-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعويذة معاداة السامية وانكشاف المستور

بقلم: أ. د. حاجي فريد
  • 867
  • 0
تعويذة معاداة السامية وانكشاف المستور

لقد فسّر المفكّر الصهيوني”ليون بنسكر”(1821-1891م) فكرة معاداة الساميّة بأنّها: “… ظاهرة مرَضيّة وعُقدة نفسيّة دائمة أُصيب بها الإنسان الأوروبي المسيحي، وهي ليست ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية كما اعتقد الكثيرون، هي كراهيّة الغريب، وطالما أنّ اليهود أقلّية في كلّ مكان يعيشون فيه، فهم كالأشباح المطارَدين في كلّ مكان، وغُرباء على كلّ الشّعوب التي تكره بطبيعتها كلّ ما هو أجنبيّ عليها”.

أوروبّا مهد “معاداة السامية”
معروف تاريخيّا، أنّ مصطلحي “المشكلة اليهودية” و”العداء للسامية” لا يوجدان في قاموس العلاقات بين اليهود والشعوب الشرقية، ولكنهما سائدان في قاموس العلاقات بين اليهود والشعوب الغربية. وقد شكّل التنافس بين المسيحيّة واليهودية الأسس الأولى لظاهرة معاداة اليهود، وهي مرتبطة بسبب ما يعرف في التاريخ بـ”فرية الدم”، ومفادها أنّ اليهود استخدموا دماء الأطفال المسيحيّين لأغراض طقوسية. لذا، فقد تعرّضوا للعديد من القيود في أوروبا خلال العصور الوسطى (500-1500م)، وذلك منذ إعلان المسيحيّة معتقدا رسميّا للإمبراطوريّة الرومانيّة في القرن 4م، ولجأت الكنيسة إلى تقييد أنشطة اليهود تدريجيّا. وبحلول القرن 6م، لم يعد يُسمح لهم بتوظيف العمال المسيحيّين لديهم.
وقد تجنّب اليهود الدخول في جدل ونقاشات دينيّة مع المسيحيّين خلال القرن 13م، وأثناءه شهدت فرنسا حرق العديد من كتب اليهود “المقدّسة” في أماكن عامّة. من جهة أخرى، تعرّضوا لعمليّات تهجير في دول أوروبّية عديدة، منها بريطانيا العام 1291، وفرنسا العام 1394، وإسبانيا العام 1492. وفي أواخر القرون الوسطى بدأ المسيحيّون بالنظر إلى اليهود على أنّهم “خونة” لعيسى عليه السلام، وغير جديرين بالثقة.
وعليه، فإنّ كراهيّة اليهود قديمة جدّا، أساسها كره الكنيسة لهم؛ إذ تشكِّل اليهوديّة خصما لها، وأدّت خيبة أملها في تحوُّل جميع اليهود إليها، والتخلّي عن دينهم، إلى كراهيّة أبديّة. ويكفي الإشارة إلى ذلك ما قاله مثلا “ماتن لوثر” (1483-1546م) بشأن اليهود في كتاب له: “… منذ أن علمت أنّ هؤلاء الناس الأشرار الملعونين لا يتوقّفون عن الدعاية لأنفسهم ومحاولة كسبنا نحن المسيحيّين أيضا؛ فإنّني نتيجة لذلك سمحت لنفسي بنشر هذا الكُتيّب للإعلام بأنّني سأكون من الآن فصاعدا بين أولئك الذين يقاومون مثل هذه النشاطات السامّة لليهود، ولكي أنبِّه المسيحيّين إلى أن يكونوا على حذرٍ منهم” (مارتن لوثر، اليهود وأكاذيبهم، ترجمة: محمود النيجيري، ط1، مكتبة النافذة، مصر، 2007: 51).
