.
أرقام أخرى رهيبة ومخيفة تتعلق بأعداد المعوقين والمشردين والسكنات الشاغرة والأراضي الفلاحية التي غزاها الإسمنت، وأرقام التهرب الضريبي وأعداد المؤسسات المفلسة، دون أن أنسى النسبة الضعيفة للممارسين للنشاط الرياضي، والنسبة العالية للشباب الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين عاما بأكثر من 70٪ من السكان، مما يشكل قنبلة نووية موقوتة عوض أن يكون ثروة ومكسبا نستثمر فيه!!
هذه بعض الأرقام التي تصدم من يطلع عليها في بلد يخزن 200 مليار دولار، وتبلغ مداخيله السنوية 70 مليار دولار، ويقرض صندوق النقد الدولي 5 ملايير دولار، ويمسح ديون بعض البلدان الإفريقية، ويملك مساحة جغرافية تفوق المليوني متر مربع بسهولها وجبالها وصحرائها وسواحلها الجميلة وطاقاتها البشرية الفريدة من نوعها، مما يعني فشلا ذريعا للساسة في التدبير والتسيير لبلد من حجم الجزائر بعد 50 عاما من الاستقلال.. وتبقى نسبة المشاركة المعلنة في المحليات مجرد رقم من بين عدد آخر من الأرقام المخيفة، ورسالة جديدة يجب أن نقرأها ونتمعن فيها جيدا..