-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفتنة المدخلية.. وثُلث قرن من الكيد والمكر (1)

سلطان بركاني
  • 2318
  • 0
الفتنة المدخلية.. وثُلث قرن من الكيد والمكر (1)

ما كنّا نتوقّع، ولا كان أشدّ المسلمين تشاؤما يتوقّع أن يتشفّى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله، بمقتل مسلم مجاهد حافظ لكتاب الله، على يد كافر يهودي صهيوني محتلّ هو أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا.. والمصيبة الأكبر أنّ هذا المسلم الذي يشمت باستشهاد المسلم على يد الصهيونيّ، يقول إنّه يتّبع السنّة والدّليل ونهج السّلف! فأيّ فتنة هذه التي أصابت بعض شباب الأمّة؟ وأيّ وباء هذا ابتلوا به حتّى نسوا قول الله تعالى ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض))، ونسوا قول النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: “المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ”؟!
أيّ دليل وأيّ سلف هذا الذي يجعل مسلما يرتاح لمقتل أخ مسلم على يد كافر محارب؟ هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ في الأمّة من يعبث بكتاب الله وسنّة رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلّم- ويلوي أعناق النّصوص ويستعملها في غير مظانّها، ويزوّر منهج السّلف ويأخذ منه ما يريد ويترك ما يريد، ليوصل بعض شباب الأمّة إلى هذا الذي وصلوا إليه.. لقد أخبر النبيّ المصطفى –عليه الصلاة والسّلام- أنّ مثل هذا الواقع العجيب سيكون في أمّته في آخر الزّمان، فقال: “يأتي في آخر الزمان قومٌ حُدثاءُ الأسنانِ سُفهاءُ الأحلام، يقولون من خيرِ قولِ البَرِيَّة، يَمْرُقُون من الإسلام كما يَمْرُقُ السهمُ من الرَّمِيَّةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجرَهم” (متفق عليه).
وقد صدق الشاعر حينما قال: وَكَم مِن فَقيهٍ خابِطٍ في ضَلالَةٍ * وَحِجَّتُهُ فيها الكِتابُ المُنَزَّلُ.
لهذا دائما ما نوصي شبابنا المتديّن ومن يحتار أمام الخلاف الحاصل في الأمّة، بألا يغترّوا بمن يقول لهم أنا عندي الدّليل أو أنا أتّبع الدّليل؛ فالدّليل يحتاج إلى فهم وفقه حتى نقف على المراد منه ونعرف كيف ننزّله على الواقع.. وعدم فهم الدّليل هو ما أوصل بعض شبابنا المغرّر بهم إلى أن يتركوا الصهاينة المحتلين والصليبيين المعتدين، ويسلّوا خناجر الطّعن ومباضع التجريح والتشريح ليطعنوا بها صفوة الأمّة من المجاهدين الصادقين والعلماء الربانيين والدعاة المخلصين والأئمّة العاملين.. عدم فهم الدّليل وعدم فهم الواقع وفهم الواجب فيه، هو ما جعل بعض المسلمين يتركون نتنياهو وبايدن وماكرون وستارمر، ويطعنون في إسماعيل هنية وخالد مشعل والسّنوار وأبي عبيدة.. التعصّب من دون فهم وفقه هو ما أوصل بعض شبابنا إلى الوقوع في كبيرة من أعظم الكبائر، هي كبيرة الفرح بقتل المسلم على يد الكافر.
إنّها فتنة عمياء نسمّيها “الفتنة المدخلية”، عمرها ثلث قرن، خطّط من أطلق شرارتها، لتشغل الشّباب المتديّن عن قضايا أمتهم، عن قضية فلسطين خاصّة، بالطّعن في صفوة الأمّة من المجاهدين والعلماء والدعاة.
هذه الفتنة لم تبدأ من قول هؤلاء المفتونين عن إسماعيل هنية: “مستراح منه”، فقد تشفّوا من قبل بموت كثير من أعلام الأمّة، فقالوا عند انطفاء شمعة القرضاوي: “مستراح منه”، بل منهم من قال عن شيخنا أبي عبد السلام الجزائري: “مستراح منه”! ومنهم من قال ذلك عن الشيخ الوقور عفيف اللسان الطاهر آيت علجت، رحمه الله!
الفتنة لم تبدأ باستشهاد إسماعيل هنية، ولم تبدأ بطوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، إنّما بدأت أوائل تسعينات القرن الماضي، وخطط لها لتنطلق من أعزّ بقعة على قلوب المسلمين ولتتزيّا بشعارات تغري الشّباب وتخدعهم: شعارات “الكتاب، السنّة، السلف الصّالح، الفرقة الناجية”.. ثلث قرن وهؤلاء الذين وقعوا ضحية للفتنة المدخلية يوظَّفون من طرف أهل المكر للوصول إلى هذه النتيجة، نتيجة الطّعن في صفوة الأمّة المجاهدين الذين يقارعون الاحتلال الصهيونيّ في فلسطين. الطّعن في كتائب القسّام، في إسماعيل هنية وخالد مشعل والسّنوار وأبي عبيدة.
لقد أتيحت لهذه الطّائفة كل الوسائل، نشرت كتب دعاتها ومنظّريها وروّجت تسجيلاتهم على أوسع نطاق، وغزت الإنترنت وصار صوتها هو الأعلى والأسمع، ووصلت إلى المدن والقرى والمداشر في طول العالم الإسلاميّ وعرضه، ووقع في حبائلها شباب أكثرهم لم يتمّوا دراستهم. جُنّدوا لينشروا الخلاف والشّقاق في ساحات الأمّة وفي بيوت الله وفي المقابر. تجد الواحد منهم لم يتمّ دراسته في المرحلة المتوسّطة ومع ذلك فهو يطعن في علماء الأمّة ودعاتها وفي أئمّة المساجد، ويزن الجماعات ويضلّل ويبدّع، ويتكلّم في الفقه والعقيدة وفي مسائل يتورّع عن الخوض فيها علماء فطاحل. والمصيبة الأعظم أنّه لا يجد أيّ حرج في أن يتحدّث بكلّ جرأة عن المرابطين والمقاومين في أرض فلسطين!
هذا أوّل ما ينبغي لنا أن نعيه؛ أنّ هذه المصيبة التي أدمت قلوبنا، مصيبة الطّعن في مجاهدي الأمّة ومرابطيها، لم تنزل بنا اليوم.. إنّها نتيجة مخطّط ماكر تواطأ عليه أهل المكر والخيلاء في هذا العالم.. أرادوا حماية الصهاينة في أرض فلسطين، وإسقاط كلّ من يحاربهم ويقاومهم، كلّ هذا باسم الدّين. يحمون الصهاينة في أرضنا باسم ديننا، ويسقطون كلّ من يحاربهم في فلسطين باسم الإسلام! فكيف استطاعوا أن يصلوا إلى هذا الهدف؟! الجواب في حلقات قادمة بإذن الله.
يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!