قصة أول روبوت جزائري يطفئ الحرائق!

أصبحت الروبوتات اليوم موجودة في كل مكان في العالم، فالرجل الآلي يصنع السيارات الضخمة والطائرات وكل ما يخطر ببال أي إنسان، بل ويرفه الروبوت أيضا عن البشر، كل ذلك عبر استخدام أنظمة دقيقة طورها الذكاء الاصطناعي، الذي يستقطب ملايين المستخدمين من كافة أنحاء المعمورة، لينتج اختراعات هي عبارة عن آلة صممت من خلال نظام هندسي يجعلها تعمل كبديل للأيدي العاملة البشرية.
أما الجزائر، فليست بمعزل عن ما يحدث في العالم، يقول خالد باسطة، مخترع الروبوت الجزائري “إيكوزيوم”، وهو رجل آلي لإطفاء النار، صمم في مرحلة حساسة شهدت فيها البلاد مئات الحرائق، أتت على الأخضر واليابس وأسقطت ضحايا بشرية وتسببت في خسائر مادية وبيئية.
صنع هذا الروبوت بأيادي جزائرية وشارك في معارض دولية، ويحظى اليوم بطلب عالمي للتصدير، هذا الأخير يستطيع وفق برمجيات خاصة التدخل وسط النيران وإطفاء ألهبتها بسرعة البرق، مستخدما الرقمنة والذكاء الاصطناعي، لإنقاذ حياة البشر والحيوانات والنباتات.
من هو مخترع الروبوت؟
خالد باسطة أربعيني جزائري، من مواليد 21 جوان 1981 ببلدية القبة بالجزائر العاصمة، ترعرع ودرس بمسقط رأسه إلى غاية بلوغه سن ال12، حيث انتقل رفقة والديه وإخوته الثلاث إلى بلدية السحاولة غرب العاصمة، هنالك اكتشف خالد، ميولاته القوية نحو علوم الكهرباء والالكترونيات، مقتبسا أساسيات هذا العلم من خاله المتوفي، والذي كان يشتغل مهندسا في الالكترونيات ويسير ورشة صغيرة لإصلاح الآلات، ببلدية القبة، بالقرب من مقر سكن عائلة باسطة قبل انتقالهم إلى السحاولة.
ويقول خالد إنه كان يمضي جزءا طويلا من وقته مع خاله في الورشة، حيث ينتقل من السحاولة إلى القبة كل إثنين وخميس مساء، ويستقل الحافلة للوصول إلى الورشة، ليساعده في أشغاله.
البداية كانت بالتكوين المهني
يسرد خالد كيف امتهن تطوير الإلكترونيات فيقول: “سنة 1999 توقفت عن الدراسة في حدود مستوى السنة الثانية ثانوي رغم شغفي بمادة الفيزياء والرياضيات، لكني لم أستطع المواصلة بسبب نقاطي الضعيفة في مواد أخرى، وبعد تفكير طويل، قررت الالتحاق بمركز التكوين المهني لأطور مهاراتي هناك”.
يضيف خالد: ” توجهت مطلع شهر سبتمر إلى بن عكنون وبالضبط مركز التكوين المهني، لإيداع ملف التسجيل في تخصص الإلكترونيات، واجتياز اختبار القبول”، وأردف قائلا: “طرحت علي الأستاذة المعنية سؤالا أتذكره جيدا، “مما يتكون المذياع”؟، ابتسمت وأجبت عن السؤال بسرعة البرق لترد الأستاذة :” انت ضمن الفوج الذي ادرسه من اليوم”.
وفي نفس اليوم اجتزت امتحان المختص النفسي الذي طرح علي سؤال حول سبب اختيار هذا المجال، وكان جوابي :”هدفي النجاح في هذا التخصص وتأسيس شركتي الخاصة وأمنح بلدي قيمة مضافة” ليضيف :” ابتسمت المختصة وقالت باللغة الفرنسية انت طموح”.
ويقول باسطة: “أول منصب مسؤولية شغلته في حياتي، حينما كان سني 19 سنة، ففي عام 1999 كنت مسؤولا عن مشروع لدى شركة الخطوط الجوية الجزائرية، بالشراكة مع الكنديين، بعد ان فاز خالي بمناقصة لتركيب أجهزة الإنذار عن الحرائق في المطار، وكان أول راتب أتحصل عليه خلال الفترة الأولى من عملي رفقة خالي وقدر ب4000 دينار وقتها”.
