“سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا”

إن يكن يهود هذا العصر في صمم عن سماع أصوات الحق في مشارق الأرض ومغاربها، وفي عم عن رؤية أشلاء الأطفال الرضع والشيوخ الركع والنساء في غزة وفلسطين، إن یكن ذلك منهم، فذلك ديدن أسلافهم، نشؤوا عليه، ولم يؤثر فيهم كثرة أنبيائهم، مما يدل على كثرة مناكيرهم وجرائمهم، وكانوا لا يتناهون عن منكر، فلعنوا على لسان نبيَّين، هما داوود وعيسى، عليهما السلام، كما جاء في القرآن الكريم…
وقد أكدت الدراسات الاجتماعية والنفسية أن الطبائع تُتَوَارَث، كما تتوارث الصفات والسمات الخلقية.. فوجدنا اليهود الذين كانوا في وقت الرسول الأكرم في المدينة المنورة ورأوا حسن معاملته لهم، حتى جعلهم في ذمته الشريفة، و”أنه خَصم لمن آذاهم”، ودعاهم إلى كل خير، ولكنهم قالوا بلسان المقال، كما جاء في القرآن، وبلسان الحال، كما سجل التاريخ: “سمعنا وعصينا”. ( سورة النساء الآية (45).
وهاهم أحفاد أولئك اليهود ينشؤون على ما نشأ عليه آباؤهم من سيئ الأخلاق وشنيع الصفات. ولهذا، فهم مكروهون في العالم كله، ولكنهم سيطروا على “نخب العالم” في جميع الميادين، بما وضعوا عليه أيديهم من أموال وإعلام.. فاشتروا الضمائر الخربة، واستنزلوا الهمم ذات القابلية للاستنزال من العجم والعرب والمسلمين.
لن نستغرب أن يعادينا اليهود، فقد أنبأنا القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرناً بأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، لو كان أكثرنا مؤمنين، ولكن الأمر الذي يشيب له الولدان والغربان، أن يرى ما يقع في فلسطين، ويسمع ما يجري فيها أناس منا، ويزعموا أنهم مؤمنون، ويدعي بعضهم أنه من “آل محمد- صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك كله، يتخذون هؤلاء اليهود أولياء، يمدونهم بشتى المساعدات لقتل بني جلدتهم من الفلسطينيين واللبنانيين
والسوريين.. لقد كان الإمام محمد بن إبراهيم الأبلي التلمساني، في القرن الثامن الهجري، يقول ما معناه: لولا أن القرآن الكريم تَوَقَّفَ نُزُولُه لأنزل الله- عز وجل- فينا أضعاف ما أنزله في اليهود.
فهاهو القرآن الكريم يأمرنا بكل خير، وينهانا عن كل شر، ويدعونا إلى الوحدة، وإلى التناصر، وإلى المودة وإلى عدم اتخاذ اليهود والنصارى الظالمين أولياء.. ولكننا، كأننا استعرنا الجواب اليهودي، ورددناه مقالا وحالا: “سمعنا وعصينا”. ولم يكتف بعضنا بذلك، بل ناصروا اليهود الصهاينة بأنواع المناصرة.. ومنها فتح “أمير المؤمنين به موانئه للسفن الحاملة للأسلحة وقطع الغيار لليهود، لتتزود بالوقود وما خفي أعظم”. ألا يستحق هذا الدّعِيُّ أن يُلعن على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما لعن اليهود على لسان نبيين من بني إسرائيل، هما داوود وعيسى بن مريم- عليها السلام- ألا يستحق هؤلاء الخونة من المسلمين اللعنة من الله- عز وجل- والملائكة والناس أجمعين؟