مطلقات يخسرن معركة الحضانة!

يقول الشاعر حافظ إبراهيم “الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق”، فكم من أرملة وكم من مطلقة جزائرية استطاعت أن تكون أما صالحة وأن تربي أبناء وتكون أجيالا يفتخر بها، وفي غياب الزوج.. حضانة الأمهات لأبنائهن لم تكن مسألة تحتاج إلى نقاش، ولا مزايدة، إلا أنها اليوم، باتت تثير الكثير من الجدل في ظل التغيرات الحادثة ومستجدات “السوشال ميديا”، وتحرر المرأة، وانخراط الجنس اللطيف في الجريمة والمخدرات و”الحرقة”، والانشغال بمظاهر الترف والتنافس والمساواة في أمور كانت حكرا على الرجال!
وفي هذا الإطار، كشفت هيئات حقوقية، وشبكات الدفاع عن حقوق الأطفال، لـ”الشروق”، عن واقع مغاير تماما لما كان يعتقد أن انتصار المطلقات في قضية الحضانة أمام المحاكم، هو بالضرورة انتصار لأبنائهن وتحقيق لمصلحتهم، بل إن هناك الكثير من نقاط الضعف التي باتت تعصف ببعض النساء وتسقط عنهن حق الحضانة، وتثير عليهن فلذات أكبادهن، فهناك من الأطفال من يرفضون البقاء عند أمهاتهم، بحجج تكون قوية تتعلق بالانحراف.
شبكة “ندى” تستقبل شهريا 150 طفل ضحايا “الحضانة”!
وتعري حالات الأطفال التي تستقبلها شبكة الدفاع عن حقوق الطفل”ندى”، عن معضلة حقيقية في “حضانة” الأبناء من طرف الكثير من الأمهات المطلقات اللواتي تمكن من الحصول على هذا الحق أمام الجهات القضائية، وهن لم يلتزمن بمسؤوليتهن في الرعاية والتربية، كما كشفت شبكة” ندى” لـ”الشروق”، عن أطفال ضحايا يعيشون حالة معاناة وإضرابات نفسية بسبب قضايا الصراعات بين أوليائهم حول الحضانة وحق الزيارة للأب أو الأم.
وأكدت المحامية مليكة شيخة، منسقة برنامج “نحن في الاستماع” لشبكة “ندى”، أن حضانة الأولاد لم تعد حقا ينتقل بطريقة آلية إلى الأم، كما عهدنا سابقا، فهناك بحسبها، ظروف حديثة ووضع مختلف تعيشه المرأة العصرية، ولعل فئة الأطفال، بحسبها، الذين تستقبلهم الشبكة، خير دليل على إشكالية كبيرة تطرحها اليوم مسألة “الحضانة”.
وقالت إن شبكة “ندى”، تستقبل يوميا من 4 إلى 5 حالات لأطفال يعانون اضطرابات نفسية ومشاكل في الدراسة والأسرة، بسبب مشاكل النزاع حول الحضانة بين آبائهم وأمهاتهم المطلقات، ووجود “حاضنات غير مسؤولات” أي بمعدل 150 طفل شهريا، ووجود أطفال يرفضون البقاء عند أم كسبت قضية الحضانة في المحكمة، لكنها تخلت عن مسؤولية التربية والرعاية أو إنها تتعاطى المخدرات أو تمارس الدعارة والإغراء عبر مواقع التواصل. وأوضحت مليكة شيخة، أن 2 من أصل 10 أطفال تستقبلهم الشبكة، يتخبطون في مشاكل نفسية واجتماعية، بسبب المناوشات والخلافات التي يسببها حق الزيارة للطرف الذي لا يملك الحضانة لأبنائه، حيث ترفض بحسبها الكثير من الأمهات الالتزام بتنفيذ حكم المحكمة المتعلق بأوقات زيارة المطلق لأبنائه، وهو مشكل انعكس سلبا على تربية الأولاد.
وأشارت المحامية إلى أن شبكة “ندى”، تساهم في حل مشاكل 600 طفل سنويا تتراوح أعمارهم ما بين 5 إلى 16 سنة، من بينهم 5 بالمائة إناث، ولكن أغلب الحالات من هؤلاء الأطفال بينهم هاربون من الأسرة أو المدرسة ومنحرفون ومضطربون نفسيا، بدأت معاناتهم من نزاعات الحضانة بين الأزواج المطلقين.
“تيك توك” والمخدرات والفقر.. ثلاثية أسقطت الحضانة عن أمهات جزائريات
وفي ذات السياق، أكد عبد الرحمان عرعار، رئيس شبكة “ندى” للدفاع عن حقوق الطفولة، أن حضانة الأطفال أصبحت مشكلة اجتماعية للعائلات، خاصة في حال انفصال الوالدين، أو وفاة أحدهما، وقال إن ارتفاع قضايا الطلاق وضع الأطفال في خطر، حيث إن نسبة كبيرة من الأمهات المطلقات الحاضنات لأبنائهن، يتخبطن في أوضاع صعبة، تتعلق بوضعهن الاجتماعي الهش، أو بسلوكياتهن.