ويقول باسطة :” استمرت دراستي بمركز التكوين المهني لمدة سنتين، أجريت خلالها التربص التطبيقي لدى شركة الخطوط الجوية الجزائرية، موضوع التربص كان حول أجهزة السكانير والمراقبة”.
وبعد مرحلة التخرج من المعهد استمريت في العمل مع خالي، يضيف المتحدث، وكان أبرز ما اشتغلنا عليه تركيب كاميرات مراقبة، وأجهزة إنذار، وبالضبط في سنة 2004، بدأنا نشتغل على أجهزة الإنذار من الحرائق وكل ماله علاقة بالإطفاء، ومكافحة النيران.
وهنا يؤكد خالد :”خلال هذه الفترة بدأت فكرة إنشاء مؤسستي الخاصة تراودني دائما، اشتغلت بمفردي لأحضر كل شئ، أول الزبائن الذين تعاملت معهم كانوا العائلة والجيران والأصدقاء”.
جهاز يفتح النوافذ في حال الحرائق
وفي سنة 2008 بالضبط قمت بإنشاء اول مؤسسة خاصة بي تعمل على تركيب الأجهزة الصناعية الإلكترونية”، اشتغلت في البداية يقول باسطة بمجال التركيب، وخلال هذه المرحلة شاركنا في المعارض المحلية، كان أول معرض في ولاية بجاية شهر سبتمبر 2009، قمت بتصنيع أول جهاز عبارة عن تقنية تقوم بفتح النوافذ بمجرد حدوث الحريق في المكان، وتستخدم التطور التكنولوجي والرقمي لتحقيق ذلك”.
ميلاد “بيكا فاير”
استمريت في العمل في شركتي الخاصة وذلك الى غاية سنة 2015، وبالضبط في شهر ديسمبر، قررت تغيير الدفتر التجاري، وتأسيس شركة أخرى، تكون أكثر قوة، وتركيزا على إنجاح أجهزة مكافحة الحرائق، وكانت هذه مرحلة تحولية في حياتي بميلاد شركة “بيكافاير”، المشتقة من الحروف الأولى لإسمي باسطة خالد، إضافة إلى كلمة النار بالإنجليزية.
وخلال هذه التجربة قررت، يقول خالد، العمل على التصنيع، حيث تمكنت مع فريقي الصغير المتكون حينها من 5 أشخاص من تصنيع مضخات إطفاء الحرائق، بتقنية جديدة تستعمل لأول مرة، حيث تم تسويقها للمؤسسات العمومية كالفنادق والمراكز التجارية، والمجمعات السكنية.
وقررنا حينها _ يقول الشاب الأربعيني، أن نقدم الجديد في كل معرض نشارك فيه، على غرار المضخة المتنقلة وخرطوم الإطفاء الجديد بتقنية أكثر تطورا.
فكرة الروبوت ترى النور
ويواصل خالد باسطة سرد التفاصيل، قائلا: ” اشتغلنا منذ سنة 2015 لاستعراض اختراع جديد، غير ان ذلك لم كافيا، كنت أطرح كل ليلة تساؤلات: “هل يمكن أن نصنع روبوت؟، وفي صباح أحد الأيام اطلعت فريقي بالفكرة ورغبني في اختراع هذا الجهاز”.
وأضاف باسطة:” أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي قمت فيه برسم الروبوت على ورقة الاسترجاع التي توضع في مقعد الطائرة، وذلك خلال رحلة مباشرة من الجزائر نحو مدينة فرانكفورت الألمانية واحتفظت بها الى غاية اليوم”.
بعد عودتي للجزائر عمقت الأبحاث بشكل أكبر لمعرفة ما نحتاجه لصناعة ربوت، ومضت الليالي إلى أن اكتملت الرؤية، شرعنا في العمل رفقة فريق مكون من 35 شخص، كل واحد منهم يشتغل في تخصص الميكانيك ، الكهرباء، الإكترونيات، والتركيب، أي كل ما نحتاجه لصناعة الروبوت”.
ويقول باسطة إنه وفريقه واصلوا العمل رغم أزمة كورونا، حيث ضمنوا تصنيع 80 بالمائة من مكونات الروبوت، وهي أجزاء جزائرية، في حين تم استيراد قطع أخرى من الصين مثل المحرك الكهربائي”.
