-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفتنة المدخلية.. وثُلث قرن من الكيد والمكر (2)

سلطان بركاني
  • 3097
  • 0
الفتنة المدخلية.. وثُلث قرن من الكيد والمكر (2)

في بداية التسعينات من القرن الماضي، تمّ استدراج العراق لدخول الكويت، فكان ما كان، ووجدت أمريكا وحلفاؤها الذّريعة السّانحة لدخول الخليج ونصب قواعد لها في أرض المسلمين قريبا من اليهود، لحمايتهم (!).
نصب الغرب قواعده العسكرية واحتل أرض المسلمين بطريقة غير مباشرة، وقال لليهود بصوت عال وواضح: “نحن هنا، ولن نبرح أماكننا”! وهكذا دفعت الأمّة فاتورة تهوّر صدّام وغفلة غيره باهظة.
حتّى تبرّر هذه النّكسة باسم الدّين، ألف الشيخ ربيع بن هادي المدخلي شيخ هذه الطائفة كتابا يبرّر فيه الاستعانة بالأمريكان ضدّ العراق المسلم، عنوانه “صدّ عدوان الملحدين، وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين”، ولك أن تلحظ أنّه وصف صدّام ومن معه بـ”الملحدين”، ووصف الأمريكان ومن معه بـ”غير المسلمين” ولم يصفهم بالكفار ولا المشركين..
كان ذلك أواخر سبتمبر من العام 1990م.. هذا الكتاب اعتبر بمثابة “القول الفصل” الذي يعرض نازلة الاستعانة بأنّها مسألة قد حسم فيها الجدل، وصكٍّ أخضرَ للتنكيل بالعلماء الذين خالفوا فيها وحذّروا من المخطّط الأمريكيّ.
في أواخر شهر فيفري من العام 1991م، عادت القوات الأمريكية الباغية إلى قواعدها بعد أن دمّرت العراق المسلم، وهي تخطّط للعودة مرّة أخرى للتخلص من صدّام الذي تجرّأ على قصف تل أبيب بـ39 صاروخا!
خطّط الصهاينة والصليبيون ابتداءً لشيطنة كلّ من يقاوم المحتلّ، فأسّسوا جماعات متطرّفة هنا وهناك، توجّه أسلحتها إلى رقاب المسلمين، وقدّموا لها الدّعم الإعلاميّ حتّى تشوّه الجهاد وتخوّف منه المسلمين، وفي الوقت ذاته دعموا الطّائفة المدخلية لتشغل المسلمين بعضهم ببعض، عن مصيبة وجود الأمريكان في بلاد المسلمين.. حتّى وجدت أمريكا المبررات لاحتلال أفغانستان بعد أحداث الـ11 سبتمبر 2001م، وكانت طائراتها تنطلق من بلاد المسلمين لقتل المسلمين في أفغانستان. وكانت الطائفة المدخلية تعمل عملها لشغل المسلمين عن هذه المصيبة، حيث كانت تُلهي أتباعها بتمحيص عقيدة الأفغان المسلمين الذين اتهمتهم بأنهم صوفية قبورية ديوبندية ماتريدية. وأنست أتباعها بأنّ من يقتل الأفغان هم الأمريكان الصليبيون!
ثمّ كان احتلال العراق في العام 2003م، منطلِقا من بلاد المسلمين.. وعادت الطائفة المدخلية تسعى حثيثا في إلهاء المسلمين بالطعن في العلماء والدعاة والمصلحين، وتنشر كتابات وتسجيلات تجعل “صدام حسين” -رحمه الله- شيطانا رجيما.. حتى كان شهر فيفري من العام 2006م، وفيه صدرت توصيات بعض مراكز الأبحاث الأمريكية بدعم التيار المدخلي، الذي قدّم للأمريكان خدمات ما كان يحلم بها!

