-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
جهات خارجية تقف وراء عودة مالي إلى مربّع الانفلات

فواعل تعفين جديدة في الساحل.. ما أوراق الجزائر؟

عبد السلام سكية / محمد مسلم
  • 6896
  • 0
فواعل تعفين جديدة في الساحل.. ما أوراق الجزائر؟
أرشيف

طرحت تداعيات الأزمة الأمنية والسياسية التي تعيشها منطقة الساحل، والتي ألقت بظلالها على العلاقات الجزائرية والحكومة المركزية في مالي، العديد من التساؤلات حول خلفية تراجع السلطات المالية عن اتفاق السلم والمصالحة في مالي، الموقع في الجزائر في عام 2015 برعاية هيئة الأمم المتحدة.
وبات واضحا لدى الكثير من المراقبين أن الأزمة الدبلوماسية المفاجئة، التي اندلعت بين الجزائر وباماكو، وأدت إلى تبادل استدعاء سفيري البلدين، كانت مفتعلة، يرجح أن لها علاقة بدخول طرف ثالث في القضية، هدفه البحث عن موطئ قدم في المنطقة، أو على الأقل محاولة إرباك المشهد السياسي والأمني في المنطقة، لأغراض جيوسياسية يعتبرها البعض مكشوفة.
فما الذي يحدث بالضبط في مالي خاصة، وفي منطقة الساحل على وجه العموم؟ وهل الجزائر مستهدفة من وراء إقحامها في هذه المعضلة وهي التي تعمل من أجل الاستقرار في جارتها الجنوبية مالي؟ وهل للوجود الروسي هناك دور؟ أم أن هناك أطرافا أخرى غير حاضرة تحاول تحريك خيوط الأزمة عن بعد؟ وما هي أهداف تلك الأطراف؟ هذه الأسئلة وأخرى يحاول هذا الملف الإجابة عليها.

