-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حوار مع المؤرّخ الفرنسي دومينيك فيدال : كيف تنظر فرنسا إلى فلسطين منذ النكبة إلى طوفان الأقصى ؟

حاوره ماجيد صرّاح
  • 639
  • 0
حوار مع المؤرّخ الفرنسي دومينيك فيدال : كيف تنظر فرنسا إلى فلسطين منذ النكبة إلى طوفان الأقصى ؟
حقوق محفوظة
الصحفي والمؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال.

قبل السابع من أكتوبر بشهور، كان دومينيك فيدال يكرّر أن مواصلة حكومة نتنياهو اعتداءاتها على الفلسطينيين سيتسبب لا محالة في “إنتفاضة ثالثة” من “نوع مختلف”. فإضافة للأعمال العدائية لنتانياهو ووزراءه المتطرفين، كان يرى أن الشباب الفلسطيني أصبح يميل لخيار المقاومة المسلحة بعد فشل الحلول السياسية، وصمت المجتمع الدولي الذي بقي متفرجا تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات من طرف الإحتلال. 

صحفي ومؤرخ فرنسي مختص بالعلاقات الدولية، بالأخص الشرق الأوسط، وقد كانت له عشرات الكتب حول القضية الفلسطينية، في أجوبته على أسئلة “الشروق أونلاين” يشرح لنا دومينيك فيدال كيف تنظر وتتعامل فرنسا مع ما يحدث في غزة منذ الـ7 أكتوبر، كما يشرح تطور الموقف الفرنسي من هذه القضية. 

الشروق أونلاين : ما هو تقييمك للنقاش العام الدائر في فرنسا حول ما يحدث في غزة منذ السابع أكتوبر، لدى كل من الرأي العام والإعلام والمواقف السياسية؟

دومينيك فيدال : كل هذا يتوقف على ما تتحدث عنه.

فالطبقة السياسية منقسمة، فاليمين واليمين المتطرف أصبحا أكثر تأييداً لإسرائيل من أي وقت مضى، في حين أن اليسار ــ من فرنسا الأبية إلى حزب الخضر والحزب الشيوعي ــ يدين حرب بنيامين نتنياهو ويدافع عن حقوق الفلسطينيين. وحتى أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، يفعل نفس الشيء… لأول مرة.

ومن جانب وسائل الإعلام، فالبانوراما متنوعة أيضًا. تضاعف القنوات الإخبارية بشكل متواصل التلاعبات والخطابات العنصرية لتبرير المذبحة في غزة، وهي ما تتجاهله القنوات العامة والخاصة الكبرى أو تقلل من شأنها. لكن قنوات مثل “فرانس تي في أنفو” و”فرانس 24″ و”راديو فرنسا الدولي” تسعى جاهدة إلى تنظيم مناظرات متوازنة.

كما أذهلتني مهنية ــ بل وأود أن أقول شجاعة ــ صحيفتي “لوموند” و”ليبراسيون”. كما تقوم “لومانيتي” أيضًا بعمل إعلام وتحليل رائع. دون أن ننسى موقع “ميديا بارت“، الموقع الإخباري الذي جعل من التحقيق محور اهتماماته.

كيف تطور موقف فرنسا من القضية الفلسطينية مع مرور الوقت؟

التطور واضح. بعد عشر سنوات من تحالف الجمهورية الرابعة مع إسرائيل، التي سمحت لها حتى بالحصول على السلاح النووي، شكّل وصول الجنرال ديغول إلى السلطة نقطة تحول أولى، تم تأكيدها في عام 1967 حيث فرض رئيس الجمهورية عقوبات على تل أبيب بسبب شنها لحرب وقائية، وأقر حظرًا على مبيعات الأسلحة وأعاد التوازن لسياسة فرنسا في الشرق الأوسط.

وواصل خلفاؤه الأوائل، من جورج بومبيدو إلى فرانسوا ميتران مرورا بفاليري جيسكار ديستان، هذا التوجه، كل على طريقته. جاك شيراك أيضاً، ولكن حتى عام 2005 فقط، فحينها بدأ بالعودة إلى الاصطفاف مع واشنطن وتل أبيب. وسوف يعمل نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند على تشديد هذا التطور ــ الأول قام بإعادة دمج فرنسا في القيادة العسكرية الموحدة لحلف شمال الأطلسي؛ والثاني رفع كأسه مع نتنياهو مؤكدا أنه “سيكون لديه دائما أغنية حب لإسرائيل وقادتها“.