وفي موضع آخر أضاف قائلا: “… لا نعلم السّبب في حلول اليهود بيننا، وأيّ شيطان جلبهم إلينا. نحن لم نأت بهم من بيت المقدس… فالطرق السريعة مفتوحة لهم إلى أيّ مكان يريدون أن يرحلوا إليه، ويمكنهم الانتقال إلى بلدهم في أيّ وقت يشاؤون، وإذا اختاروا الرّحيل عنّا، فنحن مستعدّون أن نقدّم إليهم يد المعونة، حتى نتخلّص منهم؛ فهم عبء ثقيل علينا في وطننا، بل هم أشبه بالوباء والطّاعون، وما رأينا منهم إلاّ النكبات” (نفسه: 113). لكن ما يؤاخَذ على الكاتب، هو قوله: “… إنّ بيت المقدس بيتٌ لليهود وموطنهم… وتهجيرهم إليه” (نفسه:16).
من ثمّ، فتح “لوثر” ثغرة في زمانه بدأت تتّسع وتكبر من بعده؛ ذلك أنّ فكرة تهجير اليهود إلى القدس التقطتها الحركة الصهيونيّة فيما بعد، وتزامن ذلك مع ارتكاب مذابح ضدّهم في بولندا وروسيا مركزي الشّتات اليهودي، خاصّة في عهدي ألكسندر الثالث (1881-1894) ونيكولا الثاني (1894-1917)، الأمر الذي دفع العديد من يهود أوروبّا الشرقية إلى الهجرة إلى أمريكا، وباتت “الصهيونية” لدى البعض منهم أملهم البديل.
في هذه الأجواء من الكراهيّة لليهود، ظهر مصطلح “معاداة السامية” وذلك في العام 1879م، وهو من ابتكار الصحفي الألماني “فيلهلم مار” (1819-1904م). وقد كتب مقالا العام 1862م تحت عنوان “الطريق إلى انتصار الجرمانية على اليهودية”، وقد ركّز مفهومه لـ”معاداة السامية” على الخصائص العنصريّة لليهود، وليس الخصائص الدينية. كذلك، أدخلت منظّمته، “رابطة معاداة السامية”، كلمة “معاداة السامية” إلى المعجم السياسي، وأسّست أوّل حركة سياسيّة شعبيّة تستند بالكامل إلى المعتقدات المعادية لليهود.
من جهة أخرى، نشر “فيلهلم مار” كتابا بعنوان “انتصار اليهودية على ألمانيا” العام 1879م، حذّر فيه من أنّ الرّوح اليهوديّة والوعي اليهودي تغلّبا على العالم، ورأى أنّ اليهود كانوا منخرطين في مؤامرة عالميّة استمرّت 1800 سنة ضدّ غير اليهود، ودعا إلى المقاومة ضدّ هذه القوّة الأجنبية قبل فوات الأوان، كما استخدم “مار” وآخرون كلمة “معاداة السامية” في الحملات السياسية المعادية لليهود والتي انتشرت على نطاق واسع في أوروبّا في مطلع القرن 20م. وفي نهاية المطاف، أصبحت هذه التّعويذة طريقة للتحدّث عن جميع أشكال العداء تجاه اليهود عبر التاريخ.

