ولد عباس: أنا صافي كـ”ثلج الشريعة”

أسدل الاثنين، الستار على أطوار محاكمة الوزيرين السابقين لوزارة التضامن الوطني، جمال ولد عباس والسعيد بركات ومن معهما من المتهمين في قضية “تبديد أموال التضامن”، بمنح المتهمين الكلمة الأخيرة، أين طالبوا جميعهم بالإنصاف، وصرحوا بأنهم أبرياء، قبل أن يعلن القاضي عن رفع الجلسة وإحالة القضية للمداولة للنطق بالأحكام بتاريخ 13 ديسمبر الجاري، حيث كانت كلمة “السيناتور” السابق جمال ولد عباس أكثر استقطابا، عندما قال “أنا صافي كي الثلج تاع الشريعة”.
وفي ساعة متأخرة من مساء الإثنين، وبعد مرافعات الدفاع منح قاضي الغرفة السادسة للقطب الجزائي المتخصص لدى مجلس قضاء الجزائر الكلمة الأخيرة للمتهمين قبل دخول هيئة المجلس للمداولات والنطق بالحكم في الوقت المقرر، حيث تقدم الوزير السابق للتضامن جمال ولد عباس وخليفته في القطاع السعيد بركات، إلى جانب الأمين العام السابق للوزارة بوشناق جلادي، ومدير التشريفات جلول سعدي وكذا الأمين العام للمنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، حيث طالب الجميع بالإنصاف، وصرحوا بأنهم أبرياء، وأنهم يثقون في العدالة الجزائرية.

ولد عباس: حكم علي بالإعدام… أنا صافي كثلج الشريعة

حاول الوزير الأسبق للتضامن، جمال ولد عباس، استعطاف هيئة المجلس قبل دخولها للمداولة بعد يومين كاملين من المحاكمة، ولم تخل تصريحاته من الغرابة والطرافة، بعدما قال في كلمته الأخيرة للقاضي: “سيدتي الرئيسة أنا صافي كي الثلج في الشريعة، الحمد لله كل شي بيد الله والحكمة عندكم”.
وقال “سيدتي الرئيسة أفنيت حياتي في خدمة الجزائر… أنا جد متأثر لما وصلت إليه وأنا في هذه السن.. “، واستطرد وهو يروي تاريخه النضالي: “حكم علي بالإعدام وأنا مجاهد شاب. أنا أؤمن بمحكمة بلادي”، وحاول أن يستعين بآيات من القرآن الكريم، حيث تلا في كلمته لهيئة المجلس الآية الكريمة: “واتبع ما يوحي إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين”، وتابع كلامه “الحكم عند الله ماشي عندك. الحكم عند الله ماشي عندك أنت عندك الحكمة… أنا في عمري 87 سنة، مجاهد “صافي كي الثلج في الشريعة. الحمد لله كل شي بيد الله والحكمة عندكم”. ومن جهته، اكتفى الوزير السابق للتضامن سعيد بركات، في كلمته الأخيرة بطلب البراءة قائلا: “سيدتي الرئيسة أنا بريء.. بريء.. بريء.. وأنتظر منكم الإنصاف”، أما بوشناق خلادي الأمين العام السابق لوزارة التضامن فطالب بحكم البراءة ليلتحق بعائلته التي لم يلتق بها منذ دخوله السجن، كما التمس بن حبيلس إسماعيل الأمين العام السابق للتضامن بالبراءة، وقال حمزة شريف رئيس منظمة الطلبة الجزائريين في كلمته الأخيرة “الحكم هذا أثر علي كثيرا ولم يعد بإمكاني توفير القوت لأبنائي، ألتمس البراءة “ليطالب باقي المتهمون بـ”البراءة” لتعلن رئيسة الجلسة عن إصدار الأحكام في القضية يوم 13 ديسمبر المقبل” .