ماذا نقول عن إيمانويل ماكرون؟ تشير انعراجاته منذ السابع من أكتوبر إلى التخلي نهائياً عن “السياسة العربية” الديغولية التي نجحت، بعد نهاية الحرب في الجزائر، في استعادة فرنسا لنفوذها في الشرقين الأدنى والأوسط.

ما هي أبرز التحديات التي يواجهها الصحفيون والباحثون، منذ الـ7 أكتوبر في فرنسا، عندما يحاولون تقديم تحليل موضوعي للوضع في غزة وفي فلسطين بشكل عام؟

هنا أيضاً، كل شيء يتوقف على وسائل الإعلام. فلدى تلك التي تنقل الدعاية الإسرائيلية، فإن عمل الصحفيين النزهاء يصبح صعباً للغاية. وفي حالات أخرى، فإن العقبة الرئيسية أمام عمل الصحفيين والباحثين الأكثر “موضوعية” هي الرقابة الذاتية أكثر مما هو رقابة مفروضة عليهم. فالخوف من إثارة ردود فعل قوية بين القراء أو المستمعينأو المشاهدين، وبالتالي، من إدارة التحرير يثقل كاهلهم. ومن الواضح أن الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الملتزمة هم الأكثر حرية في ضمان تغطية نزيهة للأحداث.

ما هي عواقب مثل هذه الوضعية على فهم الفرنسيين للصراع؟

تسمح استطلاعات الرأي ـ إلى حد ما ـ بتقييم مشاعر الفرنسيين. اللافت للنظر، في الاستطلاع الذي نُشر بعد شهرين من هجوم حماس، هو تراجع التعاطف مع إسرائيل إلى 28%، أو -10 نقاط مقارنة بالاستطلاع الذي أجري نهاية أكتوبر. ولم يفاجئني هذا الاتجاه: فالرأي العام أصبح يملك صورة سلبية على نحو متزايد عن الدولة اليهودية ــ بدأ الانحدار الأول بمجازر صبرا وشاتيلا، ثم تضخم مع الانتفاضتين، بل وحتى الحروب المتعاقبة ضد قطاع غزة. إلا أن نسبة التعاطف المنخفضة مع إسرائيل لا تزال أعلى بكثير من تلك التي أعرب عنها المستطلعون تجاه السلطة الفلسطينية 10% وحماس 3%.

ومن المؤشرات الأخرى فشل الرئيس ماكرون ووزير داخليته جيرالد دارمانان في منع مظاهرات التضامن مع الغزاويين. وبعد أن تنصل منهما مجلس الدولة، كان عليهما أن يسمحا بمعظم المسيرات. ومع ذلك، كانت الحشود التي شاركت في المسيرات أقل بكثير مما كانت عليه في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. فأدى المنع الأولي للمظاهرات إلى ثني الكثير من الناس عن التظاهر. لكن الرادع الرئيسي هو قبل كل شيء عنف الشرطة الذي تزايد منذ انتخاب إيمانويل ماكرون وتعيين جيرالد دارمانان.

في رأيك، كيف يمكن لهذا الدعم الذي يظهره السياسيون الفرنسيون لحكومة نتنياهو وتغييب معاناة الفلسطينيين أن يؤثر على علاقات فرنسا مع العالم العربي؟

من الواضح أن التخلي التدريجي، ولكن المتسارع، عما يسمى بالسياسة “العربية” لفرنسا كان سبباً في تدهور صورتها إلى حد كبير في منطقتي المغرب العربي والمشرق العربي. لكن بعض الدول العربية توجد في وضع سيئ لا يسمح لها بتوجيه هذا التوبيخ: فألم تخن هي نفسها القضية الفلسطينية من خلال التوقيع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل؟ ويبدو لي أيضاً أن أحد أهداف عملية حماس في الـ7 أكتوبر كان وقف هذه العملية، وخاصة منع السعودية من القيام بالمثل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!