“معاداة الساميّة” إلى “الفيلوساميّة”
لقد تدرّج الغرب في معاداة اليهود، فكانت البداية من منطلق دينيّ، ثمّ على أساس العرق في العصر الحديث، وصولا إلى ما يسمّى “معاداة السامية الجديدة”، التي تركّز على “إسرائيل”. هذا الغرب العدوّ اللّدود لليهود كما أسلفنا، تحوّل بعد الحرب العالميّة الثانية إلى منافح عنهم، تحت مسمّى”الفيلوسامية” و”يهود فيل” والذي يعني الاهتمام بالشعب اليهودي واحترامه وتقديره وأهمّيته التاريخيّة، وبات هذا المصطلح منتشرا بين أتباع التيارات المسيحيّة الصهيونيّة. هذا الغرب، لا يعترف بالفصل بين اليهوديّة والصهيونيّة، فمن منظوره، أنّ مَنْ يعادي هذه الأخيرة، هو بالضرورة يعادي اليهود والساميّة، مع العلم، أنّ الصهيونية إيديولوجيا ذات طابع استعماري وعنصري.

تصدير التّعويذة إلى الشّرق الأوسط
بناء على وعد “بلفور” العام 1917م، مكّن الغرب الحركة الصهيونية من إقامة دولة/ كيان على أرض فلسطين العام 1948م، ووقف إلى جانب هذا اللّقيط، وهو عبارة عن تجمّع بشريّ ينتمي إلى نحو 60 دولة، ولا يحمل صبغة المجتمع لأنّه لا يملك ثقافة. ولم يأت هذا التّمكين من قبل الغرب بغرض التكفير عن إذلال اليهود واضطهادهم من قِبَل أسلافه لقرون، كونه لا يؤمن بأخلاق عبر تاريخه وإلى اليوم، فقط، وجد في مشكلتهم مدخلا للتخلّص منهم كما أمِل ذلك “مارتن لوثر” من جهة، وليقوم هذا الكيان بوظيفتين في قلب العالم العربي؛ الهيمنة لأغراض جيوسياسيّة، ورعاية المصالح الاقتصاديّة من جهة، ومواجهة ما يسمّيه الغرب منذ قرون في أدبيّاته “البرابرة والمتوحّشين” خصوم الحضارة الغربيّة.
إنّ هذه المظلوميّة التي تعرّض لها الشّعب الفلسطيني، لم تكن سوى استنساخ لتجربة أمريكا مع الهنود الحمر الذين جرى محوهم قبل نحو 300 عام، وجرى الغزو والإحلال تحت مسمّى “الاكتشافات” وعبر اختلاق أساطير تقلّل من التراث الحضاري للهنود الحمر ووجودهم الإنساني وتصويرهم على أنّهم قَتَلَة، ومتوحّشون، وذلك، ما تمّ إسقاطه، على الشّعب الفلسطيني.

في هذه الأجواء من الكراهيّة لليهود، ظهر مصطلح “معاداة السامية” وذلك في العام 1879م، وهو من ابتكار الصحفي الألماني “فيلهلم مار” (1819-1904م). وقد كتب مقالا العام 1862م تحت عنوان “الطريق إلى انتصار الجرمانية على اليهودية”، وقد ركّز مفهومه لـ”معاداة السامية” على الخصائص العنصريّة لليهود، وليس الخصائص الدينية. كذلك، أدخلت منظّمته، “رابطة معاداة السامية”، كلمة “معاداة السامية” إلى المعجم السياسي، وأسّست أوّل حركة سياسيّة شعبيّة تستند بالكامل إلى المعتقدات المعادية لليهود.

ومنذ غرس الكيان، يرفض الغرب كلّ نقد لممارساته وجرائمه. يقول “أبراهام ملتسر”: “… إنّ هذا النّقد، يريده الكيان، كي يقول إنّ العالم كلّه ضدّنا، وأنّ كلّ تمرّد علينا يعني معاداةً للسّامية، ولا نسمح لأيّ كان أن يُملي علينا أيّ شيء”. (http://ar.theasian.asia/archives/42093). ذلك ما دأب على ترديده القادة الصهاينة، ومنهم المجرم “نتنياهو” في كلّ تدخّلاته. وببساطة، فإنّ نقد الكيان، يعني “معاداة السامية” وغدت تُهمة جاهزة لأيّ عتاب تجاهه، ومن منظور الكيان -المتطرّفون خاصّة- أنّه “دولة” متعدّدة الحضارات وعليها انتهاج سياسة التّمييز العنصري باعتبارها السّبيل للبقاء على قيد الحياة، وهو بذلك يستنسخ نهج الأوروبّيين ضدّ اليهود في أزمنة سابقة، وأمريكا حاميّته، ضدّ الهنود الحمر.
ولا شكّ، أنّ الغرب، يعي –لكنّه يتجاوز- أنّ الفلسطينيّين، يدافعون عن أرضهم وحقّ مشروع، ولا علاقة لهم بـ”معاداة الساميّة”، أو الإرهاب؛ فمن طبيعة الأشياء أنّ الشّعب الخاضع تحت الاحتلال يبدأ في كُرْهِ مُضطهديه، عاجلا أو آجلا، لكنّ المحتلّ يعتبره “معاداةً للسامية”. ذلك ما تتصدّره عناوين الصّحف ونشرات الأخبار في العالم الغربي، لتعزيز الصّورة الذهنيّة لدى المتلقّي الغربي بأنّ المقاومة الفلسطينية هي امتدادٌ لجرائم “الهولوكوست”. أَلَم يكن أحرى بالصهاينة، أن يقارنوا بين مكانهم في التاريخ الأوروبّي الوسيط، ومكانتهم في الدول الإسلامية في الفترة نفسها؟

