-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تدريب 30 ألف إطار لتحقيق "المشروع الحلم"

“الجزائر الرقمية”.. كلمة السر في اجتماعات الرئيس بالوزراء!

أسماء بهلولي
  • 5771
  • 0
“الجزائر الرقمية”.. كلمة السر في اجتماعات الرئيس بالوزراء!

من لم يسمع عن الرقمنة في الجزائر؟ فقد انتشر هذا المصطلح في كل مكان، وعلى مستوى كافة الإدارات والمعاهد والمدارس والجامعات والشوراع وحتى في البيوت، فبات الجزائريون لا يستغنون عن الانترنت والشبكة العنكبوتية و”الويفي” وبطاقات الدفع وتطبيقات النقال ولو لساعة واحدة في الحقبة الأخيرة .

أما بالنسبة للحكومة، فالأمر كان مختلفا، حيث أضحت الرقمنة  تساوي “تحدي العصر” و”الامتحان الصعب”، الذي تحاول من خلاله السلطات في ظرف بضعة أشهر إنجاز مشروع “الجزائر الالكترونية”، لتنتقل بعدها في غضون سنوات إلى تحقيق البرنامج الحلم وهو “الجزائر الرقمية” أو “الجزائر الذكية”.

ولبلوغ هذا الهدف تم تدريب على مستوى مخابر الوزارات أزيد من 30 ألف إطار هندسوا إلى اليوم أكثر من 600 منصة رقمية لتسهيل حياة الجزائريين من وراء الشاشة، وعبر كبسة زر.

ما مفهوم الرقمنة؟

يقصد بالرقمنة اصطلاحا “تحويل المعلومات التناظرية إلى نصوص وصور وأصوات باستخدام الأجهزة الإلكترونية مثل الماسحات الضوئية أو رقائق الكمبيوتر المتخصصة، كما يتم تنظيم المعلومات في وحدات خاصة”.

ومن المتعارف عليه أن الرقمنة تعني “تطبيق تقنيات التحول الرقمي، أي الانتقال بالخدمات التي تقدمها القطاعات الحكومية إلى نموذج عمل مبتكر يعتمد على التقنيات الرقمية”.

وبمفهوم أكثر بساطة، يقول رئيس تجمع الجزائريين الناشطين في مجال الرقمنة بشير تاج الدين، في تصريح لـ”الشروق”: “الرقمنة تعني إلغاء الوثائق في إيداع الملفات، ووقف استخدام الورقة والقلم على مستوى الإدارات، واللجوء بدلها إلى الاعتماد على المعطيات الإلكترونية وإتمام العمليات المختلفة عبر تطبيقات النت”.

ومن جهته يعود الخبير الرقمي وعضو تجمع الجزائريين الناشطين في مجال الرقمنة يزيد أقدال إلى سرد مراحل تطور الرقمنة في الجزائر، مؤكدا في إفادة لـ”الشروق” أن رقمنة الادارات مرت بعدة مراحل، فمشروع الجزائر إلكترونية الذي طرح سنة 2005 ولم ير النور وقتها، عاد ليطرح من جديد سنة 2013، حيث سطرت وزارة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية آنذاك خطة بعدة محاور لتحقيق هدف “إي _ ألجيري” أو الجزائر إلكترونية، إلا أن هذا المشروع بقي حبيس أدراج الحكومة للمرة الثانية على التوالي بسبب ضعف شبكة الانترنت والبيروقراطية وغياب إرادة حقيقية لإنجاح التحدي.

وشهدت بعدها الجزائر عدة مشاريع للرقمنة في مجموعة من القطاعات على مر السنوات، إلا أنها هي الأخرى لم تحقق المطلوب منها، بسبب غياب التنسيق بين الوزارات، ما منع من توفير شبكة أو منصة رقمية وطنية توحي بتوجه عام للحكومة للرقمنة إلى غاية سنة 2019، حيث تم إعادة فتح هذا الملف من جديد من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

632  منصة لرقمنة الإدارات 

ويعد “التحول الرقمي”، الالتزام رقم 25 لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في برنامجه الرئاسي المتضمن 54 نقطة والذي طرحه على مرآى ومسمع الجزائريين عند ترشحه لانتخابات 12 ديسمبر 2019، هذا التعهد الذي تحول منذ ذلك الوقت إلى “كلمة السر” في اجتماعات مجالس الوزراء والحكومة، حيث لا يفوت الرئيس لقاءه بالطاقم التنفيذي، دون مساءلتهم عن مدى تقدم مشاريع الرقمنة، كل على مستوى قطاعه.

