مشروبات الطاقة.. مصالح التربية تدق ناقوس الخطر

أصدرت مديرية التربية لولاية الجزائر مراسلة رسمية بتاريخ 8 ديسمبر 2024، تحذر فيها من انتشار ظاهرة استهلاك مشروبات الطاقة بين التلاميذ، خاصة فئة المراهقين في الطور المتوسط، المراسلة، التي جاءت استنادا إلى تقرير وطني مؤرخ بتاريخ 7 ديسمبر، سلطت الضوء على المخاطر الصحية الخطيرة المرتبطة بهذه المشروبات، خصوصا مشروب “izem” “الذي أصبح متداولا بين التلاميذ، وينصح بعدم تناوله من طرف الأشخاص دون سن 16 لاحتوائه على نسبة عالية من الكافيين، والمعروف بتأثيراته السلبية على ضربات القلب وحركة الجهاز العصبي”.
وفي جولة ميدانية قامت بها “الشروق” في العديد من المحلات التجارية بالعاصمة، وقفت على نوع خاص من الزبائن والتجار معا، رغم التحذيرات الطبية لهذا النوع من المشروبات التي أصبحت تنافس العصائر والمشروبات الغازية بمختلف أنواعها وأذواقها،إلا أن الآباء أنفسهم يقتنونها لأطفالهم ويشجعونهم على استهلاكها بسبب نتائجها الفورية بدون وعي منهم لما تسببه من أضرار صحية، لا يكاد يخلو رف من رفوف المتاجر وأجهزة التبريد بالمحلات التجارية على رأسها محلات بيع الشاي الصحراوي من مشروبات الطاقة، خاصة العلامة “إيزم إينارجي”، التي أضحت تحظى بشعبية واسعة لدى مختلف الفئات منذ أزيد من سنة تقريبا عن تسويقها بالمحلات ودخولها السوق الوطنية كما أنها منتج محلي لعلامة تجارية معروفة في إنتاج المشروبات.
هذه المنتجات، التي باتت تنافس بقوة باقي العلامات الأخرى من المشروبات التي تحتوي على مواد منشطة، تعتبر اليوم من أكثر المشروبات استهلاكا، وهو ما أكده العديد من التجار الذين تحدثت إليهم الشروق”، إذ كشف أغلبهم أن مخزونها ينفد بسرعة من المحلات، ما يضطرهم إلى إعادة التزوّد بها خلال أيام قليلة من عرضها للبيع.
أشكال وأنواع وإقبال متزايد
داخل أحد المحلات الصغيرة المتخصّصة في بيع الشاي والمكسرات ببلدية القبة في العاصمة، كشف لنا البائع بعد استفسارنا قبل الخوض في الحديث حول هذا النوع من المشروبات حول أسعارها التي تتراوح ما بين 80 إلى 100 دج، قائلا: “أنا أرفض تماما بيع مشروبات الطاقة للأطفال والنساء، خاصة “إيزم”، لأنها تحتوي على نسبة من الكحول أعلى مقارنة بأنواع أخرى مثل “تيانتي” و”نينجا”، لكن، للأسف، هناك طلب كبير من الزبائن، بمن فيهم الآباء الذين يشترونها لأبنائهم، وهذا لا يمكننا التحكم فيه”. وأضاف محدثنا أن معظم التجار لا يهمهم ذلك، بل يخططون لجني المزيد من المال، خاصة بعد الطلب الكبير عليها، حيث أصبحت الرقم واحد في جميع المحلات، عشرات الزبائن يدخلون محلاتنا يوميا لاقتنائها.
وأوضح محدثنا، أن العلامة الجزائرية المعروفة بـ”إيزم إينارجي” باتت تحظى بسمعة واسعة، لكنها في المقابل أثارت مخاوف لدى البعض بسبب تأثيرها الذي يشبه المهلوسات، وكشف المتحدث أنها تحولت إلى إدمان حقيقي، لأنها تمزج مع الممنوعات للحصول على مفعول أطول لها، وهذا ما جعلها محل جدل وشبهة لارتباطها بالمهلوسات والمدمنين عادة.
