-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانتخابات انعكاسٌ لثقافة المجتمع

الانتخابات انعكاسٌ لثقافة المجتمع

كانت الانتخابات وستظل منذ أن توافق العقلاء الطريقَ الأحكم لإسناد المسؤوليات في هدوء وسلامة، وهي الخيار الذي يُجمِع عليه النظام الإنساني الحديث. وقد عرفت بعض الأمم القديمة صورا مختلفة لاختيار المسؤول وإسناد المسؤولية باختيار المجتمع بغضّ النظر عن حجمه ومواصفاته. كما عُرِفت بعض المجتمعات القديمة بالتزكية الشفوية الفردية، أو برفع اليد، أو بالمصافحة أو بصور مشابهة.
ولمّا تطور المجتمع الإنساني إلى كيان سياسي منظم، أخذت الانتخابات أشكالا متعددة تعكس مدى التطور المادي والحضاري للمجتمعات المُمَارسَة فيها. واستقر الرأي لدى الأغلبية الساحقه اليوم على أنّ الشعوب هي مصدر السلطات وصاحبة الحق في الاختيار للأشخاص والبرامج عن طريق الصور التي ترضاها للانتخابات، كما أنّها وحدها صاحبة الحق في الرقابة والمتابعة والعزل.
عرفت الجزائر منذ استعادتها للاستقلال والسيادة الوطنية انتخاباتٍ عديدة وعلى مستويات متباينة، غير أنّها لم تَسلَم من النقد والاحتجاج في كيفية إجرائها ومن ثَمَّ نتائجها.
والنقد بذلك ظاهرة طبيعية في العمليات الانتخابية بهدف محاولات تطويرها والتي ما تزال مستمرة إلى يوم الناس هذا، ولا تعتمد على جهة من دون أخرى، بل هي واجب على كل الأطراف المشاركة في الانتخابات بداية من المواطن، مرورا بالمُنظِّم والمراقب والفاصل في النزاعات والسياسي أيّا كان موقعه، وصانع الرأي أيّا كانت طبيعة عمله.

 إنّ النّاخب وهو يعبّر عن اختياره بوضع ورقته في الصندوق، يُعدُّ في حساب النتائج صوتا واحدا، بغضّ النظر عن صاحبه، عالما كان أم جاهلا. فصوت العالِم الباحث المتخصص حسابيا كصوت الأمّيّ. وعليه، كلما ارتفعت نسبة التعليم والوعي ضمن الوعاء الانتخابي، كانت النتائج أكثر أهمّية وأبلغ تأثيرا. كما أنّ الوعي بأهمية الانتخابات يجعل مشاركة النّاخبين أو مقاطعتهم ذات أثر سياسي فعّال.