خبراء يقرأون تملص الانقلابيين في مالي من اتفاق 2015
روسيا ليست حليفا للجزائر وفاغنر تناقض المصالح الجزائرية
يؤكد متابعون للشأن الإقليمي، وجود أطراف خارجية ساهمت في تعفين الوضع في منطقة الساحل، وأن تنصل المجلس العسكري من اتفاق السلم والمصالحة الموقع عليه في الجزائر سنة 2015 كان متوقعا.
قال مدير تحرير المجلة الإفريقية للعلوم السياسية، الدكتور بشير شايب، إن موقف المجلس العسكري في مالي من اتفاق السلم والمصالحة الموقع في الجزائر في سنة 2015، كان متوقعا.
وتحدث شايب لـ”الشروق” عن مؤشرات هذه الخطوة بالقول “لقد كان متوقعا موقف المجلس العسكري في مالي من اتفاق السلم والمصالحة خاصة أن الدستور المستفتى عليه في جوان من سنة 2023، لم يتضمن أي إشارة إلى مسألة الأزواد، لا من حيث الحكم المحلي ولا من حيث الإدارة المحلية، حيث نص الدستور على الوحدة الترابية من دون إعطاء أي خصوصية إدارية أو سياسية لإقليم أزواد”.
وفي منظور الدكتور شايب الذي يتولى تدريس العلوم السياسية بجامعة سكيكدة، فإن التنصل من الاتفاق ليس بالضرورة أن البديل هو الحرب، وهنا أوضح: “التنصل من اتفاق السلم والمصالحة والتأكيد على أن البديل هو الحرب أعتقد أن هذه القراءة خاطئة”.
ويتابع في هذه المسألة “ربما يُفهم منه إعادة ترتيب أو إعادة مراجعته وإعادة بنائه من جديد وفق التطورات الحاصلة حاليا في مالي من جهة”، وهنا ربط قراءة ما ورد في بيان المجلس العسكري في مالي والذي “عاتب الجزائر على موقفها” وذكَر في نفس الوقت بالعلاقات التاريخية وعرج على مساعدات الماليين للجزائر أثناء الحرب التحريرية، و”عليه فإن الأمور تحل في الأطر الدبلوماسية بدون اللجوء إلى الخيار العسكري”، مثلما يشدد المحلل شايب.
ورد الخبير بالإيجاب على سؤال “الشروق” بوجود طرف أو أطراف أجنبية عملت على “تعفين” الوضع وخلق بؤرة تطور جديدة في منطقة الساحل، وتحدث عن ثلاثي “إمارتي صهيوني مغربي مع تدخل فرنسي”.
وقال شايب “طبعا الأطراف الخارجية غير غائبة عن المشهد في مالي، وما يحدث لا يمكن قراءته بمعزل عما يحدث في منطقة الساحل ككل، عما يحدث في تشاد والنيجر وبوركينا فساو والسودان والضغط الذي تعرضت له المنطقة، أقصد تكتل الدول الجديد من منظمة إيكواس، كل هذا لا يمكن عزله عن مخرجات القرار المالي”.
ومن دون مواربة، يقدم الأكاديمي الأطراف التي يراها ضالعة في ضرب استقرار منطقة الساحل، قائلا “التواجد الفرنسي المُهدَد الذي أصبح يواجه باستنكار ورفض، وغير مستعبد فيما يحدث أطراف خارجية أخرى، ولا استبعد الثلاثي الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني والمغرب، الذي يتحرك في محاولة للضغط على الجزائر والإحاطة بها من الجبهة الجنوبية لإلهائها أو استنزافها، أو خلق بؤر توتر في الجنوب الجزائري”.
أما عن الموقف الروسي مما يحدث، ووجود قرائن على حضور قوي للمجموعة الأمنية “فاغنر” في المنطقة لمساعدة المجلس العسكري الحاكم، رغم أن روسيا تعد من الدول الحليفة والصديقة للجزائر والتي تعارض وجود الجماعات المسلحة أيا كان انتماؤها، فيقول المتحدث “بالنسبة للموقف الروسي، فقوات فاغنر قبل هذه الأزمة موجودة في بوركينا فاسو ومالي، ولا أظن أن نشاط مجموعة فاغنر في المنطقة غير مؤطر، هو مؤطر طبعا ضمن سياسات عالمية”.
ويقول شايب في هذا الخصوص “الحضور الروسي، يندرج برأيي ضمن التحول الذي تعرفه المنطقة من خلال تأسيس دول تكتل الساحل بوركينا فاسو، مالي، النيجر، وإعلانها مؤخرا الانسحاب من مجموع الايكواس – المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا-، أظن أن الأمور في منعطف بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الواقعة تحت المظلمة الفرنسية، وبين التكتل الجديد الذي ترعاه روسيا والصين من جهة أخرى”.
من جانبه، يقول الباحث في الدراسات الاستراتيجية، نبيل كحلوش، إنه “تم التمهيد للانسحاب الأحادي من اتفاق الجزائر في دولة مالي من طرف المجلس العسكري الانتقالي وفق البيانين رقم 064 و065 الخاص بالمجلس”.
ويوضح الأكاديمي كحلوش لـ”الشروق” أن “ما جرى يعكس دلالة واضحة مفادها بأنه رغم مجهودات احتواء الأزمة، ستضطر الجزائر لتغيير مقاربتها مع الحكومة الانقلابية، التي لطالما كنا نعول على توجهاتها الوطنية لتوطيد الاستقرار الاستراتيجي في مالي ومنطقة الساحل”.
ويتابع أن “تغيير المقاربة الجزائرية بات ضروريا، فالجزائر لحد الآن تعتمد على الخطاب الدبلوماسي أكثر من الدبلوماسية الاقتصادية مع دول الجوار، حيث إن الجزائر ذات تعامل اقتصادي ضعيف جدا مع كل من ليبيا ومالي والنيجر. والتبادلات معها ضعفت بشكل كبير، الأمر الذي قد تستغله أطراف دولية أو إقليمية أخرى لتبادر بمبادرات تجارية تجعل من دول الجوار تراها ذات مردودية ماليّة أحسن من المبادرات الكلامية”، على حد تعبيره.
ولا يستبعد المتحدث وجود طرف أجنبي ساهم في انفلات الوضع والجنوح لتوجيه اتهامات للجزائر، قائلا “يمكن أن حكومة مالي نفسها هي من بدأت بالتورط مع محاور معادية، حيث لا يمكن استبعاد وجود دول متورطة في الأزمة”.
وفيما يخص روسيا، ففي تقدير الباحث كحلوش، هي “ليست حليفا للجزائر ولم تكن يوما كذلك، بل هي شريك، ووفق ذلك، فإن شركة فاغنر الأمنية الروسية لن تجد حرجا في التحرك بطريقة قد تناقض حتى المصالح الجزائرية، لأنها ببساطة مجرد مجموعة مرتزقة، مثلها مثل باقي المجموعات المسلحة، ولا تمتلك أي التزام مع الجزائر لتحفظ مصالحها”.