هكذا تمّت شيطنة المقاومة
ما سبق إيراده، يتعلّق بتبرير الوجود الأمريكيّ والغربيّ في أراضي المسلمين، لحماية اليهود. أمّا فيما يتعلّق بمخطّط تشويه وشيطنة وإسقاط كلّ من يجاهد اليهود ويقاومهم، فقد كان لهذه الطائفة المدخلية دور من أقذر ما يكون، لتبرير ذلك باسم الدّين، وباسم نُصرة السنّة ومحاربة البدعة والمبتدعة!
ما نراه ونسمعه الآن من طعن في المرابطين والمجاهدين الذين يدافعون عن شرف الأمّة في فلسطين، ليس عملا عفويا أبدا. إنّما هو عمل مقصود ومخطّط له.. شيطنة حركة المقاومة الإسلامية حمـاس في العالم الإسلاميّ، ليست وليدة ليلة 31 جويلية 2024م التي استشهد فيها القائد إسماعيل هنية، ولم تبدأ مع “طـوفـان الأقـصى” في السابع من أكتوبر 2023م، ولا كانت شرارتها تلك الخطبة التي أعلن فيها الداعية المصريّ المدخليّ محمد سعيد رسلان من على المنبر يوم الجمعة الموافقة لـ 7 مارس 2014م أنّ “حمــاس صنيعة يهـود. حمـاس إنما أنشأها اليهود. أنشأها الأمريكيون الصليبيون. حمـاس رافضية لحمة وسدى. هذا لا يمكن أن ينكر. هذه حقائق” (!).
إسقاط كلّ من يجاهد اليهود عامّة، وتشويه حمـاس خاصّة،كان هدفا يخامر من يمدّون اليهود بالحبال، منذ إنشاء الحـركة سنة 1987م، لكن ولأنّ الهدف كان صعبا بالنّظر إلى المكانة التي تتمتّع بها الحركـة بين المسلمين، فقد رأى المخطّطون أنْ يبدؤوا بجماعة الإخـوان المسلمين التي تُنسب إليها حمـاس؛ فإذا تمّت شيطنة الإخـوان، كان من السهل –بعد ذلك- تشويه حمـاس وإسقاطها! (جماعة الإخـوان جماعة دعوية، تصيب وتخطئ، وهي كغيرها من الجمـاعات عرضة للنقد، لكنّ أهل المكر لا يكتفون بالنّقد الهادف، بل يريدون الشيطنة والإسقاط).
وقد أوكل أهل المكر مهمّة إسقاط الإخوان، في شقها الدينيّ، للتيار المدخلي الذي بحث عن أوضح الرموز بصمة في منهج الإخـوان، فوجدوا حسن البنا وسيّد قطــب. أمّا حسن البنا فاتّهموه بأنّه كان صوفيا وخارجـيا (!)، وأمّا سيّد قطـب فجمعوا له تهما كثيرة، بينها تبنّي عقيدة الحلول والطعن في الصّحابة وتكفير المجتمعات الإسلامية، إضافة إلى تهمة الخروج، وصوّروه على أنّه أخـطر شخصية في العالم الإسلاميّ في القرن العشرين (!)، وبالتزامن مع ذلك كانت شيطـنة جماعة الإخوان تجري على قدم وساق، حتى حمّلها المداخلة كلّ بلاوي الأمّة والعالم الإسلاميّ!
وقد كان لجهود المداخلة دور مهمّ في التصنيفات الظّالمة –الرسمية وغير الرسمية- التي طالت جماعة الإخوان المسلمين.. وكان من السهل بعد ذلك سحب التهم التي ألصقت بالإخوان على حمــاس؛ والنتيجة أنّ حركة حماس أمست تتّهم بأنّها خارجـية، موالية للشيعة ومروجة لمشروعهم الطائفي، تهدف إلى زعزعة أمن بعض الدول (!)
التهم التي تلصق بحركة المقاومة الإسلامية حماس، هي من أعجب ما يكون. تُتّهم بمخالفة ولي الأمر في فلسطين! وبأنّها توالي الشّيعة وتخدم المشروع الشيعيّ، وهي التي اضطرّت لقبول الدّعم الإيرانيّ ولم تختر ذلك.
الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- مؤسّس حركة المقاومة الإسلاميّة حماس، حينما نجحت الثورة الإيرانية سنة 1979م، قال لتلامذته والشاب المحيطين به: “يا شباب. هؤلاء شيعة”، حتّى لا يغتروا بها ويظنّوا أنّها تمثّل الإسلام الصحيح.. وعندما سئل سنة 1989م عن حزب الله اللبناني، إن كان ينطبق عليه قول الله تعالى: ((أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون))، أجاب بأنّ الآية لا تنطبق على هذا الحزب الشيعيّ.. وحين وافق الشيخ بعد ذلك على التواصل مع إيران، قال بكلّ وضوح: “نحن والشيعة تقاطع مصالح لا تحالف”، وهكذا هو موقف قادة المقاومة بعد أحمد ياسين وإن اختلفت عباراتهم، يتعاملون مع إيران سياسيا، لكنّهم لا يوافقونها على مذهبها.
حماس لم تخدم المشروع الشيعيّ، ولم تسمح بفتح الحسينيات في غزّة، ولم تسمح بترويج الكتب الشيعية، بل إنّ وزير أوقافها السابق الدكتور صالح الرقب، كان من أكثر دعاة أهل السنّة مواجهة للمذهب الشيعيّ، وألف كتبا في فضح هذا المذهب.. وهذا بخلاف بعض الدول التي تطعن في حماس ولكنّها تسمح بنشاط الشيعة على أراضيها.
المفارقة الغريبة أنّ هؤلاء الذين يطعنون في حماس لأنّها اضطرّت إلى الاستعانة بإيران، هم أنفسهم الذين يبرّرون لبعض دول المسلمين الاستعانة بالأمريكان والقتال تحت رايتهم، ولا ينكرون وجود قواعد أمريكية في بلاد المسلمين، بل ويبررون لبعض المسلمين السعي للتطبيع مع الصهاينة المحتلين!
يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!