أولا: ماذا نعني بالثقافة الانتخابية؟
المجتمع مُنتِجٌ للثقافة في كل حالاته ومراحل تاريخه. فهو ينتج في الانتصارات ثقافة، وفي الانكسارات ثقافة، وفي حالات المعاش اليسير ثقافة، كما ينتج ثقافة في حالات العسر.
وتظهر هذه الثقافة بصور وأشكال وأنماط متباينة في طريقة العيش، والتخاطب، والسلوك والتعامل العامّ.
وضمن هذا المنظور تقع عناية المجتمع بالانتخابات من عدمها. ومعالم الثقافة الاجتماعية العامة كثيرة، منها ما يتعلق بنسبة:
– التعلم والأمّيّة
– تمكّنُ القيم في التعاطي السياسي والاجتماعي.
ومنها ما يتعلق بمفاهيم:
– كمفهوم المسؤولية وموقع المسؤول في المجتمع ومفهوم الخدمة العمومية
-ومفهوم المواطنة
-ومفهوم العمل والكسب واحترام القانون.
ما يتعلق بـ:
1- نسبة التعلُّم والأمّيّة:
إنّ النّاخب وهو يعبّر عن اختياره بوضع ورقته في الصندوق يُعدُّ في حساب النتائج صوتا واحدا بغضّ النظر عن صاحبه، عالما كان أم جاهلا؛ فصوت العالِم الباحث المتخصص حسابيا كصوت الأمّيّ، وعليه كلما ارتفعت نسبة التعليم والوعي ضمن الوعاء الانتخابي، كانت النتائج أكثر أهمّية وأبلغ تأثيرا. كما أنّ الوعي بأهمية الانتخابات يجعل مشاركة النّاخبين أو مقاطعتهم ذات أثر سياسي فعّال.
2- مكانة القيم في التعاطي السياسي والاجتماعي:
كلما كانت المُثُل العليا والقيم تؤطّر السلوك الاجتماعي العامّ، كان المجتمع يتمتع بحصانة ذاتية تدفعه إلى الإبداع والخيارات الأقل خطأ. وكلما ابتعد المجتمع عن هذه القيم وحلت محلها قيم أخرى لا تُعَبِّر عن الضمير الجماعي، ساد في المجتمع سلوكات وتصرفات لا تضمن صيانته بل قد تدفعه إلى التفكك والاهتزاز.
وإذا أصابت هذه الآفة السلوك السياسي أصبح الخيار الانتخابي غير واع وغير مضمون العواقب، وأصبحت ملكية المجتمع الأصيلة للسلطة وإنابته فيها لغيره بالإنتخاب محل جدل وتشكيك، وأصبحت العملية الانتخابية برُمّتها موضوع إعادة نظر وتأهيل وتكوين.
ما يتعلق بالمفاهيم:
1- المسؤول والمسؤولية ومفهوم الخدمة العمومية:
المسؤولية ليست مركزا اجتماعيا يعطي صاحبه أولوية ذاتية، أو مصلحة شخصية، أو رتبة تجعله أكثر مواطنة من غيره، ولكنها تجعل الشخص مسؤولا أمام المواطنين عن قيامه بأداء ما أُسنِد إليه في خدمتهم.
وتصبح بذلك الخدمة العمومية هي المعيار لتقدير المسؤول ووزنه (خادم القوم سيدهم)، ولا يكون سيِّدَهم إلّا لأنّه يخدمهم، فإذا لم يقدّم الخدمة المطلوبة منه قانونا كان مَحطّ مساءلة. وتزداد قيمة المسؤول في المجتمع طردا مع ما يقدمه في خدمة الصّالح العامّ؛ فإذا قَدَّم مساره المهني على القيام بواجب الخدمة العمومية كان غير أمين في منصبه، ولذلك كان من الواجب أن لا يتقيد المسؤول إلّا بالقانون بما يتطلبه من قيم العدل والحياد والمساواة.
2- مفهوم المُواطنة:
المواطنة هي الرّابطة السياسية والقانونية للفرد بدولته، وتتجسد في الجنسية التي يكتسبها، فهي بذلك تُترجَم بجملة من الحقوق والواجبات يتمتع بها ويخضع لها كل الأفراد على حد سواء لا فرق بينهم في الجنس واللون والدين واللغة.
وتعدّ الانتخابات من أهم ممارسات المواطنة الظاهرة من خلال حق الترشح وواجب التصويت، فالفرد وهو يتقدم لمجتمعه مترشحا لخدمتهم، وكذا أفراد المجتمع وهم يُدْلون بأصواتهم قبولا أو رفضا كلاهما يمارس حقوق المواطنة بمفهومها القانوني والسياسي.
كما يشمل مفهوم المواطنة كل الحقوق والحريات العامة، وكذا جميع الواجبات قِبَل المجتمع والدولة والتي غالبا ما تكون محل عناية دستورية وقانونية متميزة.
3- مفهوم العمل والكسب واحترام القانون:
وأعني بالحديث هنا مفهوم العمل السياسي والكسب السياسي واحترام القانون المُنظِّم للنشاط السياسي.
إنّ التحايل في العمل بشكل عامّ يفضي الى الكسب غير المشروع وهو بذلك يُعدُّ مخالفا للقانون. وهذه قاعدة عامة لكل عمل وكل كسب. ولمّا يتعلق الأمر بالنشاط السياسي يصبح هذا العمل وهذا الكسبُ ذَا صبغةٍ خاصة وهامّة لأنّه ذو أثر مُتعدٍّ إلى المجتمع برُمّته، يؤثر في سكينته واستقراره وحقوق الناس فيه الفردية والجماعية ومن ثَمَّ يؤثر في مصيره التنموي والحضاري بشكل عامّ في جميع مناحي نشاطه وحياته، وينتقل بذلك من صفة المكسب غير المشروع إلى خيانة الأمانة، وهي جريمة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالشأن العامّ.