دفاع ولد عباس: “دار ماعندوش كوزير راه يبكي”

حاولت هيئة الدفاع عن الوزير السابق للتضامن جمال ولد عباس، اللعب على الوتر الحساس وحاولت استعطاف هيئة المجلس من خلال التركيز على الجانب الإنساني وسن موكلها وما قدمه للجزائر ما قبل وما بعد الاستقلال، وركزت على “حيلة التقادم” خلال مرافعتها وأكدت أن الوقائع والأحداث تعود إلى 12 سنة خلت.
وانتقد المحامي تقرير المفتشية العامة للمالية وحاول تبرير منح الإعانات التي قدمت للفريق الوطني في أم درمان، وقال “هل يستهل ولد عباس الذي خدم الوزارة لعشر سنوات أن نحاسبه عن جهاز كمبيوتر واحد”، وأفاد المحامي بأن الوزير منح صلاحيات للولاة للتصرف في الإعانات، مؤكدا أن التحقيق انطلق من الجمعيات وأنه ما يوجد في الملف مجرد افتراضات على أساس أنه يوجد أشخاص يسحبون الأموال باسم موكله دون تقديم دليل على ذلك، وختم المحامي مرافعته بالقول “أخلوا سبيله فقد بلغ من العمر عتيا.. ونحن “نتأسف لحالته”، دار ماعندوش كوزير راه يبكي”.
من جهته، فإن الأستاذ فاروق قسنطيني المتأسس في حق جمال ولد عباس، رافع مطولا من أجل براءة موكله، ولام قاضي الدرجة الأولى الذي بالغ في تسليط عقوبة 8 سنوات مع أنه شخص قد تجاوز 86 سنة ومصاب بعدة أمراض.
وقال قسنطيني “سيدتي الرئيسة تمت معالجة عدة ملفات تتعلق بالمصالحة الوطنية وضحايا الإرهاب وغير من ذلك وهذا بأوامر من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة آنذاك، وعليكم أن تعلموا أن الوزير ولد عباس كان شخصا إنسانيا وسجل ذلك في ملف المصالحة والمفقودين والمفقودين… أيعقل بعدما خدم الدولة لأزيد من 45 سنة يجد نفسه متابعا جزائيا ويدان بـ8 سنوات حبسا نافذا..؟
وشرح المحامي قسنطيني مراحل فتح التحقيق ضد موكله وقال “الانطلاقة كانت بشكوى ضد جمال ولد عباس من طرف وزير سابق للعدل تخص مرحلة التسيير في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2012 ولكن في تلك الفترة لم يكن جمال ولد عباس وزيرا للتضامن بل كان وزيرا للصحة… إلا أن الأمور انقلبت تماما عند المستشار المحقق لدى المحكمة العليا الذي عاد إلى الوراء بسنوات وبالضبط إلى فترة 2001 و2003 “.
وتابع الأستاذ “سيدتي الرئيسة تكلمت عن تقادم الأفعال المنسوبة لولد عباس بثلاث سنوات له كرئيس الجمعيات وعشر سنوات بصفته وزيرا وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يحاسب إلا على الأفعال التي كانت في فترة استوزاره.. فلما عين كوزير تضامن كان عمره 65 سنة… هو رجل سياسي وليس موظفا حتى يتابع بتبديد أموال عمومية… أما فيما يخص الصفقات العمومية يلام على موكلي أنه لم يحترمها، إذ أنه أصلا في تلك الفترة العمومية لم تكن الصفقات تخضع لقانون الصفقات العمومية بل لشرط الاستعجال على شاكلة شراء الحافلات لولاية غرداية”.
من جهتها، رافعت هيئة الدفاع عن الوزير السابق السعيد بركات، مطولا لبراءة موكلها، وأكدت أن وقائع قضية الحال تعود إلى 2016، أين لم يتم ذكر اسمي الوزيرين السابقين جمال ولد عباس والسعيد بركات، إلى غاية 2019، أين كانت هناك إرادة قوية لجره إلى العدالة وإدانته بـ4 سنوات حبسا نافذا.
