-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ركحه احتضن حفلات وديع الصافي وميادة الحناوي

المسرح الروماني بقالمة.. جوهرة حافظت على أسرارها على مدار العصور

الشروق أونلاين
  • 5031
  • 0
المسرح الروماني بقالمة.. جوهرة حافظت على أسرارها على مدار العصور
ح.م
المسرح الروماني بقالمة

مازال المسرح الروماني الذي يتوسط قلب مدينة قالمة، يحافظ على شكله وبنيته التي تم إنجازه عليها منذ آلاف السنين، بعد مقاومته لكل الظروف المناخية المتقلبة على مدى العصور والأزمنة، وكذا رغم عمليات الترميم التي شهدها هذا الصرح العتيق على مدار السنوات الماضية، فضلا عن عملية النهب التي طالت بعض قطعه الأثرية النادرة من طرف بعض العصابات المتخصصة في سرقة الآثار وتهريبها نحو الخارج.

المسرح الروماني الذي يعتبر أحد أهم المعالم الأثرية بولاية قالمة، أجمع المؤرخون على أن راهبة معبد المدينة بنته في الفترة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر، بتكلفة بلغت نحو ثلاثين ألف قطعة ذهبية في ذلك الوقت، وهو واحدة من التحف التاريخية النادرة عبر مختلف بقاع العالم، من حيث شكله الهندسي والمعماري، وخصوصيات موقعه في الوسط العمراني، به مدرجات صخرية مخصصة لعامة الشعب، وفي جوانبه عدد من المقصورات المخصصة للأعيان وكبار موظفي الدولة في عهد الرومان، تقابلها منصة خشبية كبيرة، يعتقد المؤرخون أنها كانت مخصصة لإقامة مصارعة الحيوانات المفترسة، وبخاصة منها الأسود، في الحقبة الرومانية.

وبعد الاستقلال، تحول المسرح الروماني إلى احتضان كبرى الحفلات الفنية التي احتضنتها مدينة قالمة، خلال ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، حيث نشطها كبار الفنانين العرب والشرقيين، على غرار المطرب اللبناني الكبير وديع الصافي الذي انبهر بالمسرح الروماني وأدى أغنية خاصة بالمدينة، وظل يردد كلمة قالمة من شدة إعجابه بالآثار التي تزخر بها طوال فترة غنائه الطربية الطويلة، كما حطت الفنانة السورية ميادة الحناوي في عز شهرتها بنفس المسرح وأدت وصلة من أغانيها الشهيرة التي ذاع صيتها بها في ثمانينيات القرن الماضي، وغيرهما من عمالقة الفن والطرب العربي.. وقد أعطى المسرح الروماني في شكله الدائري المبني بأنواع من الحجارة الضخمة لوحات فنية مبهرة، لتلك الحفلات بعد امتلاء مدرجاته بالجماهير الغفيرة التي حضرت تلك السهرات من مختلف المدن القريبة من مدينة قالمة.

وقد استمر نشاط المسرح الروماني مع احتضان كبرى الحفلات الفنية، إلى غاية منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ليستعيد نشاطه سنة 2007 باحتضانه الطبعة الثانية من المهرجان الوطني للموسيقى الحالية، التي صنعت لياليها صورا بقيت خالدة في أذهان كل من حضر تلك السهرات، زادها شكل المسرح الروماني جمالا ورونقا منقطعي النظير، خاصة عند استعمال الأضواء الكاشفة والمزركشة. قبل أن تقرر السلطات المحلية وقتها غلقه، بحجة تخوفها من تدهور حالته وتعرضه للانهيار، كما حدث مع مسرح الموقع الأثري تيمقاد، لكن ذلك لم يدم طويلا، بعدما استرجع نشاطه باحتضان بعض الحفلات والسهرات الفنية التي تقصدها العائلات بقالمة، خلال ليالي فصل الصيف الحار، لأنه يقع في ضواحي باب سكيكدة بقلب المدينة المشهور بجوّها المنعش مقارنة بمناطق الحمامات المعدنية التي تمتاز بالحرارة، وإن كانت هذه التحفة الفنية جزءا هاما من ديكور مدينة قالمة الرومانية، إلاّ أنه يعتبر أيضا مكسبا سياحيا ومعلما ثقافيا، تزخر به ولاية قالمة، بعد محافظته على كيانه وشكله الهندسي والمعماري النادر، وبإمكانه أن يكون موقعا هاما لاحتضان مختلف النشاطات الثقافية والترفيهية العربية وحتى العالمية، ولم لا المعارض السياحية العالمية لأجل التعريف بالمنتج الحضاري والثقافي والسياحي الذي تزخر به قالمة والجزائر عموما. خاصة أن نشاطه الآن مقتصر على احتضان بعض النشاطات، أهمها إقامة معرض سنوي لإحياء شهر التراث أو احتضان بعض الحفلات المحلية خلال ليالي الصيف، أو بعض زيارات بعض الأفواج من السياح الأجانب الذين يقصدونه للتعرف على تاريخ المنطقة وهم نادرون، وأخذ بعض الصور الفوتوغرافية بجانب تلك التماثيل الرخامية النادرة المنصوبة في المقصورات الجانبية للمسرح الروماني، وهي من أجمل التماثيل الموجودة في الجزائر، التي حافظت على شكلها ولم تتأثر كثيرا بأيادي التخريب وبالأحوال الجوية المتقلبة، من أمطار ورياح وشمس محرقة وحتى الصقيع والثلوج، فالمسرح الروماني بقالمة يعتبر في حد ذاته لوحة فنية مبهرة لكل من حضر إلى موقعه.

ولتمكين السياح من التعرف أكثر على تاريخ المنطقة وموروثها الثقافي، فقد خصصت السلطات بولاية قالمة، منتصف تسعينيات القرن الماضي، فضاء مغلقا بجانب المسرح الروماني، يتمثل في إنشاء حديقة أثرية عمومية، أطلق عليها اسم حديقة كالما الأثرية، وهو الاسم القديم لمدينة قالمة في عهد الرومان، وتم فيها تجميع أغلب القطع الأثرية الرومانية التي كانت مرمية في مناطق متفرقة من المدينة، وذلك بهدف الحفاظ عليها من جهة وكذا جمعها في مكان واحد محمي محروس، لتمكين الزائرين من مختلف جهات الوطن وحتى من خارج الوطن، للوقوف على ما تزخر به الولاية من قطع أثرية نادرة لتماثيل رخامية تمثل أهم الشخصيات التاريخية خلال الحقبة الرومانية، وتبقى الحديقة غير معروفة لدى أبناء المدينة فما بالك ببقية الولايات وما بالك بالخارج. لتبقى التحفة الأثرية المتمثلة في المسرح الروماني دائري الشكل الهندسي نموذجا لتعاقب الحضارات التي شهدتها منطقة قالمة، وتمكنت من مقاومة كل العصور والأزمنة وما حملته من تغيرات مناخية وطبيعية، في حاجة ماسة إلى بعث الروح فيه من جديد وفق شروط محددة تضعها الجهات المعنية للحفاظ عليه، أمام الفاعلين في الحقل الثقافي لاستغلال هذا الصرح النادر في مختلف الأنشطة وفتحه أمام الجمهور للاستمتاع بهذه اللؤلؤة الأثرية النادرة، التي تزخر بها ولاية قالمة إلى جانب عدد من المواقع الأثرية الأخرى التي يبقى المسرح الروماني بقلب مدينة قالمة رمزا لها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!