النائب وأستاذ العلوم السياسية محمد ربيج لـ”الشروق”:
أطراف فقدت مصالحها تريد تأزيم الوضع في مالي
يعتقد النائب محمد ربيج أن للجزائر مسؤولية تجاه منطقة الساحل، بحكم أن دول الإقليم هشة وفقيرة، وهو ما قامت به على مدار عقود، واتهم أطرافا لها مصالح ضيقة في محاولة توتير الوضع ودفعها إلى مستنقع الفوضى والاقتتال.

كيف تقرأون ما يحدث من تطورات في مالي؟
ما يحدث في مالي هو تحول خطير ومفاجئ، لماذا؟ لأنه للأسف الشديد، المجلس العسكري الذي يحكم الآن مالي عن طريق القوه بعد وصوله إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري، يعلن العداء للجزائر ويصفها بأنها دولة معادية، وهذا كله كذب وافتراء على التاريخ والواقع وحتى الطبقة السياسية والشعب المالي يعلم جيدا أن الجزائر كانت دائما إلى جانب الشعب المالي والى جانب استقرار وأمن مالي.
للأسف الشديد هذا المجلس العسكري يرهن كل هذه العلاقات التاريخية مع مالي ويعرض المنطقة ومالي لتهديدات أمنيه، وخطر سيلحق الضرر بكل المنطقة وليس بمالي، بمعنى اليوم عندما يعلن المجلس العسكري والحكومة في مالي التوقف عن العمل بإعلان الجزائر الموقع بين كل الإخوة في مالي في 2015 هذا يعني بأن العودة إلى المربع الأول، وهذا سيفتح المجال إلى عوده الاقتتال بين الجماعات، جماعة التوارق والأزواد والحكومة المالية، وهذا هو التحدي الكبير الذي سيواجه مالي. سيكون هنالك اقتتال وسقوط لضحايا وكذلك هجرة من قبل السكان في هذه المناطق والأخطر من ذلك عودة الجماعات المسلحة للنشاط في هذه المنطقة بالإضافة إلى الجماعات التي تنشط في مجال التهريب والتجارة بالبشر والمخدرات.

لماذا أقحمت الجزائر في هذه المعضلة وهي التي تعمل من أجل الاستقرار في مالي؟
الشيء الملفت في هذه المرة انه تم توجيه الاتهام بشكل مباشر وعلنيا للجزائر على أساس أنها هي المسؤولة، من خلال استقبال معارضين للحكومة المالية من بينهم الشيخ ديكو وغيره، ولكن في الحقيقة هذا الاستقبال هو استمرار للجهود الحميدة للجزائر للعب دور الوسيط، لأنه بهذا الاستقبال وبهذه القنوات التي تفتح مع هذه الشخصيات، تحاول الجزائر لعب دور تقريب وجهات النظر والاستماع إلى مختلف الأطراف بشكل مباشر حتى تكتمل الصورة وتأخذ الموقف والقرار المناسبين.
ولهذا ربما هذا المسعى وهذه الجهود التي تبذل من قبل الجزائر أقلقت بعض الأطراف داخل الحكومة المالية، والأخطر من ذلك هو أن هناك أطرافا أجنبية من غير دول الساحل، منها دول عربية مثلا، هناك حديث عن الإمارات، وكذلك نتكلم عن المستعمر القديم الفرنسي الذي انسحب وأصبح اليوم ليس له أي مجال للعودة إلى هذه المنطقة، بالإضافة إلى دور آخر نتوقع انه يُلعب اليوم من طرف روسيا، التي أصبحت اليوم محل طلب من قبل الدول الثلاث النيجر ومالي وبوركينا فاسو.. ولهذا هذه السلطات الانقلابية تبحث الآن عن دول تحميها لكي تستمر في السلطة، وقد وجدت الحل في روسيا من خلال مجموعة فاغنر التي أصبحت لها تجربة في القتال في هذه المناطق بالتحديد ومنطقه الساحل الإفريقي.