وقال الأستاذ صويلح “ما آلمني في ملف الحال هو توزيع العقوبات بشكل جزافي كصكوك غفران دون تقديم أدله وقرائن تثبت إدانة موكلي بالنسبة لوقائع الحال فهي عبارة عن عمليات تضامنية قامت بها وزارة التضامن مع الجمعيات فهناك ثلاثة محاضر تضم ثلاثة محاور منها الحافلات والمواد الغذائية والقانون ينص على أنه للسلطة العمومية أن تختار أي جمعية من الجمعيات التي ترى فيها إمكانية تقديم مساعدات الدولة شريطة وجود اتفاقيات”.
وتابع المحامي “لما تم السماع لأمين الخزينة أكد أن كل العمليات كانت قانونية ولم تشبها أي شائبة، ومع هذا تم توجيه الاتهام لموكلي عن ثلاث جرائم وهي إساءة استغلال الوظيفية وإبرام صفقات مخالفة للتشريع وتبديد أموال عمومية، وتم إدانته على أساس موظف عمومي مع أنه وزير معين في منصب عال وهو منصب دستوري وسيادي، ونفس الشيء، بالنسبة للقرارات التي تفيد أن عمليات صرف أموال الصندوق الخاص تخضع للمحاسبة العمومية وبالتالي لا يوجد أي شيء يخضع للصفقة العمومية “.
علاوة عن ذلك يضيف المحامي صويلح فإن “بركات سعيد ابن شهيد ومناضل كبير، عنده عدة ممتلكات ليس محتاجا لأموال التضامن”.
وإلى ذلك فإن الأستاذ كمال علاق قال في مرافعته “سيدتي الرئيسة، معالجة مثل هذه الملفات تطرح تساؤلا.. قدمنا عددا هائلا من المذكرات والوثائق لم يشر لها في أمر الإحالة ونفس الشيء حدث للأسف في جلسة المحاكمة بالمحكمة الابتدائية لسيدي أمحمد ولم نجد أثرا لما دفعناه ولم يذكر في الحكم لسبب بسيط، لأن هذا الأخير عبارة عن نسخة منقحة لقرار الإحالة… على الأقل كان من الأرجح أن يشير إلى الإطلاع على الوثائق”.
وأضاف المحامي علاق “لملف هذا عبارة عن ظلم كبير لسعيد بركات.. القضية انطلقت بموجب إرسالية مؤرخة في 21/6/2016 للديوان الوطني لمكافحة الفساد وإرسال الملف لوكيل الجمهورية لبئر مراد رايس الذي حول تقرير بدوره للنائب العام بتاريخ 1 أوت 2018 وقال فيه إن هناك تقريرا من الديوان الوطني لمكافحة الفساد ويذكر الأشخاص التي يمكن اتهامهم ولم يذكر ولد عباس ولا بركات… تقرير مجلس المحاسبة لم يقل هناك أفعال اجرامية، بل قال هناك أفعال تحمل وصف جزائي ولم يحدد الفترات، موكلي تسلم المهام في 2010 وغادر الوزارة في 2012، إلا أنه بدأت المتابعة في 2019”.
الأستاذ علاق يبين بالأدلة والقوانين أن هناك مساعدات تقدم في ظرف استعجالي، ليطالب ببراءة بركات سعيد من جرم ابرام صفقات عمومية، لأن القضية لا تتعلق بذلك وإن كانت كذلك فالقضية تقادمت، لأن الوقائع كانت سنة 2011 وتحريك القضية كان في 2019.. قائلا “زد على ذلك فإن التهمتين التي تكلم عنهما قاضي الدرجة الأولى، لا توجد أي خبرة تكلمت وحددت مبلغ التبديد، كما أن الخبرة تحدثت عن اختلالات تنظيمية وتقول أن الأمور المحاسبية قانونية ولا يوجد أي فيها تبديد “التضامن مافيهش صفقات عمومية، لأنه عنده طابع استعجالي”.