وكشف عرعار أن بعض حالات الأطفال الذين استمعت إليهم، المختصة النفسية أو القانونية لشبكة “ندى”، يعانون الضياع بعد انتقال الحضانة للأم بسبب عدم قدرتها على توفير الحاجيات الضرورية لأبنائها، وعيشها تحت خط الفقر، فالوضع الهش، بحسب عرعار، لبعض المطلقات حرمهن من حضانة أبنائهن، وبالتالي، وقوع هؤلاء ضحايا للصراعات والإهمال من طرف كلا الوالدين.
ومن ضمن الأطفال الذين استقبلتهم شبكة “ندى”، من رفضوا البقاء عند أمهاتهم، واحتجوا على حضانتها لهم كونهم يرون أنها غير أهل لذلك، وبالتالي، عاشوا في “كابوس الهروب”، على حد تعبير عبد الرحمان عرعار، حيث يوجد طفل يبلغ من العمر 14 سنة، هرب من البيت، والمدرسة، لأن والدته البالغة من العمر 38 سنة تنحدر من العاصمة، تمارس الإغراء عبر “تيك توك”، وله طفلة شقيقة، أهملتهما، وراحت ترقص وتتعرى عبر منصات التواصل الاجتماعي، من أجل جلب المال.
وبحسب الحالات التي لدى شبكة “ندى”، فإن طفلا مراهقا لم يتجاوز 15سنة من منطقة عين البنيان بالعاصمة، احتج على منح حضانته لوالدته، بعد أن كان يراها تتعاطى المخدرات، وتقضي سهرات ليلية في الملاهي، بينما هربت فتاة من والدتها التي كانت تأخذها معها إلى مثل هذه السهرات.
لا بد من مراجعات في إجراءات الحضانة
وحق الحضانة، في رأي عبد الرحمان عرعار، يحتاج إلى الكثير من المراجعات القانونية، لاسيما في ظل ارتفاع قضايا الطلاق، والتفتح على الزواج المختلط، خاصة إذا كانت الزوجة أو الزوج من بلدان لا توجد بينها وبين الجزائر اتفاقيات ثنائية في مجال التعاون في قضايا الأسرة، كما أن تغير العقلية في المجتمع الجزائري، وانتشار الظواهر والانحرافات والطلاق جعل الأطفال يعيشون بسبب رفض حق الزيارة للطرف الذي سقطت منه الحضانة، حالة ضياع وهروب من الواقع.
وحول السلوكيات اللاأخلاقية، وحالات الانحراف عند المطلقات الحاضنات لأبنائهن، قالت منسقة برنامج “نحن في الاستماع” لشبكة الدفاع عن حقوق الطفل “ندى”، المحامية مليكة شيخة، إن على المشرع الجزائري أن يعيد النظر في مسألة المادة القانونية التي تنص على “أنه في حال لم يطلب من له حق الحضانة في مدة تزيد عن سنة دون عذر سقط حقه فيها”، وترى بأن الكثير من المطلقات يحرصن على ألا يقعن في أي خطإ، ولا يعلن عن زواجهن، أو يظهرن سلوكيات تسقط منهن الحضانة خلال السنة الأولى من الطلاق، ثم بعد ذلك لا يبالين بما يسقط هذا الحق عنهم، خاصة أن المدة التي يمكن للمطلق أن يتدارك حقه في الحضانة من خلال أي تصرف لصالحه، انقضت ولم يعد ما يمكن أن يغير حكم المحكمة.
حضانة الأمهات للفتيات مهمة صعبة في مجتمع اليوم
ويرى المحامي سعيد بن عمر، بأن التغيرات التي جعلت من حق حضانة الطفل معضلة قضائية واجتماعية، ومسؤولية صعبة عند بعض الأمهات، تتعلق بجوانب اقتصادية واجتماعية، وتكنولوجية، حيث باتت الماديات بحسبه، والتمظهر والحرص على الوضع الاجتماعي من طرف الطفل أمام أقرانه، يجعله بمجرد بلوغه سن الـ15 سنة، يطلب إسقاط الحضانة عن والدته، وهو ما حدث في محكمة بولاية سطيف أين احتج أحد الأبناء على أن تعطى الحضانة لامه، وقال أمام المحكمة إنه لا يريد أن يبقى معها.