رئيس الجمهورية، سبق وأن أكد غداة جلوسه بكرسي قصر المرادية، في أكثر من مرة سعيه إلى بلوغ مصاف “الجزائر الرقمية” وليس فقط “الجزائر إلكترونية”، وتبسيط حياة المواطن وإنهاء زمن البيروقراطية، بمنصات تقضي حاجة طارقها من وراء الشاشة، وحتى دون عناء التنقل إلى الإدارات والشبابيك، فاستحدث وزارة خاصة بالرقمنة والإحصائيات، تتكفل بمتابعة هذه المهام على مستوى قصر الدكتور سعدان وبالتنسيق مع مصالح الوزارة الأولى.

ولم يحذ مخطط عمل الحكومة المصادق عليه شهر سبتمبر 2021 بالبرلمان عن هذا الطرح، حيث أولى الجهاز التنفيذي أهمية بالغة للتعجيل باستكمال مسار تبسيط الإجراءات الإدارية لاسيما تلك التي لها أثر مباشر على تحسين ظروف معيشة الـمواطنين، من خلال رقمنة الخدمات.

وخلال مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 29 جوان 2022، أبلغ وزير الرقمنة والإحصائيات حسين شرحبيل رئيس الجمهورية باستكمال إنجاز 454 منصة رقمية للخدمة العمومية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى 178 خدمة عمومية تجري عملية رقمنتها، من شأنها أن تحدث قفزة غير مسبوقة في مجال الرقمنة في الجزائر.

وبذلك يرتقب أن يصل عدد المنصات الرقمية قريبا 632 منصة، من شأنها تبسيط حياة المواطنين بكبسة زر.

ويرى رئيس التجمع الوطني للناشطين في الرقمنة أن عدد المنصات الرقمية اليوم في الجزائر يفوق 500 منصة، إلى غاية شهر سبتمبر الجاري، في حين أوضح أن رئيس الجمهورية في مشروعه الرئاسي، تحدث عن التحول الرقمي للإدارة الجزائرية والقطاعات الوزارية، وهو أمر يختلف عن المفهوم العام للرقمنة،  بحيث تسعى السلطات الجزائرية إلى تحقيق التحول الرقمي في الإدارات، من خلال تحويل الأمور الملموسة الى اللامادية أي أن الرقمنة ستودي إلى تقلص كل تنقلات المواطن، كما سيتمكن الموظف أن يقوم بكل المعاملات الإدارية من وراء الشاشة، بدون وثائق ورقية، وهو مطلب الرئيس” يضيف المتحدث.

وزارات نجحت في الامتحان

ويميز خبراء الرقمنة بين قطاعات استطاعت أن تحقق قفزة عملاقة في مجال رقمنة الإدارة في الجزائر تحضيرا لما سيطلق عليه مستقبلا ب”الجزائر الرقمية”، وهو مشروع يؤكد بشير تاج الدين أنه سيكون قابلا للتنفيذ سنة 2030، إذا سارت المخططات كما ينبغي، حيث ستسير أمور الدولة كلها وقتها بنقرة في الحاسوب، وأزرار في الهواتف النقالة من الأجيال الجديدة.

وينتقد تاج الدين بالمقابل، وزارات أخرى لا تزال تراوح نفسها في ملف الرقمنة، ولم تقطع حتى الخطوة الأولى رغم التعليمات والتوصيات، ورغم تدريب 30 ألف إطار حسبه، موزعين بمختلف الوزارات حول ملف الرقمنة.