الدفاع يستعمل حيلة “التقادم” لتبرئة موكليه

شدد محامي الدفاع عن مدير التشريفات لوزارة التضامن في عهد السعيد بركات المتهم حمزة شريف كمال شوقي، أن الوقائع التي توبع من أجلها موكله، لا ترقى أن تكون قضائية جزائية أو قضية فساد.
وقال الدفاع أن “موكلنا حمزة شريف كمال شوقي، قام بإبرام عقد وساطة وفقا للتشريع الساري المفعول الذي لا يسري عليه قانون الصفقات 15 / 247، كما جاء في الأمر بالإحالة وخاصة أن كل المتهمين من نخبة المجتمع وطبقته العليا ولم يسبق لهم أن تورطوا في قضية تمس بذمتهم المالية”.
من جهته، فإن هيئة الدفاع رافعت هيئة الدفاع عن الأمين العام السابق لوزارة التضامن بوشناق خلادي، مطولا من أجل براءة موكله، وقال إن “التهم المتابع فيها موكله وفقا قانون 06 / 01 للمحاربة من الفساد والوقاية منه، قد مسها التقادم وفقا للمادة 54 من نفس القانون”.
وذكر المحامي بمسار موكله في وزارة التضامن من 2006 إلى 2010، وقال إنه تعرض للظلم وأعاد طرح قضية تقادم في شقها المتعلق بتهمة ابرام صفقات مخالفة للتشريع، وتساءل عن سبب استبعاد كل الدفوعات الشكلية المثارة من قبل الدفاع.
وانتفض محامي الدفاع عن المتهم خلادي قائلا “كاش واحد من الوزراء كان يأمره رئيس الجمهورية أو السعيد بوتفليقة ويرفض ذلك، من يتجرأ.. أما بخصوص الصندوق الخاص بالتضامن فهو تحت الإشراف المباشر لوزير القطاع، باعتباره الآمر بالصرف، وفقا للمراسيم التنفيذية، وبالتالي فإن الأمين العام للوزارة مفوض فقط بإمضاء الاتفاقية، لاسيما أنه قبل إبرام هذه الأخيرة، فإن الوزير يحرر ويمضي قرار المنح الخاص بالإعانة وكذا موضوعها، وعليه فإن موكله ليس لديه أي سلطة لرفض أو معارضة أوامر المسؤول الأول عن القطاع”.

دفاع بن حبيلس: موكلنا منفذ لأوامر الوزير

أوضح دفاع المتهم عن الأمين العام السابق لوزارة التضامن في فترة الوزير السعيد بركات المتهم مصطفى بن حبيلس، أن موكله لا يحوز على أي سلطة قرار، وإنما هو منفذ لأوامر المسؤول الأول عنه.
وقال الأستاذ قرباح “موكلي متابع بتبديد وإبرام صفقات مخالفة للتشريع، مع أن بن حبيلس عنده تفويض بالإمضاء وليس تفويض بالسلطة، موكلي تم تنصيبه في جويلية 2011، لما جاء هو كأمين عام فإن المنظمة الطلابية كانت موجودة وليس هو من اختارها والأمينة العامة التي سبقته لمدة ستة أشهر وقعت 14 اتفاقية، لكنها لم تذكر في الملف واستفادت من انتفاء وجه الدعوى، في حين أن موكلنا تمت متابعته”.
وأضاف المحامي “موكلي وقع على 21 اتفاقية خاصة بصندوق التضامن باعتباره أمينا عاما لوزارة التضامن في عهد بركات، حيث أن كل الملفات كانت تمر على مديرية الحركات الجمعوية للوزارة، وبعد أن يتم التأشير عليه من طرف المراقب المالي، ليصل الملف في الأخير إلى بن حبيلس للتوقيع على الاتفاقية”، وعليه طالب المحامي ببراءة موكله باعتباره منفذا وليس مقررا.
وبالمقابل، فإن المحامي بوذريعات المتأسس في حق نفس المتهم أكد أن موكله أنهيت مهامه من وزارة التضامن، لأنه أراد أن يفهم ما هو الدور الذي تلعبه هذه الجمعية الطلابية في التضامن.
أما هيئة الدفاع عن أعضاء المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، بدورها فقد حاولت تبرئة موكليها، من خلال استعمال جميع الأدلة والوثائق على شاكلة مراسلة رئيس مجلس المحاسبة للمستشار المحقق والتي أكد أن الوقائع ليس لها وصف جزائي.