عقود الانتفاع السياحية.. جبن في سنارة اصطياد المواطنين

لجأت بعض الوكالات السياحية، لغرض الظفر بزبائن دائمين وتحصيل مداخيل مالية أكثر، إلى إبرام عقود مع زبائنها تحت مسمى “عقود الانتفاع السياحية”. وهي صيغة يدعي أصحابها وجود تخفيضات ومزايا للمستفيدين منها، ليتبين بحسب شكاوى مواطنين دفعوا أقساطا مالية، أنها عقود لسلب الأموال و”احتكار” الزبائن واستغلال كبار السن، ما جعل وزارة السياحة تتحرك داعية إلى إلغاء هذه العقود، مهددة بعقوبات صارمة على الوكالات المتورطة، تصل حد السحب النهائي لرخصة الاستغلال.
عقود الانتفاع السياحية، هي صيغة جديدة استحدثتها بعض الوكالات السياحية السنوات الأخيرة، في ظل المنافسة والبحث عن زبائن، وكانت تمارسها خصوصا بعض وكالات السياحة والأسفار المتواجدة بالجزائر العاصمة، لتتوسع الظاهرة عبر الوطن، ومضمون هذه العقود التي تبرم بين الوكالة السياحية والزبون، أن الأخير يسدد مبلغا “معتبرا” من المال، مقابل تمتعه بميزة “الزبون المميز” لدى الوكالة، عن طريق استفادته مما يعتبره صاحب الوكالة تخفيضات في أسعار رحلات معينة، سواء إلى العمرة أم إلى بلدان أخرى، وتحصيله لمزايا مغرية، ومنها أسبقية الزبون في الظفر بأفضل الوجهات السياحية التي تطلقها الوكالة.
والإشكال في الموضوع، أن الزبائن وخاصة من فئة كبار السن، اشتكوا بعدما أبرموا عقود الانتفاع السياحية، من تعرضهم لعملية “نصب واحتيال”، فلا هم استفادوا من العروض والتخفيضات خاصة على رحلات العمرة، ولا هم تمكنوا من استرجاع أموالهم التي دفعوها على شكل أقساط.
وكأنهم يبيعون شيئا غير موجود..!
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجمعية الجزائرية للسياحة والثقافة والتنمية المستدامة، زهير معوش، أن عقود الانتفاع السياحية التي باتت تتعامل بها بعض وكالات السياحة والأسفار مؤخرا، ظهرت فيها “مشاكل عديدة”، وأكد أن هذه الصيغة في التعامل ليست جديدة، وتعود إلى فترة ما قبل انتشار فيروس كورونا في الجزائر، واستحدثتها وقتها وكالات سياحية متواجدة بالجزائر العاصمة، ثم توسعت الظاهرة إلى بعض الولايات.
وتتم العملية، بحسب معوش، عن طريق استقطاب الوكالة السياحية لزبائن من خارج مقرها، سواء في مراكز التسوق أم مراكز العبور أم في أي مكان يضم تجمعات بشرية، أين يتم إغراء الأشخاص بوجود عروض ترويجية وتنافسية للظفر برحلات سياحية، سواء عن طريق إحضار الشخص لمجموعة أخرى من الأشخاص ليصبحوا زبائن للوكالة، فيستفيد الشخص الذي أحضرهم من امتيازات، أم عن طريق إبرام عقود طويلة الأمد للاستفادة من العروض الحصرية لهذه الوكالة السياحية.
والإشكال، بحسب تأكيد زهير معوش، أن عقود الانتفاع السياحية أو أي عقود أخرى في مجال السياحة لا يمكن تجسيدها على أرض الواقع، ما يجعلها عقودا “تفشل دوما” على حد قوله، لأن مدخلات قطاع السياحة متغيرة باستمرار، وهذه المتغيرات لا يدرجها صاحب الوكالة في العقد المبرم بينه وبين الزبون”.
العقود لا تصلح مع أسعار فنادق وتذاكر وصرف متغيرة
وقال معوش إن أسعار الطيران مثلا متغيرة باستمرار، وأحيانا ترتفع بأكثر من مليوني سنتيم، ومثلها أسعار الفنادق والخدمات السياحية، وأسعار الصرف وتحويل العملات في صعود ونزول، و”جميع هذه المعطيات، لا يتم ذكرها في العقد المبرم بين الوكالة والزبون، وهي أموال إضافية يدفع فارقها الزبون حتى ولو كان مستفيدا من عروض ترويجية، وكأن الوكالة تبيعه شيئا غير موجود”، يقول المتحدث.
عقود وهمية لاصطياد الزبائن
ومن جهته، أكد رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية، مصطفى نذير بلحاج، أن عقود الانتفاع السياحية، عبارة عن “ماركتنغ” تقدم عليه الوكالة السياحية لجلب زبائن، ولا يوجد من يجبرها على الالتزام بهذه العقود، وأوضح في تصريح لـ “الشروق”، أن غالبية هذه العقود تكون وهمية، “لاصطياد الزبائن”، فمثلا، تدعي وكالة سياحية استفادة زبون أبرم معها عقد انتفاع سياحي من عمرة بتخفيض 50 بالمائة عن سعرها، “والإشكال، أن الوكالة هي التي تختار توقيت رحلة العمرة، وهو توقيت غالبا لا يخدم الزبون فيضطر إلى رفضه، ففي نظر الوكالة قد التزمت بوعدها، بينما الزبون لم يستفد من شيء، وهذا ما يعتبر احتيالا من الوكالة”.
