إلزام المحاكم بإعتماد القاعدة الشرعية “الولد للفراش”!
ألزمت وزارة العدل رسميا المحاكم باعتماد القاعدة الشرعية “الولد للفراش” للحد من الانتشار المخيف لقضايا إنكار النسب، والتي تتعلق أغلبها بالتهرب من النفقة في ظل غلاء المعيشة واتساع رقعة الفقر في الجزائر، وما يوازيه من انحلال خلقي وتفكك أسري، إذ أصبح كل شيء يهان لدى ضعاف النفوس، الذين يبيعون حتى أقرب الناس إليهم من أجل المادة!.. أباء يتنكرون لأبنائهم بمجرد أن يجدوا أنفسهم مطالبين بالنفقة، وهو ما جعل القضاة يرفضون قضايا إثبات النسب واعتماد قاعدة “الولد للفراش..”.
عشرات قضايا شؤون الأسرة في المحاكم الجزائرية تتعلق باللعان، وهي دعوى مسبقة يقوم بها الزوج قبل الشروع في إجراءات إسقاط النسب على أبنائه أو أحدهم، أي اتهام الزوجة بالزنا، وهذا ما أكده المحامي وأستاذ الحقوق في كلية بن عكنون، إبراهيم بهلولي، الذي أكد أن ملفات إسقاط النسب بدأت تعرف طريقها إلى العدالة الجزائرية من طرف الآباء المطالبين بدفع النفقة عن طريق المحكمة، وفي هذا السياق، أكد بعض الحقوقيين والقضاة الذين تحدثنا معهم حول الموضوع، أن أغلب قضايا إسقاط النسب تُرفض لعدم التأسيس، أي لا يوجد أساس قانوني، ونظرا لتزايد الدعاوى القضائية المتعلقة بإسقاط نسب الأبناء أو أحدهم، أوصت وزارة العدل بتطبيق الشريعة الإسلامية من خلال الحديث الصحيح “الولد للفراش”، وهذا لسد المنافذ أمام من يجهلون عواقب مثل هذه الدعاوى.
بهلولي : أغلب قضايا إنكار النسب “احتيالية”
وأوضح المحامي إبراهيم بهلولي، أن رفض الدعوى المتعلقة بإسقاط النسب وتطبيق “الولد للفراش”، تكون على أساس أن اللعان وهو اللعن وتقديم دلائل ضد الزوجة تفيد بتورطها في الزنا وفي علاقة غير شرعية مع شخص آخر، في الأسبوع الأول من حملها، حيث يتبعه ذلك إسقاط نسب الجنين، وفي حال ازدياد الولد في فراش الزوج الشرعي ومن دون أن يرفع قبل ذلك أي دعوى قضائية ضد شريكة حياته، فإنه ملزم بقبوله كابن شرعي، عملا بالحديث الصحيح للرسول الذي يوصي بأن الولد للفراش.
وقال بهلولي، إن عشرات القضايا المتعلقة بإسقاط نسب الأبناء أو أحدهم يرفعها آباء متهورون، وتقودهم العاطفة والغضب دون وعيهم بما ستخلفه خطوتهم غير المحسوبة، فقد يجدون أنفسهم متهمين بالقذف والادعاء الباطل أو أنهم يخسرون القضية ويخسرون أقاربهم، ويدفعون أحد أبنائهم إلى الانتحار أو فعل شيء كالإقدام على القتل.. من2 إلى 3 من المائة، حسبه، قضايا شؤون الأسرة الجزائرية تتعلق باللعان، و5 من المائة تتعلق بإسقاط النسب وترفض في الغالب، لعدم التأسيس، وهي تأتي تزامنا مع مطالبة المطلقة بالنفقة.
وكشف المحامي بهلولي، عن بعض القضايا المتعلقة بإسقاط النسب، وهي لآباء يتهربون من دفع النفقة، حيث يرى أن هذه الأخيرة أصبحت معضلة مالية في ظل الأوضاع الاجتماعية الراهنة، الخروج منها لا يكون لدى ضعاف النفوس، إلا بقضية موازية يمكن أن تعرقل أو تؤجل الحكم النهائي لدفع النفقة، وهي قضية إسقاط النسب.