ثانيا: القانون وحده الفيصل بين أطراف العملية الانتخابية
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: من هُم أطراف العملية الانتخابية؟ والإجابة باختصار:
1- المواطن، مرشحا كان أو ناخبا، سواء كان مُهَيكلا أم غير ذلك. ونعني بالمواطن المُهَيكل ذلك الذي يعمل ضمن إطار تنظيمي يعتني بالجانب الاجتماعي العامّ، سياسي كالأحزاب السياسية أو مدني عام كالنقابات والجمعيات والتنظيمات الخيرية والثقافية.
2- الجهات الرسمية ومنها الإدارة، القضاء ومؤسسات صناعة الرأي.
إنّ جميع هذه الأطراف تخضع للقوانين سواء كانت مُنشئة لها أو مُنظِّمة لها أو تشملها أحكام القوانين المختلفة المُنظِّمة للحياة العامة.
ويصبح -والحال كذلك- السهرُ على انسجام كل هذه القوانين لتُسدُّ كل الفراغات التي قد تتسبب في خلل يفلت فيه المخالف من العقاب أو المتابعة.
ثالثا: الثقافة الانتخابية من خلال أطرافها
أ- المواطن:
إنّه قلبُ العملية الانتخابية وأساسها، فهو الذي يترشح، وهو الذي ينتخب، وهو الذي يراقب، وعليه فإنّ معرفته للانتخابات ومفهومها ومآلاتها وكيفيات إجرائها عوامل أساسية في تطور العملية وصدقية وجِدِّية نتائجها.
إنّ معرفة المواطن لحقوقه في أن يكون ناخبا ببلوغه سِنّا معيَّنا وقناعته بأنّ صوته يُقدِّم أو يُؤخِّر وأنّه وبإرادته يُسنِد المسؤولية لمن ينوبه في الدفاع عن مصالحه وحمايتها، تجعله يسعى إلى تسجيل نفسه في القوائم الانتخابية وتدفعه للحصول على بطاقة الناخب وتدفعه إلى الذهاب يوم الانتخاب للإدلاء بصوته، بل أكثر من ذلك يكبر الحماس عنده لمراقبه سير العملية الانتخابية ومعرفة كل القواعد الناظمة لها ليطمئن بعد ذلك للنتائج.
إنّ مُحصِّلة كل ذلك هي التي يمكن أن نسمّيها “الثقافة الانتخابية” لدى الناخب؛ فإذا عَلِم كل ذلك واقتنع به ثم امتنع عن الإدلاء بصوته، كان عزوفه موقفا سياسيا وجب أخذه بعين الاعتبار عند من يهمهم الأمر.
معرفة المواطن بصفته ناخبا بما أسلفناه هي التي تجعله يختار التنظيمات السياسية والاجتماعية التي تُقنِعه، ويعمل من خلالها إلى التمكين لخياراته، وبشكل عامّ يكتسب ثقافة إضافية في العمل السياسي.
ب- الجهات الرّسمية:
1-الإدارة:
لقد أصبح معروفا وعبر العالم أنّ الإدارة هي التي تتولى التنظيم اللوجستي والتنظيمي للعملية الانتخابية في المجتمعات السياسيه المُنَظَّمة عبر العالم. ولمّا كانت الإدارة جزءا من السلطة، فإنّ السؤال لدى المتتبعين يثور دائما حول مدى حيادها، لذلك اتجهت دولٌ كثيرة إلى استحداث هيكل خاص يُشرف على الانتخابات إشرافا كاملا، وكلما كان هذا الهيكلُ مُعَيَّنا، ثار التساؤل حول استقلاليته وحياده.

إنّ معرفة المواطن لحقوقه في أن يكون ناخبا ببلوغه سِنّا معيَّنة وقناعته بأنّ صوته يُقدِّم أو يُؤخِّر وأنّه وبإرادته يُسنِد المسؤولية لمن ينوبه في الدفاع عن مصالحه وحمايتها، تجعله يسعى إلى تسجيل نفسه في القوائم الانتخابية وتدفعه إلى الحصول على بطاقة الناخب، وتدفعه إلى الذهاب يوم الانتخاب للإدلاء بصوته، بل أكثر من ذلك يكبر الحماس عنده لمراقبه سير العملية الانتخابية ومعرفة كل القواعد الناظمة لها ليطمئن بعد ذلك للنتائج.

