جوع غزة يفضح أمة المليار…

عدم اتخاذ موقف عربي أو إسلامي صريح من تحرير فلسطين وفهمناه، القبول بأجزاء من الحل بدل الحل العادل والمشروع وفهمناه، الوقوف ضد المقاومة واعتبارها حركة إرهابية وفهمناه، اعتبار “حماس” حركة إخوانية ينبغي القضاء عليها ولو بالتحالف مع الصهاينة وفهمناه، التودّد للأمريكيين لأجل طلب الحماية والمساعدة وبرّرناه، الطلب من المقاومة تسليم السلاح وسمعناه… أما القبول بأن يموت كل سكان غزة جوعا، فذلك ما لا يمكن تفسيره بأي مبرر كان.. حتى أقرب أصدقاء الكيان في الكونغرس الأمريكي وانتفضوا لذلك، حتى الغربيين المؤيدين للكيان في كل سياساته في أوروبا وبقية العالم ثاروا ضد ذلك! سياسيون وعسكريون، مثقفون ومواطنون في مختلف بقاع العالم أعلنوا صراحة عن موقفهم من الذي يحدث اليوم في غزة وقاموا بما ينبغي أن يقوموا به تجاه حكوماتهم ووزرائهم ووسائل إعلامهم، انتفضوا وغضبوا وقالوا وكتبوا وفعلوا…
كل العالم اليوم مجمع على أن الكيان الصهيوني يقوم بإبادة جماعية مزدوجة عن طريق القوة العسكرية من جهة، وعن طريق التجويع الممنهج والمدروس والمتعمّد من جهة ثانية، ولا موقف للإخوة والجيران والأقرب، فالأقرب من هذه الجريمة البشعة التي تحدث على مرأى منّا جميعا. لا أم الدنيا تحركت، ولا أبوها، ولا خادم حرميها ولا راعي قدسها ولا وارث آخر خلافة فيها، لا غنيّها ولا فقيرها، هم وحدهم اليمنيون الأبطال الذين مازالوا على العهد، قبل أن نقرأ عن النخوة والرجولة والعروبة والانتماء لأمة الإسلام، السلام.. ينبغي ألا نستثني أحدا من الذي يحصل اليوم، الأمة التي لا تستطيع تزويد عطشى فلسطين بالماء ولا أقول بالغذاء والدواء، هي في الواقع أمة ميتة لا حياة فيها، ولا يمكنها أن تكون خير أمة أخرجت للناس، ومن حق الأمم والشعوب الأخرى احتقارها ورفض الانتماء لها، وتصنيفها ضمن أرذل الأمم.. مهما قالت عن نفسها أنها في طريق التقدّم أو أنها تبحث عن مكانة لها بين الأمم أو أنها تريد أن تصبح جزءا من العالم المتقدم تكنولوجيا وعلميا، وتتفاخر ببعض مظاهر هذا التقدّم الذي استوردته وصدّقت أنها صانعته… لم يعد بعد اليوم من مبرّر مقبول، ولا حجة مستساغة ولا رأي يمكن أن يسمع له ونحن نرى ما نرى أمام أعيننا. كل الذي نعيشه اليوم هو مجرد أوهام، وكل الذي نعتقد أنه خطوات في طريق التقدّم والتحرر هو تأكيد لحجم التبعية والخضوع والخنوع للآخرين…
ماذا لو جاع شعب في أوروبا مثل ما جاع الشعب الفلسطيني لأي سبب من الأسباب، ألن ينسى كل الغرب خلافاته ويجنّد العالم لإغاثته؟ بل ولما تردّد أتباع الغرب عندنا من أن يكونوا أول المتبرعين بالهبات السخية والمال للمشاركة في ذلك الفعل الإنساني؟ ما لهم اليوم لا يفعلون ذلك مع فلسطين؟ ما لهم صامتون خائفون متردّدون ينتظرون لعل الأمريكي يضغط أو الإنجليزي يساند أو الإسباني يتخذ موقفا أو الصيني أو الروسي يأتيان من بعيد.. لقد بيّن موقفنا من جوع غزة بالفعل إلى أين نحن سائرون؟ وكم هو وزننا في هذا العالم الذي بات يزداد قوة على حسابنا، وما الذي ينبغي أن نقوم به لكي ندرك أن الفعل ليس كالقول وأن الادّعاء بنصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الحق لا يكفي إذا لم يتحول إلى أفعال في الميدان نتحمّل مسؤوليتها وتبعاتها. ليس لدينا أدنى شك أن أطفال غزة الذي يموتون جوعا وعطشا اليوم، إنما يقولون لأترابهم الذين سيلحقون بهم: أفضل لكم أن تموتوا مثلنا، أن تموتوا جوعا وعطشا، على أن تعيشوا خنوعا لمن كاد يصبح ربّهم الجديد، يطعمهم متى شاء ويرفع عنهم الرزق والأمن متى شاء حتى كادوا يكونوا له عابدين…