الفلسطينيّ يرفض الاحتلال
اقترف الغرب ظلما جديدا، وهذه المرّة ضدّ “السّامي” الفلسطيني، ظُلْمًا يسكت عنه بوعي ومعرفة. وقد حوّل تعويذة “معاداة السامية” إلى تُهمَة وسلاح، يُذبَح باسمها الفلسطينيّون على مرأى ومسمع العالم أجمع، ورأينا أحفاد جلّادي اليهود بالأمس، يتوافدون على الكيان، يناصرونه سياسيّا ويدعمونه عسكريّا، ويزكّون حرب الإبادة تجاه الشّعب الفلسطيني، تحت لازمة “حقّ” الكيان في “الدّفاع عن النفس”، فمن هو أولى بهذا، الغازي أم المَغْزُوّ؟
إنّ الفلسطينيّ، لا يهتمّ باليهودي ولا يكرهه، وإنّما يقاوم من أجل:
1. تحرير الأرض المغتصَبة منذ 76 عاما؛ أرضٌ مستباحةٌ، وشعب تحوّل إلى سجين، لا يريد منه السجّان إلاّ أن يكون عبدا أو خادما، وإلاّ القتل، وفي أحسن الأحوال التهجير، وألقى بكلّ حمولته عبر تفاصيل حياته. وبالتالي، ماذا عسى الفلسطيني أن يفعل، أمام محتلّ ينتشي بخمر الدّم الأحمر، وينسى مثلما قال “تيد هونديريتش”: “… إنّ التاريخ دليلٌ على أنّ الشّعوب تطالب بحريّتها، أي أن يعيشوا حياتهم في مكان يتمتّعون فيه بتواصلهم مع تاريخهم وثقافتهم. إنّها الحرية التي طالما ناضلت الشّعوب المضطهَدة من أجلها. الأعداء يحرمون الفلسطينيّين من حقّهم الأخلاقي، الذي يؤمّنه هؤلاء الأعداء ويدافعون عنه لأنفسهم” ( http://alkalimah.net/Articles/Read/22047 ).

لا شكّ، أنّ الغرب، يعي –لكنّه يتجاوز- أنّ الفلسطينيّين، يدافعون عن أرضهم وحقّ مشروع، ولا علاقة لهم بـ”معاداة الساميّة”، أو الإرهاب؛ فمن طبيعة الأشياء أنّ الشّعب الخاضع تحت الاحتلال يبدأ في كُرْهِ مُضطهديه، عاجلا أو آجلا، لكنّ المحتلّ يعتبره “معاداةً للسامية”. ذلك ما تتصدّره عناوين الصّحف ونشرات الأخبار في العالم الغربي، لتعزيز الصّورة الذهنيّة لدى المتلقّي الغربي بأنّ المقاومة الفلسطينية هي امتدادٌ لجرائم “الهولوكوست”.

2. الدفاع عن الهوية، وهي أحد المجالات المصاحبة للاحتلال؛ إذ أنّ الهويّة مرتبطة عضويّا بالمكان، ولا هويّة تاريخيّة لأيّ شعب بلا مكان محدّد. لذا، فإنّ المقاومة، أدركت الواقع، وتعمل على تغييره لا للتّساوق معه، والاستسلام له، ترفض الاحتلال وتوابعه، وتُصـرّ على إثبات الوجود ومواجهة كافّة أشكال الاجتثاث والتّغييب المتمثّل في التدمير المادّي الممنهج للمدن، والقرى الفلسطينية، وتهويد المقدّسات الإسلامية، حرصا من الكيان على طمس تلك المعالم حتى يرسّخ مقولته الكاذبة، أنّ “فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”. وفي الجانب الثقافي، فهو يتدخّل في إعداد المناهج التعليمية، لِدَفع النشء إلى العدميّة، أي من دون قوميّة، ومن دون ذاكرة. وبالمناسبة، هي سياسة تعرّضت لها الجزائر في ظلّ المحتلّ الفرنسي المجرم.

