حصاد عام انقضى من عمر أمّة الإسلام
انقضى شهر الصّيام، وتتابعت بعده أشهر الحجّ، وها نحن نستعدّ لوداع عام هجريّ آخر، هو العام السادس والثلاثون بعد الأربعمائة والألف، عام سيرحل بعد يومين محمّلا بمآسينا، مثخنا بجراحنا؛ عام تجرّعنا فيه مزيدا من كؤوس الذلّ والهوان، التي توالت علينا منذ أن ضيّعنا الصّلوات وهجرنا القرآن، ومنعنا الزّكاة وأكلنا الرّبا وتعلّقت قلوبنا بالأغاني والألحان، وابتغى حكامنا العزّة في كنف من تربّصوا بالأمّة وأعلنوا الحرب والعدوان.
يومان ونودّع عاما هجريا آخر من أصعب الأعوام التي عاشها إخواننا المسلمون في بورما؛ لا زالوا يُحرقون في الفجاج، ويذبحون كما تذبح النعاج، بل قد بلغت محنتهم في هذا العام إلى حدّ الاسترقاق وبيعهم عبيدا في الأسواق، يباع المسلم البورميّ مقابل 900 دولار، ليعمل عبدا ذليلا في صيد وتجارة الأسماك في تايلاند، والله المستعان.
عام تواصل فيه تكالب الصهاينة على إخواننا المسلمين في قطاع غزّة، الذين تعاظمت محنتهم حينما أقدم النّظام المصريّ على إغراق الأنفاق التي كانت تصلهم بإخوانهم في مصر، وأمعن في حصارهم إرضاءً لعدوّ لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة.
عام تسارعت فيه وتيرة بناء المستوطنات وترحيل الفلسطينيين من بيوتهم وعن أراضيهم، بل تعاظمت جرأة اليهود وهم يرون أمّة الإسلام تغطّ في سباتها، وخطوا خطوات جريئة على طريق تهويد المسجد الأقصى وفرض تقسيمه زمانيا ومكانيا، على مرأى ومسمع من أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.. محنة لا يخفّف وقعها إلا بصيص أمل انبعث في الأيام الأخيرة من هذا العام، أمل في انتفاضة فلسطينية جديدة، بدأها شباب بثّوا الرّعب في قلوب الصّهاينة وأعطوهم درسا في التضحية والفداء، بأيدٍ متوضّئة لا تحمل من الأسلحة سوى خناجر جعلت العدوّ الغاصب يعلن حالة الاستنفار، وجعلت وزير الدّفاع الصهيوني موشيه يعلون يعترف قائلا: ”لا نستطيع فعل أيّ شيء أمام حاملي السكاكين، والأوضاعُ سيئة للغاية”.
عام تعاظمت فيه محنة إخواننا المسلمين في العراق، وهم يرون بلادهم تساق تحت ذريعة الحرب على الإرهاب والتطرّف، وبتواطؤ أمريكيّ صليبيّ، وفي ظلّ غفلة عربية إسلامية سادرة، لتكون جزءًا من دولة صفوية يراد بعثها من جديد، لتؤدّي دورها في تشتيت وإلهاء وإنهاك أمّة الإسلام.
عام تفاقمت فيه مأساة إخواننا وأحبابنا في سوريا، الذين وبينما كانوا ينتظرون أن يتدخّل المسلمون لوقف الإرهاب الممنهج الذي يتعرّضون له على أيدي الصليبيين والشعوبيين والطائفيين وبعض الأعراب، إذ بهم يقفون موقف المتفرّج إزاءَ تدخّل جلاد جديد هو روسيا التي لم يكفها ما فعلت بالمسلمين في أفغانستان وما فعلت وتفعل بالمسلمين في الشيشان، حتى مدّت يدها بتواطؤ وضوء أخضر أمريكي، لتعيث في دماء المسلمين في أرض الشام؛ روسيا التي أرادت أن تشمت بالمسلمين فتباهت بمباركة الكنيسة الأرثوذوكسية لتدخّلها في سوريا، ودعمها الكامل لما أسمته “الحرب المقدسة لحماية رعايا الصليب”. ولم تكتفِ بهذا حتى أعلنت عن تنسيقها العسكريّ مع الكيان الصّهيونيّ في هذه الحرب المقدّسة، نكاية بالمسلمين.
عام سالت فيه دماء الحجّاج المحرمين وتكدّست جثثهم الطّاهرة في أقدس بقاع هذه الأرض، وفي أيام هي من أفضل أيام الدّنيا، في فاجعتين هما فاجعة الرّافعة وفاجعة منى، اللتين لا تزال الأمّة تنتظر الخبر اليقين في أسبابهما، وبخاصّة فاجعة منى التي راح ضحيتها أكثر من ألف حاجّ، وتضاربت حولها الروايات، وتسرّبت الشائعات التي لو صدق بعضها فإنّ الأمّة ستكون مدعوة إلى موقف حاسم وحازم مع الجناة الذين يأتون من بلدانهم محمّلين بحقد طائفيّ بغيض، يدفعهم لتحويل مكّة إلى حمّام من الدّماء، للتّعجيل بخروج الغائب المنتظر!. .