وفي إطار جولتنا، أجمع التجار الذين تحدثنا إليهم، على أن بيع مشروبات الطاقة أصبح خيارا لا غنى عنه لتحقيق أرباح إضافية، في ظل الإقبال الكبير عليها، حتى إنهم أصبحوا يقتنونها خصيصا لجلب الزبائن بمحل تجاري لبيع المواد الغذائية والبقالة بباش جراح، لاحظنا أن هذه المشروبات تعرض بجانب المياه المعدنية والعصائر داخل المبردات، يقول صاحب المحل إن الطلب عليها مرتفع خاصة من فئة الشباب والمراهقين، حتى إنه لم يمانع في بيعها بما أنها منتج “حلال” وقانوني، على حد تعبيره، وهو الحاجز الوحيد فقط الذي يمنعه من تسويق أي منتج غذائي بمحله.
تحوّلت إلى موضة ورمز للقوة بين التلاميذ
من جهته، أكد رئيس المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، أن هذه الظاهرة باتت تأخذ منحى تصاعديا داخل المؤسسات التربوية، ما يتطلب تدخلا فوريا من الجهات المختصة، وطالب المتحدث وزارة التربية بالسماح للجمعيات الناشطة في مجال حقوق الطفل وحماية المستهلك من أجل الدخول إلى المدارس لتنظيم حملات توعوية وتحسيسية، ليس فقط حول مخاطر مشروبات الطاقة، بل أيضا بشأن الغذاء السليم والظواهر السلبية الأخرى التي تهدد صحة الأطفال وسلوكهم اليومي.
ولتقليل خطورتها وتأثيرها، دعا زبدي، المصالح الوصية على غرار وزارة الصحة ووزارة التجارة، إلى الاتفاق على إجراءات ومراسيم تنفيذية لتقنين بيع مشروبات الطاقة ومنع بيعها للقصر، وتقييد التشهير لها، وهذا ما يمكن أعوان التجارة من القيام بواجبهم في تعزيز الرقابة على تسويق هذه المشروبات، خاصة بعد إثبات مخاطرها الصحية على الأطفال والقصر.
وفي المقابل، أوضح زبدي أن استهلاك مشروبات الطاقة بين التلاميذ لم يعد مجرد عادة غذائية، بل تحول إلى موضة وتنافس، حيث يعتبرها البعض رمزا للقوة والمقاومة، ما ساهم في انتشارها السريع داخل المدارس، وأشار المتحدث إلى أن هذه المنتجات أصبحت في متناول الجميع، بسبب أسعارها التنافسية، وساهم غياب الحاجز المادي وزيادة الإقبال عليها، خصوصا في صفوف الأطفال والمراهقين.
ولفت رئيس منظمة “أبوس”، أن مكونات هذه المشروبات تحتوي على منشطات تُشكّل خطرا كبيرا على الأطفال، إذ تؤثر سلبا على انتظام نومهم وتوازنهم الجسدي والعقلي، واعتبر أن الطفل في هذه المرحلة العمرية ليس بحاجة إلى منشطات ومنبهات قد تحدث اضطرابات في سلوكياته وصحته العامة.
تنظيم حملات تحسيسية بالمدارس
من جهته، أكد الأمين العام الوطني للنقابة الجزائرية لعمال التربية، محمد بلعمري، أن معالجة ظاهرة استهلاك مشروبات الطاقة بين القصر تستدعي تدخل عدة أطراف، مشيرا إلى أن مديريات الصحة مطالبة أيضا بالتدخل، وليس مديرية التربية فقط، على حد تعبيره، وأضاف بلعمري أن المطلوب حاليا هو تنظيم حملات تحسيسية، موجهة إلى الأولياء، لتوعيتهم بمخاطر هذه المنتجات، ولحثهم على منع أبنائهم من اقتنائها.
أما داخل المؤسسات التربوية، فأوضح المتحدث أن الأمر يتطلب حملات توعوية وبرامج تربوية موجّهة للأقسام، تهدف إلى شرح الأضرار الصحية الناتجة عن استهلاك هذه المشروبات، خاصة في حال الإدمان عليها أو الإفراط في استخدامها، ويرى أن مثل هذه الأنشطة من شأنها تقليل الإقبال على هذه المنتجات بين التلاميذ.