ويضيف باسطة :” النموذج الأول من الروبوت لم ينجح، والنموذج الثاني كذلك، استمر الوضع على هذا النحو إلى غاية 15 نوفمبر 2021، حينها نجح النموذج الثالث وأطلق عليه تسمية “اكوزيوم” أي الجزائر قديما، تم اختياره لسهولته من حيث الكتابة والبحث.
وأضاف باسطة :”قمنا بتجربة الروبوت في ورشة أضرمنا النيران فيها، وشغلنا الربووت فكانت النتيجة مذهلة”.
أول إعلان عن الروبوت كان في معرض الإنتاج الجزائري شهر ديسمبر 2022 بحضور وزير التجارة ، ومسؤولي الدولة الجزائرية.
فرنسيون يطمحون للاستثمار في المشروع
“اكوزيوم” هو أول اختراع عربي وإفريقي في هذا المجال ، عندما تم التعريف بالاختراع، اتصل بي _ يقول خالد باسطة _ منتج فرنسي في مجال أجهزة الحرائق يتساءل عن حقيقة الربوت وسعره، وطلب التعاون معه، إلا أني أخبرته ان اكوزيوم ربورت سيوجه لإفريقيا والعالم.
شاركنا في أول معرض في دبي شهر جانفي 2023 وعرضنا الربوت وبعدها بشهرين في هانوفر بألمانيا، وكانت اول مشاركة عربية وإفريقية، وتحصلنا في أعقاب ذلك على جوائز وطنية، كما قامت وزارة المؤسسات الناشئة بدعوتنا إلى كل المعارض التي تقام على هذا المستوى.
اللقاء مع الرئيس تبون..
وخلال مشاركتنا في الجناح الخاص بالمؤسسات الناشئة بقصر المعارض، وعشية العرض اخبرني مسؤولو المعرض أن الرئيس تبون سيزور جناحنا، يتحدث خالد، سررت كثيرا خاصة وأن لقاء الرئيس كان حلما يراودني دائما، وبالفعل التقيت السيد عبد المجيد تبون، الذي استمع إلى العرض الذي قدمته وكان فخورا بشباب الجزائر، كما أخبرني أنه موجود لمرافقتنا، وأنا أطلعته بحلمي للتصدير نحو الخارج والتعريف بالروبوت الجزائري.
وطلب الرئيس تبون من وزير المؤسسات الناشئة التكفل بملفنا، حيث نستعد اليوم للتصدير، وتلقينا طلبا من الشقيقة ليبيا لتصدير 5 ربووتات “إيكوزيوم”، إضافة الى بعض الدول الإفريقية والعربية، كما نسعى للتواجد في كافة أنحاء العالم.
ما هو ربووت إيكوزيوم؟
يقول باسطة أن مهمة روبوت “إيكوزيوم ” مكافحة الحرائق عن بعد دون الاستعانة بالعنصر البشري، ومعدات مكافحة الحرائق، كما يتم التحكم في الروبوت بكبسة زر على بعد 300 متر ويتوفر هذا الأخير على قاذف مياه يصل 80 متر، في حال تم ملؤه ب120 متر مكعب من الماء، ويشتغل هذا الأخير لتعويض 3 أو 4 عناصر من رجال الحماية المدينة في آن واحد.
وحسب خالد باسطة، فإن مهام الربوت لا تقتصر فقط على تعويض رجال الإطفاء وإنما أيضا إطفاء النار بطريقة متطورة، حيث يتكون من بطاريات بقدرات ضخمة يمكن أن تشتغل لمدة 6 ساعات، إضافة إلى مستشعر حراري يقيس درجة الحرارة داخل الروبوت وخارجه، وكاميرا حرارية.
وحسب مخترع الروبوت، فبالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، يتم تحديد بؤرة الحريق، ومعرفة من هم الأشخاص المتواجدين في مكانه وعددهم، حيث أجرت شركة “بيكافاير” عدة تجارب مع رجال الإطفاء، لتحديد فعاليته وكانت النتائج مذهلة أكثر من المتوقع.
كما ان الروبوت موجه للمدينة والمناطق الصحرارية، حيث يستطيع هذا الأخير صعود الدرج ونزولها، وأيضا التأقلم في بيئة المدينة والصحراء، ويختم باسطة حديثه بالقول: “نفكر مستقبلا في تطوير روبوت أكثر قوة قادر على إخماد نيران الغابات التي ذهبت ضحيتها في الجزائر مئات الأرواح وآلاف الهكتارات في العشر السنوات الأخيرة”.