وفي ذات السياق، أكد المحامي لدى مجلس قضاء الجزائر، الأستاذ قدور حنفي، أن من الضروريات التي تستوجب إعادة مراجعة حق حضانة الأطفال، تغير طباع الفتيات واللواتي باتت تربيتهن صعبة ولا تستطيع عليه بعض الأمهات المطلقات خاصة في ظل تأثيرات منصات التواصل الاجتماعي، وانتشار الظواهر الاجتماعية وقضايا الانحراف.
هذه هي حقيقة مشكلة الحضانة
ويرى المحامي قدور حنفي، بأن إشكالية حق حضانة الأطفال بدأت منذ صدور قانون الأسرة 9 جوان 1984، حيث قبل صدور هذا القانون، بحسبه، كانت إجراءات سليمة تطبقها المحكمة وذلك بتعيين مساعدة اجتماعية تتحقق من وضعية وسلوكيات المطلق أو المطلقة، ثم تعد تقريرا تبين فيه من الأولى بحق الحضانة وأين تكمل مصلحة المحضون.
وبعد ذلك، يضيف الأستاذ حنفي، جاء قانون الأسرة بمنح حق الحضانة إلى الأم وبناء على هذه الأخيرة كان السكن مقر الزوجية حق المطلقة لممارسة الحضانة ولكن بعد انتشار حالات الطلاق، بحسب حنفي، أصبحت المرأة تمتلك السكن والحضانة، وبعد تعديل قانون الأسرة، فإن الزوج الذي لديه مسكنان يعطي واحدا للحاضنة أو يستأجر لها مسكنا.
وقال محدثنا إن المرأة بامتلاكها الأطفال والسكن والعمل والنفقة، تشجعت على طلب الطلاق، فتغيرت العقلية، ولم تعد مصلحة الطفل المحضون متوفرة في الكثير من الأحيان عند الأمهات، فهو قبل ذلك ضحية الطلاق.
وما يعكس مخلفات الطلاق والخلع، بحسب المحامي قدور حنفي، أن هؤلاء الأطفال المحضونين من طرف الأم في الغالب، يعيشون مشاكل على مستوى المدرسة والشارع، ويضيعون في حالات انحراف كتناول المخدرات والحبوب المهلوسة دون تربية ولا رعاية.
ودعا إلى مراجعة المواد المتعلقة بحق حضانة الأطفال، خاصة أن مصلحة الأولاد اليوم قد تتوفر عند الأب ولا تتوفر عند الأم، والعكس صحيح.
شائعة: “تيك توك” أدخل أمهات في دوامة الضياع وإسقاط الحضانة عنهن واجب
وبدورها، أكدت شائعة جعفري، رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، لـ”الشروق”، أن الأم هي الأولى والأهل لحضانة الأطفال، وهي المأمن الأكثر نجاح، ولكن للأسف، بحسبها، طفت مؤخرا في المجتمع ظواهر غريبة، وبرزت فئة من النساء لا تعرف معنى مسؤوليتها كأمهات.
وقالت شائعة جعفري، أنا شخصيا أنادي بإسقاط الحضانة عن تلك الأمهات اللواتي ينشغلن بالرقص في “تيك توك” للحصول على الإعجاب والمشاهدات، ويهملن أولادهن، ولا يتخذن جهدا في تربيتهم ورعايتهم، موضحة أن هذه الفئة اتسعت وأصبحت شريحة لا يستهان بها في المجتمع الجزائري، وأغلبهن مطلقات أو أرامل، وحتى متزوجات، من صغيرات السن.
وأبدت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، استغرابها من بعض الأمهات اللواتي يتركن أولادهن عند نساء غريبات عن عائلاتهن، ويسافرن بعيدا للعمل في نشاطات مشبوهة، مثل الرقص في الملاهي، أو الاتجار في المخدرات، وغيرها من النشاطات التي تلهيهن في جمع المال المشبوه.
وشددت شائعة جعفري، على عدم رمي المحصنات من اجل إسقاط الحضانة عن بعض الأمهات، حيث قالت إن الرقمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبحت وسائل تستغل في تشويه السمعة، ونسج الأكاذيب من خلال فبركة الفيديوهات ونشر الشائعات، حيث ترى بأن الحفاظ على الصحة النفسية للأطفال ونموهم العقلي والجسمي السليم لا يكون إلا في حضن أم لا تنتظر إلا منزل ودخل بسيط لأداء مسؤوليتها في أريحية.
وقالت جعفري إن القانون الجزائري يمنح الأمهات في العادة حق الحضانة الوحيد لأطفالهن، ومع ذلك، إذا اعتُبرت الأم غير مؤهلة لرعاية أطفالها، فقد يكون الأب قادرًا على تولي الحضانة.
ويسقط القانون الحضانة عن الأم إذا ثبت أن الأم غير صالحة ولها تاريخ من سوء المعاملة والإهمال، وإذا ثبت تعاطيها لنوع من أنواع المخدرات أو تزوجت الأم مرة أخرى..