منذ سنتين رفع كهل خمسيني دعوى إسقاط نسب ابنه الأصغر، أمام محكمة بئر مراد رايس، وهذا بعد أن طالبته طليقته بالنفقة، ولكن تم رفض دعوته، ما جعل أبناءه يتبرؤون منه، وفي محكمة حسين داي. خسر إطار سابق في أحد المؤسسات العمومية، قضية إسقاط النسب عن ابنه البالغ من العمر 12سنة، وهذا تهربا من الإنفاق عليه بعد طلاق والدته، حيث لم يقدم أي دليل مقنع يجعل المحكمة تجري تحليل الحمض النووي لابنه.
وقال أستاذ الحقوق، إبراهيم بهلولي، إنه تكلف بـ5 قضايا إسقاط النسب، ولكنها رفضت جميعها، حيث أن من رفعوها أمام القضاء، لم يتبرؤوا من هذا النسب إلا بعد أن كبر أولادهم.
إسقاط الحضانة لا يعني إسقاط النسب
من جهتها، أكدت المحامية سعاد مهدية مقراني، معتمدة لدى مجلس قضاء الجزائر، أن بعض قضايا إسقاط النسب عن الأبناء تأتي بعد أن يشك الزوج أو يكتشف خيانته من طرف زوجته، أو بعد ضبطها متلبسة بذلك، موضحة أن ارتفاع عدد الشكاوى من طرف الجزائريين ضد زوجاتهم بتهمة الخيانة الزوجية، أدى إلى اتخاذ إجراءات صارمة حفاظا عن استقرار الأسرة، حيث يتابع الزوج الذي يثبت أنه ادعى كذبا على امرأته، قضائيا وقد يودع السجن.
وقالت إن ثبوت الزنا ضد الزوجة لا يعني بالضرورة إسقاط النسب عن الأبناء، حيث يجب أن يتعلق الأمر بالجنين الذي في بطنها بعد واقعة الخيانة الزوجية في فترة ما بين 6 أشهر إلى 10 أشهر، مضيفة أنها رافعت في قضية امرأة تعمل في ملهى ليلي، لديها طفلة غير شرعية، اتهمها زوجها مرة بالخيانة الزوجية، وبحكم أنه تستر عليها وتزوجها وهي حامل، لم تسقط المحكمة هذا النسب بل أسقطت الحضانة من الأم.
جدل حول الولد للفراش في ظل تقدّم آليات إثبات النسب!
يرى المحامي إبراهيم بهلولي، أن التقدم التكنولوجي ووسائل وأدلة الإثبات بالطرق العلمية، ستجعلنا أمام حالة من الجدل بين تطبيق الشريعة في قضايا إسقاط النسب والقانون الوضعي، موضحا أن في حالة الميراث، يمكن لأحد الإخوة أن يطالب بإسقاط نسب أحد إخوته إذا كان لديه أدلة أو شهود في القضية، كما أن ضمان حقوق الأشخاص يستدعي استعمال كل الوسائل القانونية الخاصة بالإثبات لدى القاضي كالصور والتسجيل الصوتي، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في خدمة المتقاضين. ودعا في السياق، إلى تصحيح قوانين الحالة المدنية، ومراجعة النصوص المتعلقة بالخيانة الزوجية، والزنا.
في هذا السياق، أوضح الشيخ سليم محمدي، مفتش بوزارة الشؤون الدينية، أن الاتهامات العشوائية وغير المسؤولة من طرف الأزواج لنسائهم والمطالبة أمام المحاكم بإسقاط النسب عن أبنائهم أو أحدهم، هو تهديد للمجتمع الجزائري ككل، وفتح باب واسع للفتن بأذية الأبناء ودفعهم إلى الانتحار وبعض الجرائم، وإن حديث الرسول “الولد للفراش وللعاهر الحجر”، صحيح، وثابت، وبالتالي لا يجوز لكل زوج تربى طفل في فراشه الزوجي وكان مسجلا أنه ابنه، أن يسقط عليه النسب إلا في حالة اعتراف الزوجة بأنه ناتج عن خيانة زوجية أو زنا.
من جهته، قال الشيخ جلول حجيمي، الأمين العام لنقابة الأئمة، إن الحديث يتعلق بالمرأة العاهر، وهو حديث يحتاج إلى الكثير من الاجتهاد، خاصة وأنه جاء في سياق حادثة وقعت في حياة الرسول.