ولماذا تلوذ روسيا بالصمت وهي حليفة الجزائر؟
اعتقد أن الحديث عن الدور الروسي في المنطقة أصبح واضحا، بدليل أن هذه الحكومات في مالي وفي النيجر وفي بوركينا فاسو تطلب بشكل رسمي دخول روسيا على الخط من خلال قواتها العسكرية بإنشاء قواعد وتحالفات عسكرية من اجل، أولا تعويض الفراغ الذي تركه الجيش الفرنسي وعمليته التي كان يقوم بها في هذه المناطق بداعي مكافحة الإرهاب، وأن المحافظة على الأمن لا تستمر بدون أن تكون هنالك دولة قوية راعية تملك كل أوراق الضغط على الدول الغربية قادرة على توقيف وتعطيل أي مساءلة أو أي عقاب داخل مجلس الأمن من خلال حق الفيتو.

كيف تتوقع رد فعل الجزائر؟
بالنسبة للموقف الجزائري أو الرد الذي يمكن أن تعبر به الجزائر في هذا التصعيد غير المبرر والمفاجئ، والذي يخدم أجندات أطراف عربية وأجنبية تريد أن تضغط أكثر على الجزائر، لإفشال أولا دورها كوسيط، بهدف زعزعة أمن واستقرار منطقه الساحل، ولإفشال أيضا مجموعة الخمسة والتي كان من المفروض ان تكون هذه الدول فيها، قبل أن تنسحب من “السيدياو”.
أتوقع ان الرد سيكون هادئا وذكيا بالابتعاد عن مسألة التصعيد ومنع الحملات الإعلامية بين البلدين.
يبدو انّ هناك قرارا بعدم التصعيد إعلاميا، هذا رأيي، وإن كان فيه بعض الردود ولكن الردود محتشمة وذكية، كذلك سيكون من خلال السعي نحو إبراز الدور الذي لعبته الجزائر وما زالت تلعبه، وهو دور الوسيط والطرف الذي يقف على مسافة واحده بين كل الأطراف، ستبتعد الجزائر عن المواجهة رغم كل التحرشات التي قد تتعرض لها من قبل هذا المجلس العسكري في مالي.
الرد سيكون كذلك على مستوى منظمة الاتحاد الإفريقي من دون نسيان الدبلوماسية الشعبية والحساسيات الدينية والشخصيات النافذة في مالي للضغط اكثر على المجلس العسكري للتوقف عن التصعيد.

ما هي أهداف الأطراف التي تستهدف تأزيم الوضع في المنطقة؟
هناك أطراف فقدت مصالحها ونقصد هنا فرنسا، وهي اليوم تريد توجيه رسالة للشعب المالي وبقية شعوب منطقه الساحل بأن الانسحاب الفرنسي ترك فراغا، وهذا الفراغ تسببت فيه دول وحكومات، سمح للجماعات الإرهابية بالعودة، وهنا يصبح أمن هذه الشعوب واستقرارها مرهونا بعودة الطرف الفرنسي، في نظر البعض، بالإضافة إلى طرف ثالث كما قلت وهو الطرف الروسي الذي هو كذلك سيقدم نفسه على أساس انه المخلص والذي يمكن أن يعتمد عليه لتعويض احتلال الجيش الفرنسي أو التواجد الفرنسي بالإضافة إلى أمر آخر، وهو أن المصالح الاقتصادية كاليورانيوم والمعادن الثمينة في هذه المنطقة، يجب أن تبقى تابعة للدول التي كانت تستغلها من قبل وعلى رأسها فرنسا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!