قانون التقاعد… البرلمان يردّ!

أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، أن الوضعية المالية الحالية للصندوق الوطني للتقاعد تطرح تحديات معقدة، مما قد يجعل من الصعب اتخاذ قرارات جديدة تتعلق بالتقاعد في الوقت الراهن.
وفي تفاصيل رد رسمي، بتاريخ 29 أكتوبر الماضي، تحت ترقيم 24/ 94، صادر عن رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، إبراهيم بوغالي، موجّه للنائب عن حركة مجتمع السلم، يوسف عجيسة، بخصوص مقترح قانون يعدّل ويتمّم القانون رقم 12/83 والمتعلّق بالتقاعد، ويحث على أحقية العامل في التقاعد سواء المسبق للمستوفي اشتراكه أو العامل الذي أدّى 32 سنة من العطاء والخدمة، فإن وضعية الصندوق الوطني للتقاعد، اليوم معقّدة، بما يفيد استبعاد اتخاذ قرارات على هذا المستوى في القريب العاجل.

النائب البرلماني يوسف عجيسة
لهذه الأسباب من الصعب العودة حاليّا إلى العمل بالتقاعد المسبق والنسبيّ
وأرفق المجلس ردّه ببطاقة تلخيصية، تتضمن نتائج دارسة التدابير المقترحة التي قدمها النائب يوسف عجيسة، صاحب المبادرة، مشدّدا على أن الأحكام التي تضمنها الاقتراح تؤدي حتما إلى زيادة النفقات العمومية دون إرفاقه بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة، عملا بأحكام المادة 147 من الدستور التي تنص على أنه “لا يقبل أي اقتراح أو تعديل قانون يقدمه أعضاء البرلمان يكون مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية أو زيادة النفقات العمومية، إلا إذا كان مرفقا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها”.
عجز مالي متنام لصندوق التقاعد منذ 2013
وأضاف المجلس أن الصندوق الوطني للتقاعد يعرف عجزا ماليا متناميا منذ سنة 2013، لاسيما بعد انخفاض نسبة المشتركين بالنسبة للمتقاعد الواحد، حيث ارتفع عدد المستفيدين من 2 مليون سنة 2010 إلى أكثر من 3 ملايين سنة 2022، أي بزيادة قدرها 46 بالمائة، ليسجل بذلك عجزا هيكليا كبيرا، أثر على توازناته المالية، لترتفع مصاريفه بـ9 بالمائة مقارنة بمداخليه المقدرة بـ3 بالمائة، وهو الأمر الذي عجل بتدخّل الخزينة العمومية في الكثير من الأحيان لتقليص العجز المالي بتمويله بقروض مباشرة وبشروط تمويل تفضيلية تتعلق بفترة السداد ونسبة الفائدة المطبقة.
السن القانونية للتقاعد في الجزائر منخفضة مقارنة مع المعايير الدولية
بالإضافة إلى التحديات الديمغرافية والاقتصادية التي تفترض وجود 5 مشتركين مقابل كل متقاعد واحد، للحفاظ على التوازن المالي للصندوق، بينما يوجد في الواقع مشتركان اثنان فقط، مقابل كل متقاعد واحد، وهو الأمر الذي يتطلب العمل على رفع عدد المشتركين الناشطين في الضمان الاجتماعي.
واعتبر المجلس في ردّه أن الإصلاحات الهيكلية التي فرضتها الظروف الاقتصادية، خلال التسعينات قصد الحفاظ على مداخيلهم، وقد تم إلغاؤهما سنة 2016 بعد زوال المبررات الاقتصادية والاجتماعية والتي أدت إلى اللجوء إليهما باعتبارهما نظامين هجينين وغير منسجمين مع المبادئ التي تأسست عليها المنظومة الوطنية للضمان الاجتماعي والتقاعد.
ارتفاع عدد المستفيدين من التقاعد بنسبة 46 بالمائة في ظرف 12 سنة
وحسب ذات الرد: “لا يوجد أي اقتطاع خاص بالتقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن، وفقا للمرسوم التنفيذي رقم 15-236 المؤرخ في 03 سبتمبر 2015 المحدد لنسب توزيع الاشتراك في الضمان الاجتماعي، وأن المصدر الوحيد لتمويل نظام التقاعد هي الاشتراكات التي يؤديها أرباب العمل والعمال وتمثل نسبة 18.25 بالمائة، أي أكثر من نصف الاشتراك الإجمالي لمنظومة الضمان الاجتماعي المقدرة بـ34.5 بالمائة طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 15-236”.
ويموّل هذا الاقتطاع الأداءات المخصصة للتقاعد العادي، غير أن نظام التقاعد الوطني لا يزال يتحمل إلى اليوم الأعباء المالية الناتجة عن أداءات التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن، من غير تخصيص مصادر تمويل إضافية لهذين الصنفين المستحدثين سنة 1997، واللذين أضافا عبئا على الصندوق الوطني للتقاعد لايزال إلى اليوم يؤثر بشكل كبير على توازنه المالي، وفق رد رئاسة الغرفة السفلى.
6 ملايين متقاعد في آفاق 2040 حسب الديوان الوطني للإحصائيات
أما بخصوص التقاعد المسبق فهو لايزال ساري المفعول وقد تم تأسيسه بموجب المرسوم التشريعي رقم 10-94 المؤرخ في أفريل 1994 المتعلق بالتقاعد المسبق ويستفيد منه كل عامل بالمؤسسات الاقتصادية أو موظفو المؤسسات والإدارات العمومية الذين يفقدون عملهم بصفة لا إرادية لأسباب مهنية كتقليص عدد العمال أو التوقف القانوني لمؤسسة ما أو بسبب إعادة ضبط مستويات الشغل التي تقررها الحكومة وفقا للشروط السارية المفعول.