ويرى نذير بلحاج بأن هذه العقود فيها “ثغرات كثيرة، وحتى بطاقات الوفاء التي يستفيد منها زبائن بعض الوكالات السياحية وشركات الطيران، التي يربح فيها الزبون الوفي نقاطا تجعله يستفيد من تذاكر مجانية مثلا، فبعض شركات الطيران هي التي تحدد تاريخ الذهاب والعودة للزبون، وأي تأخر يدفع ثمنه هذا الزبون، ويدفع الضعف أحيانا”. وعليه، يرى بلحاج بأن كثيرا من العروض التي تطلقها وكالات سياحية وحتى شركات طيران “ليست عروضا مجانية ولا ترويجية، وفيها نوع من الاحتيال على الزبائن”.
السحب النهائي لرخصة الوكالات المخالفة
ولأن كثيرا من الشكاوي والتقارير وردت بشأن تسجيل تجاوزات في عقود الانتفاع السياحية، وللحصول على توضيحات أكثر في الموضوع، تواصلت “الشروق” مع مدير مخطط جودة السياحة والضبط بوزارة السياحة والصناعة التقليدية، نبيل ملوك، الذي أكد أن بعض وكالات السياحة والأسفار أصبحت تلجأ، خلال السنوات الأخيرة، إلى عقود الانتفاع السياحي، التي توهم فيها المواطنين بحصولهم على تخفيضات ومزايا مغرية لا حصر لها، ويستدرجونهم لدفع شطر مالي أولي للعرض من خلال الإمضاء على عقود، “وتعرض الوكالة السياحية مجموعة من الوجهات للزبون، وبحسب العقد إذا لم يدفع الزبون، خلال مدة زمنية معينة، قيمة الأقساط، يخصم مبلغ الشطر الأول من تكاليف الرحلة”.
والملاحظ، بحسب نبيل ملوك، أن غالبية المواطنين “لا يقرؤون هذه العقود ولا يفهمونها، وأن فئة كبار السن باعتبارها فئة هشة وضعيفة لا تقرأ مضمون هذه العقود، ما يجعلها مستهدفة من طرف هذه الوكالات، ليكتشف المتعاقدون لاحقا وقوعهم ضحية خداع واحتيال”.
وتعتبر هذه العقود، بحسب محدثنا “وسيلة لسلب الأموال، وإجبار الزبائن على التعامل مع الوكالة مستقبلا، من خلال دفع أقساط، يتبين لاحقا أنها ليست محسوبة ضمن تكاليف الرحلة”.
وكشف مدير مخطط جودة السياحة، أن وزارة السياحة اتخذت قرارا يتضمن عدم العمل بمثل هذه العقود التي “يشوبها كثير من الغبن ضد الزبائن”، وشددت الوزارة وبصرامة على أن كل وكالة لا تزال تتعامل بهذه العقود سيحال ملفها على اللجنة الوطنية للوكالات السياحية والأسفار، وقد تتخذ بشأنها عقوبات تصل حد السحب النهائي للرخصة.
وقال محدثنا بأن المنصوص عليه قانونا أن تعمل الوكالات السياحية بعقد السفر وليس بعقد الانتفاع السياحي الذي تحول إلى ظاهرة منتشرة مؤخرا.
وذكر بأن عقود السفر التي تلقت الوزارة شكاوى بشأنها مؤخرا، “منافية تماما لعقد السفر، الذي نصت عليه المادة 14 من القانون 06/99، لكون هذا العقد لا يحتوي على أي تفاصيل تتعلق بتاريخ الذهاب أو العودة ولا الوجهة السياحية، ولا شروط الرحلة كاسم الفندق ونوع الغرفة والخدمات المرافقة للحجز وغيرها من المعلومات الضرورية التي تهم الزبون أو السائح”.
وأكد مصدرنا أن وزارة السياحة قررت، على مستوى اللجنة الوطنية لاعتماد وكالات السياحة والأسفار “عدم الاعتداد بعقود الانتفاع السياحية، وعدم إدراجها ضمن عقود السفر الحقيقية، وتم توجيه تعليمات صارمة لمديريات السياحة عبر الولايات، بعدم العمل بمثل هذه العقود، وتبليغ جميع وكالات السياحة والسفر، وإلزام الوكالات التي تتعامل بهذه الصيغة غير القانونية بإرجاع مستحقات المواطنين فورا، وإلغاء هذه العقود. ووجهت الوصاية أيضا تعليمات “صارمة” للمديريات عبر الولايات، بدعوة الوكالات إلى التوقف الفوري عن تسويق مثل هذا النوع من العروض، وكل وكالة يثبت مزاولتها لهذا النشاط، ستتخذ في شأنها عقوبات قد تصل إلى السحب الفوري والنهائي لرخصتها.