ويشدد محدث “الشروق” : “بالمفهوم العام، يمكن القول أن الجزائر استطاعت أن تقطع عدة أشواط في رقمنة الوزارات والقطاعات الادارية،  وهي نقاط مهمة يمكن أن تكون بمثابة القاعدة التي ننطلق منها مستقبلا، على غرار البطاقة البيومترية التي تحمل كل المعطيات الشخصية للمواطن، والمعدة من قبل مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ف20 مليون جزائري اليوم يتوفر على هذه البطاقة”.

من بين إنجازات “الجزائر الرقمية” _ يقول تاج الدين _ استحداث السلطة الحكومية للتصديق الالكتروني التي تتمثل مهمتها في التصديق على الوثائق الالكترونية، هذه السلطة التي كلفت الدولة أموالا طائلة، يفترض أن تكون ملجأ الوزارات والهيئات الرسمية اليوم للإمضاء والتصديق الإلكترونيين.

ومن ضمن الوزرات التي حققت قفزة هامة في مجال الرقمنة، يتحدث رئيس تجمع الجزائريين الناشطين في مجال الرقمنة عن وزارة العدل، التي تتوفر على منصة للسوابق العدلية لكل الجزائريين، ووزارة الداخلية والجماعات المحلية التي نجحت في الرقمنة عبر مشروع البطاقة وجواز السفر وحتى رخصة السياقة البيومترية، إضافة إلى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، عبر رقمنة قطاع الضمان الاجتماعي بنسبة 99 بالمائة، ويتعلق الأمر بتصريحات العمال وعطلهم وبطاقة الشفاء وغيرها من الملفات الرقمية المتواجدة في منصة خاصة.

أما القطاعات التي تجابه ضعفا في مجال الرقمنة، فيتحدث تاج الدين عن وزارة المالية، رغم الترويج لرقمنة مديرية الضرائب، وأيضا وزارة السياحة التي لم تشهد أي تطور رقمي مقارنة مع ما تعرفه دول العالم من ترويج إلكتروني للسياحة في بلادها.

من جهته يعتقد يزيد أقدال إن بعض القطاعات سجلت تقدما في مجال الرقمنة، على غرار الداخلية والعدل والتعليم العالي والبنوك في مجال الدفع الالكتروني والعمل والشغل والضمان الاجتماعي، إلا أن قطاعات أخرى لا تزال تشهد تأخرا في هذا المجال، على غرار مؤسسات وزارة السكن التي تفتقد لمنصات رقمية لتسجيل وغربلة الطلبات مثل وكالة “عدل” _ الوكالة الوطنية لتطوير السكن وتحسينه ـ.

عراقيل تعترض طريق الرقمنة

ويفترض تقييم نجاح أو فشل الحكومة في مشروع الرقمنة  خلال جلسات عرض بيان السياسة العامة، المنتظر نزوله الأيام المقبلة لمكتب المجلس الشعبي الوطني.

وفي السياق يؤكد عضو لجنة النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية بالمجلس بداوي تميم في تصريح لـ”الشروق”  أن الغرفة السفلى، في الدورة البرلمانية الأولى، وخلال مناقشة برنامج عمل الحكومة، فتحت نقاشا كبيرا بخصوص ملف الرقمنة الذي تضمن أهم التوصيات في برنامج  عمل الحكومة.

وأردف قائلا: “موضوع رقمنة القطاعات تناولناه بإسهاب في لجنة النقل والاتصالات السلكية، حيث أكدنا أن سبب التأخر الرقمي للجزائر هو عجز الوزارات عن مواكبة توصيات الرئيس وغياب التنسيق بينها وعدم استحداث شبكة وطنية أو منصة  شاملة تجمع كافة الوزارات والهيئات الحكومية الرسمية، رغم التقدم المحقق لدى بعض القطاعات على غرار الجمارك والداخلية والعدالة “.

ويقول النائب البرلماني “رغم ذلك نحن متفاءلون، فالعملية تسير في الطريق الصحيح والمشكل يكمن فقط في تأخر التطبيق، وليس غياب التخطيط”.

ويعدد المتحدث العراقيل التي تواجه تعميم الرقمنة داعيا السلطات العليا إلى التدخل فورا لوأدها، وهي غياب الإرادة السياسية لتجسيد المشروع في بعض القطاعات التي  لا تتعامل بجدية مع هذا الملف، والتي لا تزال تخضع للبيروقراطية وكثرة الوثائق على غرار الجماعات المحلية.

