أبواب التوظيف تفتح أمام الجزائريين

بعد تجميد دام لأشهر طويلة بسبب جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية، عادت عروض التوظيف والعمل من جديد في العديد من القطاعات العمومية والخاصة، والتي فتحت أبوابها من جديد لمسابقات التوظيف وإدماج المتعاقدين والبحث عن طاقات وكفاءات جديدة، وتسبب إعلان عودة استيراد وتصنيع السيارات في إقدام الكثير من الوكلاء على فتح باب التوظيف لتأطير قاعات العرض وخدمات ما بعد البيع ومصانع التركيب، وهو ما بعث الأمل من جديد للكثير من الشباب المتعطشين للعمل.
أجمع المختصون والخبراء أن الجزائر تشهد ديناميكية اقتصادية أنعشت سوق العمل، وهو ما تؤكده عروض التوظيف التي طالت مؤسسات عمومية هامة على غرار سوناطراك والجوية الجزائرية وسونلغاز والعديد من القطاعات العمومية على غرار التعليم والصحة والنقل والصناعة والضمان الاجتماعي والتعليم العالي والتضامن، حيث فتحت العديد من فروع هذه الوزارات أبواب التشغيل مؤخرا، وهو الأمر الذي طال أيضا القطاع الخاص الذي شهد انتعاشا في فتح أبواب التشغيل وهو ما كشف عنه مؤخرا صالون التشغيل الذي استقطب عشرات المؤسسات العمومية والخاصة.
ولأن الكفاءة ظلت “مغيبة” لسنوات في اختيار الناجح في مسابقات التشغيل بتغلب الطريقة التقليدية التي تسيرها “المعريفة” والولاءات حتى ولو كان الشغيل ذلك لا يفقه شيئا، إلا انه يضمن له موقعا في مؤسسة لا تستفيد من خدماته شيئا، بل قد يكون عالة عليها، إلا أن موقعه مضمون، وهو ما ظل محل انتقاد خريجي الجامعات أصحاب الشهادات والأفكار الذين يأملون أن تتغير المفاهيم، لتقديم إضافة لوطنهم وبناء جزائر جديدة بمستقبل يحمل في طياته تنمية واعدة.
الشهادة لا تعادل الكفاءة…
تستمر الرؤية التقليدية لبعض الشباب بخصوص اختيار مناصب العمل، متجهة صوب المؤسسات الوطنية الرائدة والمعلومة لدى العام والخاص، والتي تظل بمثابة حلم للبعض خاصة لمن لا يملك “المعريفة”، ولأن الاقتصاد الوطني شهد انفراجا خلال السنوات الأخيرة بظهور مؤسسات وطنية وأخرى خاصة جديدة، يُنتظر أن تتغير الرؤية إلى ما هو أحسن، من خلال اختيار المناصب على أساس المعايير المتعارف عليها بمختلف الدول المتطورة، من اجل التخلص من النظرة القديمة في التوظيف بإبعاد العقول “المتحجرة” التي لا يستفاد من خبرتها قط، وتعويضها بمن يملكون الإضافة حتى تسير السكة في طريقها الآمن، لحمل تنمية واقتصاد واعد.
يجب ربط التكوين بالميدان وليس بالشهادة
وفي هذا الصدد، أكد الباحث في السياسات الاقتصادية، عبد المجيد سجال أن المقاربة بالشهادات أثبتت فشلها، فكلنا يعرف المنظومة الجامعية، التي أصبحت مؤسسات لتوزيع الشهادات بعيدا عن التكوين وصناعة الكفاءات.
ويقترح سجال، زيادة سنة أخرى بالجامعة، ضمانا ليكون هذا العام خصيصا لتربص الجامعيين قبل تخرجهم، وذلك في مختلف التخصصات، شأن ما هو متعامل به في مجال المحاماة، حيث تفرض فترة معينة لحاملي شهادة الحقوق، كتكوين لهم قبل ولوج عالم الشغل، كما ينطبق ذلك على المحاسبين الإداريين ورؤساء البلديات الذين تتطلب وضعيتهم الكفاءة المهنية، حيث يجبرون ضمن هذا الاقتراح على الدراسة لفترة سنة في التكوين المهني، بهدف التسيير الحسن للجماعات المحلية، فالمشكل لدينا ليس في الشهادة –كما قال- بل في ما يحمله الشخص من كفاءة، مضيفا أن البلدان الانجلوساكسونية تعتمد على معايير جديدة في التوظيف، كأن تطلب من المترشح لأي منصب عمل، ما الذي يمكن له أن يقدمه للمؤسسة التي ينوي العمل بها كإضافة، وهو ما يتطلب منا –على حد تعبيره- ضرورة تغيير معايير التوظيف.
الكفاءة المهنية في التسيير العمومي للتخلص من المقاربة بالولاءات
وتطرق “سجال” الباحث في السياسات الاقتصادية، عن مقاربة الولاءات التي “تغولت” في الكثير من القطاعات بعيدا عن الكفاءات طيلة الـ30 سنة الماضية أو أكثر، فإذا كان الشخص في الحزب الفلاني أو التنظيم السياسي المعين، يكون له مستقبل من خلال اعتلاء منصب مدير الخدمات الجامعية أو مسؤول جهة معينة حتى أن بعض التنظيمات الطلابية، لطالما تمكنت خلال سنوات مضت من تنصيب مديري الخدمات الجامعية وغيرها من الأمثلة الكثيرة.
وأصر “سجال” على ضرورة أن تكون إستراتيجية جديدة للمقاربة بالكفاءات، يفرض تكوين الجامعيين لسنة أخرى فضلا عن اقتراح شهادة الكفاءة المهنية في التسيير العمومي الحديث، فرؤساء البلديات التقليديين مثلا – حسبه – يجب أن يتحولوا إلى “مناجير” في التسيير، يتطلب منهم منصبهم هذا البحث عن مشاريع تضفي مداخيل للبلدية، إيجاد رجال أعمال، حشد الموارد في البلدية وغيرها من المتطلبات الأخرى التي تساير الإجراءات التي أقرتها السلطات العمومية في إحداث التنمية بالجماعات المحلية، بعيدا عن الاختيارات التقليدية التي تقوم على انتقاء المعلم أو الإمام، لأنهم بالإجماع “ناس ملاح”، بل نحتاج حاليا – يضيف – لأشخاص أصحاب كفاءة وبعد النظر مع إنهاء المقاربة بالولاءات والشهادات والذهاب إلى المقاربة بالكفاءات، النظرة الإستراتيجية وانتقاء الأحسن.