انكشاف المستور
إنّ حرب الإبادة الجاريّة في غزّة، منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى ىاليوم، لم يشهدها الشّعب الفلسطيني لا قبل إعلان دُويلة الكيان، ولا في فترة الكفاح المسلّح الذي خاضته “حركة فتح” بين ستّينيات وأواخر ثمانينات القرن الماضي. وقد كان همّ الغرب يومها قبول العرب بالكيان الصهيوني. وقد اعتقد الغرب، أنّ صوت البندقيّة أُسْكِت إلى الأبد بعد أوسلو، وما تلاه من عملية تطبيع. فأنّى له القبول بظهور المقاومة من جديد، والأدهى جاءت من حركة تحرّر ذات توجّه إسلامي. هنا، كشّر الغرب عن أنيابه، وصدح بما كان يُبطنه من حقد دفين تجاه المرجعيّة الإسلامية. والمؤلم، هناك أنّ مُسايرةً للغرب من بعض دول المنطقة في ذلك، وإن اختلفا في الغاية. في هذا الصّدد تكفي الإشارة إلى ما قاله الجنرال الأمريكي “مايكل فلين”:”… قضينا 40 عاما ونحن نشوّه الأيديولوجية الشيوعيّة… نحن نواجه فكرا آخر تماما، فكر الإسلام، وهو سرطانٌ خبيث داخل جسد 1.7 مليار شخص على وجه هذا الكوكب، ويجب استئصاله، يجب أن نُعرّفه جيّدا، ويجب أن نطارده… علينا أن نخلق تحالف القرن الـ21، ومبدئيّا يجب أن نضع العبء على ظهر العالم العربي… من خلال خلق “نيتو عربي” (طبعا من دول المنطقة) ومن أجل الوصول إلى ذلك سوف يحتاجون للقيادة الأمريكية… “.
من جهته، صرّح رئيس وزراء بريطانيا الجديد “كير ستارمر” قائلا: “… إن مشكلتنا الحقيقة تكمن في الإسلام ذاته ومع محمد نبّي الإسلام نفسه لأنه دينٌ حضاري يمتلك الإجابات التفصيلية لكل الأسئلة الوجودية والحضارية وهو منافسٌ عنيد للحضارة الغربية التي بدأت تفقد تألّقها، بينما الإسلام ومحمد يزدادا تألّقا حتى داخل مجتمعاتنا الأوروبّية التي أتاحت لها القيم الليبرالية حرية التفكير، وأضعفت سلطة الكنيسة، وهذا التفكير الحرّ المجرّد قاد الكثير من النخب والشباب إلى اعتناق الإسلام، لأنّهم وجدوا فيه كلّ الإجابات عن احتياجاتهم النفسيّة والروحية والوجودية والاجتماعية التي أغرقتهم فيها حضارتنا المتناقضة… نحن مشكلتنا الحقيقيّة مع الإسلام نفسه، وستظلّ كذلك، لأنّه ليس لنا إلاّ خيار مواجهة التدفّق الإسلامي والفكر الإسلامي بشتّى الطرق… ليس لنا خيار سوى مقاومة الإسلام ولو أدّى ذلك إلى تخلّي بلداننا ومؤسّساتنا عن القيم الليبراليّة… يجب الاستمرار في دعم “إسرائيل” مهما كانت إجراءاتُها قاسيّة، حتّى لا تسمح بإقامة نواة لنظام إسلامي في غزّة يشجّع الشّعوب الإسلاميّة على احتذاء التجربة…”. وبالتالي، فإنّ قٌرّة عين الغرب هي دحر الإسلام.
أخيرا، أنّى لنا أن نغتاظ ونصبّ جام غضبنا على الغرب والكيان، وعدائهما للعرب والمسلمين، ليس بالجديد، في وقت نشاهد ونسمع بعض بني جلدتنا يوسمون المقاومة بـ”الإرهاب” كحال ممثلة دولة “عربيّة” على منبر الأمم المتحدة، أو أحد الشيوخ الذي دعا الفلسطينيّين إلى الهجرة كما فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. يا لها من مقارنة! أو ذاك الشيخ الذي يشمت في استشهاد إسماعيل هنيّة بقوله: “… إنك وضعتَ يدك في يد أعداء الإسلام والمسلمين (إشارة إلى إيران)، ارتحنا منك ومن شرّك وارتاحت أرض غزّة منك ومن شروركم، حركة حماس المجرمة، الدّور إن شاء الله قادمٌ على البقيّة ونرتاح منهم ولا نتعاطف معهم”! رحم الله الشهيد أبو العبد وأسكنه فسيح جنانه، أمّا هؤلاء فإلى مزبلة التاريخ، حين أصبح الدّعاء للمسلم بأن تقتله “الشقيقة إسرائيل”!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!