وتحدث البرلماني أيضا عن نقص الأجهزة واللوجستيك على مستوى بعض القطاعات يتقدمها السياحة، وعدم اكتمال النصوص التنظيمية لقطاعات التجارة والمالية مثلا، وأيضا ضعف الحماية في قطاعات أخرى تعد المعلومات فيها شديدة الحساسية، على غرار السكن والاستثمار والعمل.

ويدعو المتحدث إلى تسطير برنامج عمل واضح لتعميم الرقمنة في القريب العاجل، ومتابعة التنفيذ لدى مختلف الوزارات، وضرورة المبادرة بإجراءات صارمة ضد المتهاونين للمضي نحو تحقيق مشروع الرئيس، كما يلح النائب على أهمية توفير  الإمكانيات اللوجستكية، والاستعانة بالخبراء والكوادر والإطارات ذات المستوى العالي في هذا المجال، والذين تم استبعادهم من قبل، مشددا على ضرورة الاقتداء بالنماذج الدولية الناجحة التي يمكن تقليدها في الجانب الرقمي، على غرار بعض الدول الأوروبية التي حققت قفزة نوعية في هذا المجال، وعدد من الدول العربية كالأردن وقطر.

حلول

وكحل للمطبات التي تعترض طريق تعميم الرقمنة في الجزائر، يقترح صاحب مؤسسة ناشئة في الرقميات محمد تاكسنة، الاستعانة بالشباب الجزائري من أصحاب المؤسسات الناشئة، في عمليات تعميم التكنولوجيا في الوزارات، ويقول المتحدث في إفادة لـ”الشروق”: “نحن كستارتاب مختصين في مجال الرقميات، لدينا القدرة للمساهمة في تعميم الرقمنة في مؤسسات الدولة والقطاعات الوزارية، خاصة وأن الشباب أصحاب المؤسسات، يمتلكون مؤهلات كبرى وكفاءة عالية للمساهمة في تحقيق برنامج رئيس الجمهورية”.

ويطالب المتحدث بفتح المجال أمامهم من خلال تعديل قانون الصفقات العمومية كي يتم السماح لأصحاب المؤسسات المختصة في هذا المجال بدخول السوق الوطنية، وعدم  احتكارها على المؤسسات ذات الباع الطويل، خاصة وأن هذه الأخيرة تظل غير متحكمة بصفة بالغة في الرقمنة.

ويضيف تاكسنة “للمساهمة في رقمنة القطاعات التقينا عدة مرات بمسؤوولين ووزراء من أجل إبرام عقود والشروع في إنجاز منصات للرقمنة، لكن هذه الأخيرة تأخرت وركزت فقط على الجانب النظري في وقت نحتاج فيه اليوم إلى السرعة في التنفيذ”.

ويردف المتحدث قائلا: “كأصحاب مؤسسات ذات طابع اقتصادي ربحي لا يمكن الانتظار لسنوات دون الشروع في تطبيق هذه المشاريع، فمن أسباب التأخر في رقمنة القطاعات، الاستمرار في التفكير بالذهنيات القديمة، ومواصلة العراقيل الادارية والبيروقراطية، لذلك الدولة مطالبة اليوم بإمهال المتقاعسين في تسهيل الرقمنة فترة محددة لرفع العراقيل، أو الخضوع لعقوبات صارمة”.

وفي النهاية، ورغم كافة العراقيل، تظل الرقمنة كلمة السر الوحيدة لتحقيق التقدم والازدهار ليس في الجزائر فقط، وإنما بكافة دول العالم، فالإدارة الرقمية تخفض بشكل بارز حجم الوقت المستغرق في أداء المهام والخدمات المقدمة للفرد، وتقلصّ النفقات غير القانونية وتحاصر الرشاوى والعمولات وتحارب مختلف أشكال الفساد، كما تقضي بشكل كبير على الروتين والبيروقراطية الإجرائية والعراقيل الإدارية، فهل ستنجح “الجزائر الجديدة” في وضع عربتها الأولى على السكة الرقمية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!