مرسي.. ميسي.. والفلول!
عندما تعرف أن مشروع النهضة الذي يحمله مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة في مصر، يزيد عمره عن 15 سنة وشرعت الجماعة في تطبيقه حتى في عهد مبارك، وآتى أكله وثماره خاصة في قطاع الفلاحة، تتأكد أن تنظيما بحجم الإخوان يشكل الضمانة شبه الوحيدة لإنقاذ مصر مما هي فيه من ضياع سياسي واقتصادي وأمني وطائفي واجتماعي، ووضعها على سكة الأمان بعيدا عن مكائد ومؤامرات الفلول.
خصوم محمد مرسي، يلومونه على تقبيل رأس المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، في كل اللقاءات التي تجمعهما، ويروّج الفلول لدعايات قاصمة للظهر، بالقول أن محمد مرسي إذا انتخب رئيسا للجمهورية سوف يكون له رئيسا آخر خلف الستار. يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، وتلك واحدة من أخطر خوارم الديمقراطية في العصر الحديث، ويستدل خصوم مرسي بالقول أن للرجل بيعة في عنقه للإخوان تنافس وتضايق بيعته وولاءه للوطن، ويرى بعض قصار النظر أن مترشحين متحررين مثل صباحي أو أبو الفتوح أو موسى أفضل لمصر من رجل مربوطة رجله إلى عصا المرشد (أو هكذا يزعمون)، ونسي هؤلاء المرجفون أن جماعة الإخوان بأخطائها تمثل الخزان الذي لاينضب من الأفكار والمشاريع والرجال والبرامج، والأجيال المتعاقبة التي تزداد قوة وصلابة وولاءا كلما قمعت واضطهدت وامتلأت بهم السجون، ويكفي للتدليل على ذلك أن الجماعة حتى وهي محظورة ومقهورة حاولت أن تحل محل الدولة المصرية الغائبة والمنهوبة والمقصوم ظهرها والمبقور بطنها بالفساد والمفسدين، والحقيقة التي لا ينكرها أحد في مصر، أن الجماعة استغلت فراغ الدولة وضعفها وتفريطها في المواطن، لتقيم المستشفيات والمدارس والجامعات والتجمعات الاستثمارية والمؤسسات الصغيرة، إلى غير ذلك من العمل الاجتماعي الذي يعد سببا رئيسيا في تجذر الجماعة وانتشارها وثقة المصريين فيها، هذه الثقة التي تجلت في الاستحقاقين التشريعي والرئاسي، ولو لم يكن للدكتور محمد مرسي، هذا الرافد لما حظي بكل هذا التأييد، خاصة وأنه ذلك الرجل الذي اشتغل كثيرا بعيدا عن الأضواء ولا يعرفه إلا بعض القطاعات من المصريين، لكن عندما قررت جماعة الاخوان أن يكون رئيسا لمصر، تغلب على منافسيه وهم أكثر منه شهرة وشعبية وحضورا على الخشبة، ورجل تسنده جماعة بهذا الزخم وهذا التاريخ وهذا المشروع أفضل لمصر ممن يتغنون بالاستقلالية والتحرر والانفتاح، لأن التراث الإسلامي يقوم على أن يد الله مع الجماعة حتى لو أخطأت، وليست مع التشرذم والضياع والصراعات والدكتاتورية والرأي الأوحد..
وكأني بمحمد مرسي (في السياسة) يشبه إلى حد ما ميسي (في الرياضة) فهذا اللاعب الأسطورة يصنع المعجزة الحقيقية عندما يلعب مع فريق متكامل ومدرسة منسجمة مثل نادي برشلونة، لكن نفس اللاعب بقدراته وإمكاناته يكاد يكون لا أثر له في فريقه الأم الأرجنتين والسؤال.. لماذا؟
واضح جدا ليس في الرياضة فقط، أن يد واحدة لا تستطيع أن تصفق، وإذا صفقت لايسمع صوتها أحد، لذلك يعطي وجود الروافد والكيانات المنتجة والأحزاب القوية والتيارات المتماسكة القوة للشخص حتى ولو لم يكن أفضل الموجودين مثلما هو حال محمد مرسي، فجماعة تشكل لجان قطاعية لتطوير الصناعة والتربية والفلاحة والسياحة.. ومساعدة الحكومة على التنمية المستدامة، أكيد أنها ستبدع عندما تسيطر على خيوط اللعبة، حتى وإن كان ذلك يخيف غير الإسلاميين، وعندما تجد لجنة تطوير التربية داخل الإخوان وعمرها يزيد عن 10 سنوات، تضم 10 دكاترة وباحثين أغلبهم ساهم في تطوير جامعات عربية وأوروبية، وتجد أن 7 من هؤلاء الأعضاء لا ينتمون إلى جماعة الإخوان، تطمئن حينها على مستقبل مصر لأنه في أيدي هذه الجماعة، عكس ما يروجه الفلول بالقول أن الجماعة وجه شاحب للدولة الإسلامية الفاشلة في إيران وأفغانستان والسعودية (في رأيهم).
صحيح الفلول يتحركون أفقيا وعموديا، واحتمال بقاء نظام مبارك وعودته إلى الواجهة لايزال واردا، إلا أن الالتفاف حول مرسي وشعور المصريين بالخطر يجعلنا نستبشر خيرا بمستقبل هذا البلد، ببساطة لأنه إذا قامت مصر ووقفت على رجليها سوف يقوم ويتحرك المارد العربي، أما إذا بركت على رجليها لا قدر الله فإنها ستدهسنا جميعا إلى غير رجعة.
بقي أن ننصح إسلاميي الجزائر، أن يعتبروا لأنهم بصراحة لا طعم لهم ولا لون ولا رائحة، لا هم حركة اجتماعية مثلما هو حال الإسلاميين في مصر والأردن، ولا هم حركة احتجاجية مثلما هو حال الإسلاميين في تونس والمغرب..
هم للأسف بركة راكدة لا تتحرك إلا إذا جرفتها سيول الانتخابات.