ويشتد هذا التساؤل تبريرا ونقدا بحسب خبرة كل دولة وتاريخها، والإجابة عن هذه التساؤلات تتراوح بين الإقناع وعدم الإقناع بمدى التزام الجميع بالقوانين والنُّظُم المعمول بها في الدولة.
وإنّ المنازعات التي تقع حول مدى صحة الالتزام بالقانون من عدمها تسند إلى جهات أخرى هي الرقابة سواء كانت سياسية أم قانونية.
وكلما وُضِعَت أدوات الرقابة وبكفاية في أيدي الجهات السياسية والقضائية باستقلالية وفعالية، كان ذلك صمّامَ أمان في التقليل من التجاوزات والتعسف في العملية الانتخابية.
2- القضاء:
إنّ مَهمَّة القضاء مهمة مقدَّسة بمعنى أنّها حافظة العدل وحاميته، ولذلك فهي سلطة وليست وظيفة وسلطة مستقلة لا تخضع إلّا للضمير والقانون. ونظرا لكل ذلك، فهي صمّام أمان الحياد والتقيد بأحكام القانون.
وتصبح مَهمة القضاء أكثر خطورة وأهمية لمّا يتعلق الأمر بالانتخابات، لأنّ الانتخابات تعبير عن الإرادة السّيدة للشعب، والمساس بها وعدم صيانتها يهدد النظام العامّ والسكينة العامة للمجتمع.
ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّ مهمة القضاء في نظري وفي مثل هذه الحالات تتعدى الفصل في النزاعات وآجالها التي قد تكون طويلة في الأمور العادية إلى إعطائها أهمية خاصة في الانتخابات لمحدوديتها في الزمن ولما يترتب على نتائجها من حقوق مكتسبة. وعليه، وجب أن يكون الفصل سريعا ومراعيا للإسقاطات السياسية لها.
إنّ التدقيق في مهمة القضاء الانتخابية ثقافة يجب أن يتكون عليها القاضي ويَعْلمَها بقيّة الأطراف الآخرين في العملية الانتخابية.
3- مؤسسات صناعة الرأي:
صناعة الرأي نشاطٌ اجتماعي يفرزه المجتمع تبعا لمراحل تطوره، وهو لا يقتصر على وسائل الإعلام على اختلافها، ولكنه قد يتعداها إلى آليات أخرى في النسيج الاجتماعي العامّ كالجمعيات، والأحزاب، والقيادات العلمية والثقافية والاجتماعية وكذا دور الثقافة والعبادة.
وإذا ما عملت كل هذه العناصر بشكل متزامن ومستمر وتهيكلت في تأطير المجتمع ومرافقته بالحوار الدائم والهادئ تَشَكَّل في المجتمع ضمير جمعي واع ومتطلع نحو الإبداع والتطور.
وقد برهن التاريخُ البشري أنّ المجتمع الذي لا تؤطّره نخبته المتشبّعة بقيمه مجتمع يميل إلى الترّهل والضعف والتخلف.

تصبح مَهمة القضاء أكثر خطورة وأهمية لمّا يتعلق الأمر بالانتخابات، لأنّ الانتخابات تعبير عن الإرادة السّيدة للشعب، والمساس بها وعدم صيانتها يهدد النظام العامّ والسكينة العامة للمجتمع.
ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّ مهمة القضاء في نظري وفي مثل هذه الحالات تتعدى الفصل في النزاعات وآجالها التي قد تكون طويلة في الأمور العادية إلى إعطائها أهمية خاصة في الانتخابات لمحدوديتها في الزمن، ولما يترتب على نتائجها من حقوق مكتسبة.

إنّ الثقافة الانتخابية في نهاية المطاف هي جزءٌ أصيل من الثقافة السياسية العامة للمجتمع وهما معا إفراز للثقافة الاجتماعية العامة التي تُعبِّر على مدى ما وصل إليه من تنمية حضارية شاملة.
ومُحصِّلة كل ذلك هو ترسيخ مبدأ احترام القانون والالتزام به، والعمل على تغييره في حالة عدم استجابته لمستجدات العصر من دون أن يكون التجديد سببا للخروج عن القانون، ناهيك عن أسباب أخرى أقل إقناعا وأكثر إثارة للعصيان كاحتكار معرفة المصلحة العليا للمجتمع، أو التستر بها من أجل الوصول إلى صناعة القرار في المجتمع دون إرادته ودون حماية حقه في الاختيار الحر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!