وقد حدد المرسوم التنفيذي رقم 236-15 المؤرخ في سبتمبر 2015 المتضمن توزيع نسبة الاشتراك في الضمان الاجتماعي نسبة اشتراك تقدر بـ0.5 بالمائة بعنوان التقاعد المسبق وطبقا لأحكام المرسوم التشريعي 10-94، حيث يستفيد موظفو الإدارات والمؤسسات العمومية من نفس الحقوق في التقاعد المسبق حال توافر الشروط القانونية ولهذا الغرض فإنهم معنيون كذلك بالاشتراكات بعنوان التقاعد المسبق.
ويعدّ الهدف الأساسي للمنظومة الوطنية للتقاعد في الجزائر التي تستند إلى القانون رقم 12-83 المؤرخ في جويلية 1983 المعدل والمتمم تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين المؤمن لهم اجتماعيا وذوي حقوقهم دون تمييز مع العمل على ضمان ديمومتها والرفع من مستوى أدائها.
وتعدّ السن القانونية للتقاعد المعتمدة في الجزائر بـ60 سنة، سنا منخفضة بالمقارنة مع المعايير الدولية التي تحدد معدل سن الاستفادة من معاش التقاعد عند 65 سنة، خاصة مع ارتفاع معدل العمر إلى 76 سنة، وهو ما يرشح عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة للارتفاع ليبلغ 6 ملايين متقاعد في آفاق سنة 2040 حسب التقرير الصادر عن الديوان الوطني للإحصائيات سنة 2022، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من التحديات التي يواجهها الصندوق الوطني للتقاعد، بما يؤثر على استقرار المنظومة وديمومتها.
هذه استثناءات تتيح التقاعد قبل 60 سنة
ويتضمّن نظام التقاعد في الجزائر استثناءات على السن القانونية للاستفادة من معاش التقاعد قبل سن 60، وهي السماح للمرأة بالإحالة على التقاعد بطلب منها في سن 55 سنة، واستفادة المرأة التي تربي ولدا أو عدة أولاد مدة 9 سنوات على الأقل من تخفيض السن على أساس سنة واحدة عن كل ولد، وذلك في حدود 3 سنوات.
كما يستفيد العمال المصابون بعجز تام ونهائي عن العمل عندما لا يستوفون شرط السن للاستفادة من معاش العجز برسم التأمينات الاجتماعية، حيث إنه بإمكانهم الحصول على معاش تقاعد وفي هذه الحالة لا يمكن أن يقل عدد الأقساط السنوية التي تعتمد الحساب المعاش عن الخمسة عشر والعمال الذين يعملون في مناصب تتميز بظروف على قدر خاص من الضرر.
وبخصوص الانشغال المطروح حول استمرارية الاقتطاع المطبق للتقاعد النسبي والتقاعد المسبق، فإنه بالنسبة للتقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن، اللذين تم إقرارهما تطبيقا للأمر رقم 97 – 13 المؤرخ في 31 ماي 1997، المعدل والمتمم للقانون رقم 12-83 المتعلق بالتقاعد كآلية ظرفية واستثنائية لحماية العمال الذين فقدوا مناصب وعملا بأحكام المرسوم التشريعي 94-09 المؤرخ سنة 1994 والمتضمن الحفاظ على الشغل وحماية الأجراء الذين يفقدون عملهم بصفة لا إرادية، يستفيد كذلك موظفو المؤسسات والإدارات العمومية من مجمل أداءات التأمين عن البطالة، لهذا الغرض يخضع موظفو الإدارات والمؤسسات العمومية للاشتراك بعنوان التأمين على البطالة.
ويعدّ الهدف الاستراتيجي من إنشاء الصندوق الوطني لاحتياطات التقاعد هو تكوين مورد مالي موجه للمساهمة في الحفاظ على استقرار النظام الوطني للتقاعد وديمومته، وأن الإيرادات التي يمكن الحصول عليها من خلال الاستثمار المؤمن لموارده لا يوفر المداخيل الكافية للحفاظ على توازنه المالي.
مقترح رفع الاشتراكات بـ4 بالمائة قد يضرّ بالاستثمار
وبالنسبة لمقترح رفع الاشتراكات بنسبة 4 بالمائة، فمن شأنه أن يعطي مفعولا عكسيا على جاذبية مناخ الاستثمار، بإثقال كاهل المؤسسات الاقتصادية بأعباء مالية إضافية قد تؤثر بشكل مباشر على أجور العمال.
كما أن اقتراح الرفع من نسبة مساهمة التضامن المطبقة على البضائع المستوردة الموجهة للاستهلاك، من خلال اقتراح تعديل المادة 60 من القانون 24-22 المؤرخ في 25 ديسمبر 2022، المتضمن قانون المالية لسنة 2023 التي تنص على رفع المساهمة التي تطبق على جمركة استيراد البضائع المطروحة للاستهلاك في الجزائر إلى 3 بالمائة، تؤدي حتما إلى رفع أسعار تلك البضائع، مما سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطن.
وبخصوص اقتراح تعديل المرسوم التنفيذي 15-236 المشار إليه أعلاه المحدد لنسب توزيع الاشتراك في الضمان الاجتماعي برفع النسبة المخصصة الصندوق التقاعد في إطار إعادة ضبط التوازن بين الصناديق، سيؤثر ذلك، وفق ردّ المجلس، على الأداءات الموجهة للمؤمن لهم اجتماعيا وذوي حقوقهم في فروع الضمان الاجتماعي الأخرى إذا ما تم الإبقاء على مجموع 34.50 بالمائة.