الحجاب يدفع السطايفيات للتنكر لـ “الملاية” السوداء!
بعد أن كانت رمزا من رموز مدينة سطيف، وعلامة بارزة في تاريخ المنطقة، استطاع الحجاب بأنواعه الكثيرة، الشرعية وغير الشرعية، أن ينزع الملاية السطايفية عن ظهور النساء اللواتي كن يفتخرن بها ويعتبرنها جزء من شخصيتهن، فبات رؤية “الملاية” في شوارع المدينة وأحيائها من الأمور التي تثير الاهتمام وتدعو للاستغراب، ما زاد في اشتياق سكان المدينة، خاصة فئة الرجال، لرؤيتها من جديد حتى لا تندثر تقاليد المنطقة وتضيع بصماتها وسط الكثير من الأزياء الإسلامية وغير الإسلامية.
وجدير بالذكر، أن “الملاية” تكاد تختفي من شوارع المدينة، ليس لأن الفتيات والشابات يعتبرنها موضة قديمة أو لباس تقليلدي عفا عنه الزمن، بل لأن النساء الكبيرات في السن اللواتي عرفن “الملاية” وأتقن ارتداءها منذ سنوات طويلة جدا، لم يعدن يرغبن في لباسها لعدة اعتبارات، بعضها يتعلق بالجانب الديني، حيث يعتبرنها غير ساترة للجسد كله، باعتبارها مفتوحة من الأمام، بحيث تظهر منها الرقبة والصدر وحتى الملابس التي ترتديها المرأة في منزلها على غرار ” البنوار”، بينما يتعلق بعضها بالرغبة في التجديد ومسايرة المجتمع فيما يلبسه وما هو منتشر على نطاق واسع، ولكن هذا لا يمنع بأن الكثير من سكان المدينة غير راضين على استبدال ” الملاية” بثياب آخر حتى ولو كانت ساترة على غرار الحجاب، خاصة وأن ارتداءها يقتصر على النساء المسنات فقط، حول هذا الموضوع، قالت لنا السيدة رشيدة، وهي امرأة عجوز لا تزال ترتدي”الملاية” إنها مع ظهور موجة الحجاب، واستغناء النساء عن “الملايات” قررت هي الأخرى أن ترتدي “جلابة” تناسب سنها مع خمار مستور و”عجار” لم تفكر في تركه، ولكن أبناءها، خاصة الذكور، لم يستحسنوا لباسها الجديد وطالبوها بارتداء “الملاية”، لأنها تكون فيها “أمهم” التي يحبونها وتعودوا عليها، بينما تكون بـ” الجلابة” امرأة أخرى لا يعرفونها، وحول نفس الموضوع أيضا، تقول السيدة رشيدة، إنها ذات يوم، ذهبت إلى أحد الأطباء بسبب مرض أصابها، فاستقبلها الطبيب استقبالا رائعا وشكرها لأنها مازالت محافظة على أصالتها وتقاليد سطيف، قائلا لها إنه افتقد هذا اللباس الذي يحبه كثيرا ويتمنى أن لا تتخلي النساء عنه.
وبالنسبة للسيدة تركية، وهي امرأة تعدت السبعين، لا يهمها إذا بقيت لوحدها في سطيف ترتدي “الملاية” لأنها اللباس الذي ترتاح فيه وتشعر فيه بكيانها وانتمائها للمنطقة التي ولدت وعاشت فيها لسنوات طويلة ولا يمكنها أن تستبدل تقاليدها بشيء آخر حتى وإن كان مرغوبا من طرف الكثيرات.
ولأن”الملاية” تعبر عن تقاليد المنطقة، لا يستغرب سكان سطيف مرافقة إحدى مناصرات وفاق سطيف، وهي امرأة مسنة، الفريق في الكثير من لقاءاته بملاية سوداء لا تكشف عن شكل صاحبتها المعروفة باسم” خالتي عيشة”، التي تظهر بها في مدرجات الملاعب تعبيرا عن انتمائها للمنطقة ووفائها لكل ما يرمز إليها.
ورغم أن سعاد، وهي موظفة في إحدى الإدارات بسطيف، ترتدي الحجاب، إلا أنها تشعر بالحسرة لأن “الملاية” التي كانت جزء لا يتجزء من المدينة تكاد تختفي تماما بسبب انتشار الحجاب والجلباب، متمنية أن تظل النساء الكبيرات في السن واللواتي كن يرتدينه في السابق محافظات عليه حتى لا تصبح سطيف بلا هوية.
صحيح أن الحجاب، هو اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، ولكن الأوائل الذين فصلوا “الملاية” حاولوا أن يجمعوا بين الأصالة والسترة، دون أن ينتبهوا إلى شروط الشرع التي تتنافى تماما مع تلك الفتحة الموجودة في مقدمة “الملاية”، والتي تحاول المرأة أن تجمع طرفيها بيديها ولكنها تكشف ما يوجد خلفها بمجرد أن يرتخي الطرفان، وبالنسبة لبعض السيدات اللواتي لا يرغبن في التخلي عن هذا اللباس، يقمن عادة بوضع خمار تحتها حتى لا يبرز العنق وما يليه ويرتدين لباسا يستر الذراعين، حتى لا يضطررن إلى ترك “الملاية” وارتداء الحجاب، وهذا هو المطلوب من أمهاتنا السطايفيات اللواتي يحملن على عاتقهن مهمة الحفاظ على هذا اللباس التقليدي حتى لا ينتهي به الأمر في المتاحف.